الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبجديات الصورة

أبجديات الصورة
13 يوليو 2011 19:08
التطور الذي شهدته السينما جعلها تتحول إلى وسيلة فنية صناعية جديدة وضعها العلم حديثا في خدمة الإنسان، لكن مفهوم الصناعة كما تقول السينمائية الفرنسية مارسيل مارتان في كتابها “اللغة السينمائية والكتابة بالصورة” يتخذ معنيين مختلفين، فهو إما أن يدل على وجود حشد وسائل فنية صناعية بغرض إنتاج نوع معين من المنتجات الاستهلاكية، أو يعني أن تكون صناعة السينما تنظيما ماليا يديره أشخاص ذوو أغراض انتفاعية في نطاق نظام سياسي واقتصادي محدد. ولما كانت السينما في الغرب بأيدي قوى مالية وأفراد يملكون رؤوس أموال ويجعلهم النظام الاجتماعي لاهم لهم سوى غير استثمار حصصهم، ولا يرون في الفيلم إلا بضاعة للعرض، فإن جميع العقبات التي تقف في طريق تطورها، أوفيما يتصل بقيمتها تعود إلى هذا الواقع. وتعرض المؤلفة لمشكلة اللغة السينمائية التي هي موضوع الكتاب، وذلك من خلال سؤال مركزي هو هل في الإمكان عند الحديث عن الفيلم أن نتكلم عن “لغة” ما؟. اللغة والواقعية تعرِّف مارتان اللغة بأنها إنتاج اجتماعي وغرضها تحقيق التفاهم بين البشر، فاللغة ولدت تحت سلطان الحاجة إلى العلاقات التبادلة بين الأفراد واللغة السينمائية المبنية على الصورة ـ الفكرة هي أقل غموضا من اللغة المنطوقة ومن خلال دقتها تذكّر باللغة الحسابية. والصورة هي أداة تصويرية بدرجة فائقة كونها تفرض على أعيننا وعلى آذاننا قطعة من الحقيقة لأن صفات الصورة الفلمية ترتبط بمضمونها وبما تمثله، فالسينما هي فن واقعي إلى أقصى حد أو هي فن يقدم لنا الإحساس بالواقع على خير وجه وذلك لتفوقها في تصوير مظاهر الواقع فهي وسيلة نقل وتعبير ولغة. وتركز الناقدة السينمائية بصورة خاصة على الجانب الفني في السينما فتقوم بإجراء إحصاء منهجي ودراسة تفصيلية لطرق التعبير المستخدمة في الفيلم متوخية تحقيق هدف جمالي. في البداية تتحدث عن الخصائص العامة للصورة السينمائية التي تمثل المادة الأساسية للغة السينمائية فتشير إلى واقعية تلك الصورة، أو التي تتمتع بمظاهر كثيرة للواقع حيث تأتي الحركة في طليعة مظاهرها التي أثارت منذ القديم دهشة الإعجاب عند المشاهدين الذين هزتهم رؤية أوراق الشجر خافقة في النسيم. كذلك يمثل الصوت أحد المكونات الهامة للصورة الفلمية لما يضيفه إليها من بعد لتصوير الجو المحيط بالأشخاص والأشياء والذي نحسه في الحياة الحقيقية. إذا كان الفيلم يعرض في زمن محدد، ويروي قصة محددة، فإن اللون في الفيلم ينبغي أن يكون ذا قيمة درامية وليس قيمة وصفية وتصويرية فقط. إنه ينبغي أن يساهم في الحدث ويتابعه في موازنة، وأن يعبر بطريقة فنية عن الدراما الداخلية للشخصيات. لكن الصورة التي يجب أن تشكل واقعا فنيا تقدم رؤية مختارة ومكونة أي رؤية جمالية وليس مجرد نسخة بسيطة مطابقة للطبيعة. ولعل تكوين الصورة هو أبرز العناصر الجمالية في الفيلم، إلا أن المطلب هو تحررها من الجمود من خلال الحركة لاسيما ما يتعلق في استخدام العمق في الصورة، إضافة إلى أن التحول في الصورة يجب أن يكون محسوسا. وتبقى هناك خاصية أخرى للصورة هي دورها الدال لأن كل ما يظهر على الشاشة هو ذات معنى والفيلم كغيره من الفنون يستند إلى تقاليد أساسية لا علاقة لها بحكاية الفيلم. كذلك للصورة خاصية التعبير الأوحد. أما ما يتعلق بعلاقة الصورة بالكلمة التي شبهت بها في حين أنها تختلف عنها لأن الكلمة هي فكرة عامة ونوعية، بينما الصورة ذات دلالة دقيقة ومحددة، فالفيلم لا يعرض على المشاهد البيت والشجرة بل ذلك البيت المحدد والشجرة المحددة، الأمر الذي يجعل لغة الصورة تقترب من اللغة البدائية التي لم تبلغ حدا من التجريد العقلي في التفكير. الإضاءة الخلاّقة يركز الفصل الثالث من الكتاب على دراسة دور الصورة التي تعد بعد عمل الكاميرا والعنصر الثاني المحقق لتعبيرية الصورةَ، حيث تبرز أهميتها القصوى التي لا تزال غير معروفة نظرا لأن دورها لا يظهر مباشرة لعين المتفرج غير المنتبه، ولذلك تبدي الأفلام الراهنة اهتماما بالغا بالإضاءة. ولعل السينما الألمانية هي من السينمات المعروفة بسحر الضوء، وكذلك السينما الأميركية التي حمل إليها ذلك السحر مخرجون من أصل ألماني. كما أن قضايا الإضاءة تهيمن على تفكير المدرسة الواقعية المعاصرة في السينما. وتمثل الملابس والديكورات العنصر الأخير المشارك في تكوين الصورة بوصفها وسائل تعبيرية فالملابس التي تعد عنصرا نوعيا سينمائيا يجب أن تكون مثل كل ما يظهر على الشاشة واقعية تماما، ومطابقة للحقيقة لكي تسمح لنا بالتعرف على الشخصيات بسهولة، فهي التي تخلع على حركة الشخصيات ومواقفها قيمتها تبعا لهيئة الشخصيات وتعبيرها. ولا تقل أهمية الديكور الذي يجب أن يكون دقيقا في واقعيته عن أهمية الملابس في الفيلم لكن ديكور المناظر الداخلية هو الأجدر بالاهتمام لأنه يمنح المخرج حرية كاملة في الخلق. ويلعب الإيجاز دورا بالغ الأهمية في التعبير الفيلمي باعتبار أن للسينما لغة ذات طبيعة خاصة، هي لغة الصور المؤسسة دائما على الإيجاز التي تفهم ضمنا في فكرة التقطيع، والتي تعتبر عملية فائقة الأهمية رغم أنها في الغالب تهمل فالتقطيع هو الذي يحذف بشكل عام الأزمنة الضعيفة، والتي لا فائدة منها وهو ما يجعل الحياة في السينما متميزة ومصفاة ومركزة. إن الإيجاز قد تقتضيه دواعي البناء الروائي في الفيلم، أو الصفة الدرامية للحكاية حيث يكون هدفه تجنب الانفصام في وحدة جو الفيلم، أو تقتضيه النظرة الخاصة للكاميرا عندما تأخذ العدسة مكان شخصية من شخصيات الفيلم . كذلك يظهر الإيجاز في في المواقف الأليمة والمحرمات الاجتماعية . وترجع الناقدة تلك الإيجازات إلى شكلين رئيسيين أولهما الإيجازات المبنية على التوليف أي على التعبير في لقطات مع إدخال صورة رمزية. وثانيهما الإيجازات التي ترتكز على حركة الكاميرا بعد أن تكون الأخيرة قد أظهرت بطريقة عرضية مبادئ العشق ومقدماته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©