الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يهود مصر أجانب وليسوا مصريين

يهود مصر أجانب وليسوا مصريين
3 فبراير 2010 22:40
قررت د. زبيدة عطا، أستاذ تاريخ العصور الوسطى منذ عشرة أعوام أن تجعل من يهود العالم العربي موضوعا لدراستها، وأصدرت في ذلك كتابين، ناقشت في الأول اتجاه اليهود إلى بيت المقدس وفكرة الجيتو لديهم، ومكانهم في المجتمع العربي طوال العصور الوسطى، وفي الثاني ناقشت ما ردده العديد من الإسرائيليين وبعض يهود أوروبا وأميركا حول اضطهاد اليهود العرب، وقد أصدرت أخيرا كتابها الثالث “يهود مصر.. التاريخ السياسي”. تشكك د. زبيدة في مقولة أو مصطلح “اليهود المصريين” في العصر الحديث، فحتى وصول محمد علي إلى حكم مصر عام 1805 كان عدد اليهود في مصر حوالي 7 آلاف نسمة في أكبر تقدير، وهبطت بعض التقديرات بالرقم إلى حوالي ألف، ومع تجربة محمد علي، فتحت البلاد أمام الأجانب للتنمية، لذا ارتفع الرقم مع نهاية حكم محمد علي إلى أكثر من 25 ألف يهودي، وحين جاء إسماعيل باشا وانفتح بشدة على الأوروبيين، ازدادت الهجرة اليهودية إلى مصر حتى بلغ العدد 63 ألف يهودي وأخذ العدد في التزايد مع الاحتلال البريطاني لمصر، وتملك اليهود الشركات وسيطروا على رؤوس الأموال، وحرصوا على عدم الارتباط بمصر، فقد ظلوا بها مجرد أجانب، يحملون رعوية أجنبية، ولم يتجنسوا بالجنسية المصرية، وحين وقعت حرب فلسطين الأولى، عام 1948 كان هناك حوالي سبعة آلاف يهودي لا يحملون الجنسية المصرية. وتتساءل د. زبيدة، هل يمكن اعتبار هؤلاء مصريين؟ المال أولا الرأسماليون والأثرياء اليهود كان هدفهم المصالح الاقتصادية في المقام الأول “لم يكن للدين أي دخل” وهؤلاء حرصوا على عدم التدخل في أي شأن سياسي خاص بمصر، وباستثناء عائلة قطاوي التي كان منها وزير وأعضاء في المجالس النيابية، لم يظهر في الصورة آخرون من عائلات اليهود، فقد انشغلوا بالاقتصاد والبيزنس. وهم مع آخرين من الأجانب شكا منهم طلعت باشا حرب، لأنهم منعوه من تأسيس فرع في فلسطين لبنك مصر وأسعدهم استبعاده من رئاسة البنك، وقد نجح هؤلاء في إقامة علاقات قوية بعدد من السياسيين المصريين مثل إسماعيل صدقي الذي كان عضو مجلس إدارة بعدد من الشركات المملوكة لرأسماليين يهود، مثل شركة “كوم امبو” التي استولت على أراضي الفلاحين وطردتهم منها، وتقدم الأهالي بمئة شكوى إلى القصر الملكي، من تصرفات تلك الشركة وشكوكهم في القائمين عليها، بعض هذه الشكاوى ذهب إلى الملك فاروق مباشرة وبعضها إلى رئيس ديوانه أحمد حسنين باشا، وقد انتبه عدد من السياسيين المصريين إلى خطورة ذلك، ومن هؤلاء محمد حسين هيكل باشا وبقي هؤلاء الأثرياء على حالهم، ولم تكن اللغة العربية لغتهم ولا ثقافتهم، وكانوا يتكلمون الفرنسية، وكانوا يدعمون بشكل أو بآخر الحركة الصهيونية في فلسطين، وقدموا لها التبرعات والمساندة السياسية والمعنوية، بل أسسوا فروعا للصهيونية في مصر منذ نهاية القرن التاسع عشر، وكانوا على اتصال بالوكالة اليهودية الدولية. أفراد الطبقة العليا من اليهود لا تعتبرهم الباحثة مصريين، فهم أبناء الهجرات الأجنبية إلى مصر ويحملون رعويات أجنبية، أما الطبقة الوسطى، فهم ينقسمون إلى شريحتين، الأولى كانت تتشبه بالطبقة العليا من حيث الحديث بالفرنسية وليس العربية، وهؤلاء كانوا يعملون في البنوك والشركات الأجنبية وارتبطوا بها نفسيا وعمليا، ومن بين هؤلاء ظهرت بعض حالات تجسس مبكر لإسرائيل، وكانوا على ارتباط عضوي بالحركة الصهيونية. الشريحة الثانية من الطبقة الوسطى كانوا أقرب إلى عموم المصريين، وحمل أغلبهم أسماء عربية، بل إسلامية مثل عبدالواحد وفرج وأمين، وغيرها، أما أبناء الطبقة الدنيا فكان معظمهم مصريين أقاموا فيها منذ قرون عديدة. واليهود الذين انضموا إلى الحركة الصهيونية أو كانوا يدعمونها لم يجدوا صعوبة في ذلك، فقد كانت الحدود مفتوحة بين مصر وفلسطين، وكان للحركة اليهودية مكاتب رسمية، تعمل في مصر بوضوح، وظلت كذلك إلى أن اتخذ مصطفى النحاس باشا قرارا بإغلاقها نهائيا ومنعها من العمل داخل مصر، لما تمثله من خطورة على فلسطين، وتبين ضلوعها في الهجرات اليهودية المتزايدة إلى فلسطين، خاصة سنوات الحرب العالمية الثانية. ..والسياسة أيضا وأشارت د. زبيدة إلى أن اليهود طبقا للكتابات الصهيونية اضطروا للهجرة من مصر بعد ظهور الاتجاهات المعادية لهم بين المصريين وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا وجماعة مصر الفتاة التي تزعمها أحمد حسين، ويتناسى هؤلاء الكتاب الصهاينة أن تلك الجماعات لم يكن لها أن تظهر في مصر وتجد جمهورا من الشباب، يقبل عليها لولا ازدياد التدخل الأجنبي في شؤون مصر، سياسيا أو اقتصاديا في فترة الاحتلال البريطاني الذي فتح البلد للأجانب عموما وجعلهم السادة وأصحاب الكلمة. ويناقش الكتاب فكرة لم تتوقف عندها الباحثة بالقدر الكافي، وهي أنه لم يكن هناك انتباه في مصر بالقدر الكافي للخطر الصهيوني في فلسطين، لكن واقع الحال ينفي ذلك تماما. فمنذ مطلع القرن العشرين كانت الصحف المصرية تنبه بأعلى صوت إلى خطورة ما يجري على فلسطين وعلى كل البلاد العربية، والزعماء المصريون كانوا يدركون ذلك، مثل عبدالرحمن عزام باشا ومحمد علي علوبة باشا وغيرهما، لكن الصحيح أن السياسيين المصريين آنذاك، خصوصا الديوان الملكي والمحيطين به من السياسيين كانوا يقدرون أن الشيوعية هي الخطر الأكبر على مصر وعلى المنطقة، وأن الصهيونية تليها في الخطورة، لذا كان المعتقلون والمساجين الشيوعيون يتم تعذيبهم وتمنع الزيارات عنهم في السجون المصرية، بينما لم يكن يحدث شيء من هذا مع معتقلي الصهيونية. وقام بعض اليهود المصريين بالابتعاد عن الجماعات الصهيونية ومنهم من وجه نداء إلى أثرياء اليهود وعموم اليهود في 22 مايو 1948 كي يتبرعوا للجيش المصري الذي يقاتل في فلسطين، وبالفعل وصلت بعض التبرعات، بل إن فريقا من اليهود شكل جماعة لمحاربة الصهيونية والتصدي لما تقوم به في فلسطين، باعتبار أنها تسيء إلى اليهود أنفسهم وإلى اليهودية، وليس إلى مصر وبلاد المنطقة كلها. ويتميز الكتاب بثراء في المعلومات الدقيقة والكثير من التفاصيل ودقائق الأمور في مصر حتى عام 1948 وتطورات القضية الفلسطينية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©