الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إنها بيروت.. تحترق أيها السادة.. هل شاهدتم بأم العين؟

19 يوليو 2006 02:00
بيروت - رفيق نصرالله: إنها المقبرة المفتوحة والمتنقلة والتي لا تزال تستقبل الجثث الممزقة او المحروقة او ما تبقى منها، وبعضها يدفن على عجل دون ان تكتمل الصلاة عليه، دون ان يسير في جنازته احد· انه الدمار الذي يكاد يفوق ذلك المشهد الذي تعودنا ان نراه في الافلام الوثائقية عن سقوط ستالينغراد· انه التسونامي الاسرائيلي الذي زلزل الارض وما عليها· ان المشهد ذاته يتكرر، نساء واطفال وشيوخ يحملون ما تبقى وهم ينزحون نحو العراء ومداخل المباني وباحات المدارس هرباً من آلة الموت الاسرائيلية، ولا يغطي جسدهم المتعب الا ثوب البقاء، فيما الكثير من هذا العالم يخلع عنه ثوب الخجل· انها السماء ذاتها لا تزال تحتشد فيها الطائرات الرمادية التي ترمي بغضبها لتقطف ما تشاء من المباني والنوافذ والشرفات ولتقطع الاوصال والاعناق والاطراف· هي الطائرات ذاتها التي جاءت عام 1978 و1982 وفي كل عام لتتصيد بعض الحياة وبعض الامل في المستقبل او ما تبقى منها· هو ذاته الشارع يتحطم، وتتلعثم فيه الخطوات· هي ذاتها سيارات الاسعاف تشق طريقها بصعوبة لتنقل جريحاً او جثة او لتصير هي هدفاً لصاروخ كي تتمزق بما فيها هي ذاتها الشاشات تتحول الى مرآة للموت حيث الصراخ وطلب النجدة، حيث الركام والجثث وحيث يحتشد المحللون والمنظرون والساسة الذين لا يزال بامكانهم ان يتحدثوا عن الوطن وعما تبقى من الوحدة الوطنية او ليتشاجروا فيما الدم الطازج يلون كل المفاصل· هي ذاتها الحرب التي اتت جاء بها الاسرائيلي الحاقد على هذا الوطن الذي يبدو انه لا يزال يشكل عقدة له، فكلما نهض عاد هذا الاسرائيلي ليرميه بحجارة القوة التي يملكها، ونحن كل مرة ندعي بأننا طائر الفينيق الذي ينهض، فمتى كان الاسرائيلي يعشق الطيور او العصافير·· ألم تقتل كل عصافير جنين وغزة· من يصدق ان ضرب الطرقات هو لمواجهة المقاومة او ضرب محطات الكهرباء او ارتكاب المجازر عمداً بين الاطفال والنساء والشيوخ· من يصدق ان منارة بيروت الجميلة التي بناها رفيق الحريري كي تهدي السفن وكي تزين وجه بيروت تضرب كما لو ان ضوءها المشعّ هو شيفرة للمقاومة· من يصدق ان الشجر يضرب لانه مع المقاومة وان المياه تضرب· وهذه اول مرة في تاريخ الحروب يُقصف مجرى النهر بالطائرات فهذه المياه ترغب اسرائيل بها· من يصدق ان الطائرات تغتال بساتين الليمون والموز حول صور وتقطف الزهر منها كما تقطف زهرات العمر من شبابها· من يصدق ان البوارج تضرب ابواب المستشفيات، وان الطائرات ترمي حمولتها على اسطح البنايات بما زنته ألف رطل من المتفجرات كي تهوي على من فيها· لماذا تكره اسرائيل بيروت لهذه الدرجة وهي لم تشبع بعد من ضربها تحت اي ذريعة· بيروت الناس والكتاب والمسرح والساحات وراحة البال وسندويتش الفلافل ومنقوشة الزعتر· انه المشهد ذاته، رئيس وزراء اسرائيل، او اي رئيس وزراء، يتحدث من الكنيست ويلوح بيديه مهدداً، سنضرب اينما نستطيع· انه المشهد ذاته، موفدون اتوا، ليحموا اسرائيل، ليتحدثوا عن الخطر على اسرائيل، ليسألوا هذه المرة عن الجنديين الاسرائيليين، وكأن هذا العالم لا يرى، او يرى ولا يريد ان يرى، انه عالم العين الواحدة، عالم الضمير المجفف··· عالم مثلج مثل المبادئ والقيم التي لم يعد لها معنى· انه المشهد ذاته، الشارع العربي بارد مثل جثة، هادئ مثل المقبرة، لا احد يصرخ ليقول على الاقل كفى، فلا احد هنا في بيروت يراهن على ان تأتي النجدة غداً، ولا احد هنا يراهن على ان المعتصم سيجرد جيشه بعد قليل، فهو لم يفعل عندما رمت هدى برمل غزة في وجه هذا العراء وهو لم يفعل عندما هوى مخيم جنين ولم يفعل عندما مات اطفال قانا، ولم يفعل ··· ولم يفعل ولن يفعل، انه المشهد ذاته··· انه حطام الكبرياء الذي هو اخطر من حطام الضواحي، انه الزمن العربي الذي نموت فيه تباعاً، كما تموت القافلة دون ان يشعر من يقودها ان الجمال وراءه تسقط واحداً وراء الآخر، فيما هو يرمي بنظراته نحو البعيد وينشد آخر القصائد التي انتجناها شوف الواوا··· ماذا تفعل الواوا· أليس هذا الزمن هو زمن الواوا ··· حتماً هو كذلك· بيروت تحترق أيها السادة·· هل رأيتم ذلك بأم العين، ما نفع ان ترى العين او ان تدمع ولا تتحرك القدمان لتضرب الارض وتشعل الغضب·· مات الغضب فينا ايها السادة·· ومات العصب، فلنشرب قهوة الصباح·· فها هي عاصمة اخرى تحترق·· ويا خوفنا من الحرائق الآتية···
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©