الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيل فونتانا.. نحّات الصوت

بيل فونتانا.. نحّات الصوت
22 يناير 2014 21:26
يحلُّ الفنان التشكيلي العالمي بيل فونتانا ضيفاً على العاصمة الإماراتية أبوظبي، بتكليف حصري من مهرجان أبوظبي الذي تنظمه مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، في الفترة من 2 حتى 31 مارس 2014، حيث يعرض عمله الجديد الموسوم بـ «أصداء الصحراء»، والذي يستلهم فيه جماليات البيئة الإماراتية ويوثّق أصوات المكان الإماراتي التي تلتقى فيها أصداء الصحراء والبحر والريح وذاكرة الناس في إمارة أبوظبي، وسيتم الكشف عن العمل الفني لأول مرة عالمياً خلال فعاليات مهرجان أبوظبي 2014، وعن ذلك يقول الفنان: «العمل الفني يحمل ملامح هوية إماراتية خالصة، خاصة بالمكان الإماراتي أستوحيها من أصوات كامنة في الصحراء، الريح، حركة الرمل وانهياله، مرور الماء وانسابه، هبوب الريح، كل ذلك يأتي من سؤال: «ما الذي نتوقعه من أصوات تقولها الصحراء؟»، والجواب عندي: «الحركة الكامنة تقول الكثير». يعمل الفنان على إنجاز عمله ساعياً إلى تحقيق هدفين معاً: الأول استلهام جماليات المكان الإماراتي والبيئة المحلية، والثاني التعريف بفن المنحوتات الصوتية لدى الجمهور المتعطش للفنون في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي شكلٌ من أشكال التعبير الفني التركيبي والمفاهيمي معاً، يخدم البنية الصوت ــ مشهدية، عبر مفهوم إبراز الكامن من الجماليات الفنية التي تبدعها الحياة اليومية في مألوفها المعيشي والوجودي في لحظة التقاء فني بين زمانٍ ممتد ومكانٍ محدود، يتيح له الصوت أن يوازي اللحظة امتداداً واتساعاً وتعبيريةً فنيةً. وتمهيداً لعرض العمل من 22 مارس حتى 20 أبريل، قدّم الفنان، ومبدع فن المنحوتات الصوتية العالمي بيل فونتانا محاضرة فنية بتنظيم من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، في مقر جامعة نيويورك أبوظبي يوم الأربعاء 15 يناير، محاضرته التي تناول فيها تجربته كمؤسس فن المنحوتات الصوتية، التي أبدعها على مدى ثلاثة عقود، وأبهر بعروضه الجمهور في مختلف أرجاء العالم، وسلطت المحاضرة الضوء على تطور التقنيات الحديثة، ودورها في توثيق الأصوات وجمالياتها الكامنة في الصروح المعمارية العالمية العريقة من جسور لندن إلى سان فرانسيسكو وصولاً إلى برج ايفيل ومباني ألمانيا التاريخية. في أعماله الفنية التركيبية التي تجمع بين الصوت المسجّل بمجسمات الصوت الحساسة للغاية وأعلى تقنيات تسجيل الذبذبات والأصوات الخافتة، والصورة المسجّلة بكاميرات الفيديو الأكثر دقة، وفي المجسمات الصوتية التي أنجزها، أضاف بيل فونتانا جمالياتٍ عالية على الحجر والمعدن، وسجّل سيمفونيات الأصوات الخفية الكامنة في الجسور والمعالم العمرانية التي تعامل معها كآلات أو أنظمة موسيقية طبيعية. ضد الإمّحاء ينطلق الفنان فونتانا من مقولة مارسيل دوشامب «إن المنحوتات الصوتية أكثر ديمومةً وخلوداً، تترك للتاريخ جمالياتٍ لا يمحى أثرها، لأنها تبقى حاضرةً حيةً»، ويعتقد أن فرادة عمله على توثيق جماليات الأصوات تكمن في أنّ جمال الصوت ليس فيما نسمعه فقط، بل في طرائق استماعنا وإنصاتنا، إنه بهذه الفلسفة يوازي بين العمل الفني أياً كان مصدره وأدواته، أكان تشكيلياً بألوان الزيت والماء على القماش، أم نحتاً بمواد طبيعية خام من حجر أو خشب أو معدن، أو كان عملاً تسجيلياً بالصوت والصورة، كما يفعل هو، حيث ينصت إلى أدق الأصوات في لحظة انسجام صوتي إيقاعي تام لا تتكرر كما يشاؤها الفنان نفسه. بدأ الفنان فونتانا شغفه بالأصوات في لحظة مصيرية عاشها صغيراً، وكبرت معه حتى بات مهموساً بالتقاط الصوت في لحظة جمالٍ لا يتكرر، فكان العمل الأول الذي سجّله في غابات أستراليا أثناء الخسوف الذي امتد من شرق أفريقيا عبر المحيط الهندي وصولاً إلى شرق أستراليا، وقام حينها بتسجيل تغريد الطيور في الغابة الأسترالية الكثيفة، مع خلفية مشهد القمر أثناء خسوفه، وكان العمل الثاني له في ميناء سيدني توثيقاً للأصوات التي كانت تخرج عبر أنبوبة صدئة، وهو يشير إلى تلك اللحظة فيقول «أثناء التسجيل تيقنت من أهمية استغلال أي فرصة متاحة لعمل فني بالصوت»، حتى لو كان الصوت مرمياً على الطريق، أو هامساً في أدغال غابة وامتداد صحراء. بعد بداياته الأولى مع المشاهد الطبيعية وما يكمن فيها من أصوات، انتقل فونتانا إلى العمل على توثيق علاقته بأشياء وتفاصيل العمارة كونها انتقالاً من مرحلة الرومانسية المتعلقة بالطبيعة، إلى الواقعية المعاصرة المقاربة أكثر للحياة اليومية للبشر في المدن التي تحتضن أشكال المعمار من أبنية وجسور وقباب ومبانٍ تاريخية، وكان أن بدأ تركيزه على الجسور منذ سنة 1983، حيث عمل على استلهام مشاهدها وأصواتها لما لها من حضور فيزيائي وسيميائي، وكان أحد أعماله الأولى شبيهاً بصورة خلية النحل والصوت المصاحب لها، والذي كان، رغم أنه يقع في قلب المدينة، كأنه قفير نحل العسل الكائن في أحضان الطبيعة خارج التشكل المديني المألوف. عمل بيل فونتانا في السنة التي تلت، أي في العام 1984 بوحي من محطة القطار في برلين anhalter bahnhofs، حيث سجّل الأصوات بما حملته من الذكريات التي حفلت بها اللحظة في ذاك المكان، حين انطلاق صفير القطار، واحتشاد الركاب، ووداع الأحبة للمسافرين والمارة الذين يقفون ليلتقطوا صوراً ومشهدياتٍ للمدينة في أقصى ازدحامها. وتتالت الأعمال الفنية المتمثلة في المنحوتات الصوتية التي أنجزها بيل، وبينها عمله الفني في باريس والمستوحى من قوس النصر، وعمل فني آخر بعنوان «رؤى صوتية للبندقية» أنجزه العام 1999، حيث حشد لعمله أصوات الأمواج وصفير السفن وقرع أجراس الكنائس في متلازمة حية كسيمفونية ضاجة بالحياة مع مشهدية البحر الذي تطفو عليه مدينة البندقية بكل معمارها وجمال أبنيتها وحضور ذاكرتها. أصوات الكائنات في أعماله اللاحقة، استطاع بيل أن يقيم علاقةَ انتماء للأشياء، واستمد من أصوات الكائنات وعمل البشر والموجودات، حضوراً فنياً كأنه النحت، بلا إزميل ولا مطرقة، رغم أنه استطاع أسر الأصوات الحادثة في اللحظة/ الزمان كأنها الآن، عبر فنية تسجيلية أكثر إخلاصاً لجماليات الكائن/ الشيء في لا إرادة حضوره المشهدية` كمجسم نحتي أو فني جاذب. تنوعت الدوافع الفنية موضوعاً وذاتاً على الإبداع لدى فنان مغاير وحداثي مثل فونتانا، حتى كأنه يستوحي في تجربته المدارس الفلسفية والفنية والأدبية المتعددة، من الكلاسيكية إلى الرومانسية وصولاً إلى السوريالية الما فوق واقعية، والدادائية وغيرها، حيث يعمد إلى حشد عناصر الصوت والصورة في خدمة فكرته ومفهومه الفني، مستكشفاً الأبعاد الرباعية لكينونة الشيء/ الذات حتى لو كانت جماداً من معدن أو حجر، حتى يصل إلى إسقاط رؤيته الفلسفية وروحانيته على الموضوع كما في عمل استوحاه من الأجراس في اليابان في حالة هدأتها وهي تصدر أصواتاً داخلية وطنيناً حافلاً بآلاف الذبذبات الممتدة كحالة سرد تاريخي روائي لا فني جامد وحسب. وبناءً على تعمّقه في تجربة الأداء الصوتي الهرموني/ الإيقاعي وفهمه لطبيعة الأصوات، أنجز فونتانا عمله في عام 2006 لمعرض في لندن تيربان هول يجسد فيه كينونة «الجسر فوق الماء»، ويقوم بتسجيل الأصوات بأداة حساسة جداً، توثق ذبذبات الأسلاك المعدنية الفائقة القدرة على نقل الأصوات الكامنة، وكان الناتج عن ذلك سيمفونية موسيقية تؤكد احتمالية المزج بين الفنون والعلوم والتقنية معاً في انسجام تام وتصالح وجودي داخلي، وقد قام بتعميق التجربة أكثر حيث أنجز في العام 2010 عمله «ريفر ساوندنغ» في الفترة من 15 أبريل حتى 31 مايو، توثيقاً للأصوات الكامنة في نهر التايمز في لندن، ينتقل المشهد بين جدران المدينة الأثرية القديمة وصولاً إلى النهر. وكان أن أكمل مسيرته في العلاقة بالجسور والأنهر لما تحتشد به هذه البيئات المكانية من لقاء صوتي جامع لأصداء بحرية وبرية معاً، إلى جانب التداخل المتعلق باليومي في الحالة الساكنة للمكان قبل ذلك، فهو قد أنجز في العام 2011 عملاً خاصاً احتفالاً بالذكرى الخاصة ببناء جسر جولدن جايت في سان فرانسيسكو، كما استكمل السنة الماضية إنجاز عمل لمدينة جلاسكو خاص بتسجيل أصوات آلة الرافعة من أسفل، في إحالة هامة على مفاهيم استجدت للحداثة الفنية والعمرانية بشكل عام، حيث تشير هذه الآلة إلى العلاقة بالمدن والبناء كحالة تحفز حي للعمران والثبات الإنساني عبر الزمن، أو هي حالة انحباس وأسر للكائن في إطار الحديد الذي يعلو حياتنا من فوق، وفي ذلك يقول بيل فونتانا: «الفنون التشكيلية عندي تختلف عن المفهوم النمطي والعام لها، فهي في تجربتي تتخذ شكل اجتماع الحواس والأصوات والمشهديات معاً، كل ما نلمسه، ما نحسه، ما نسمعه وما نشمه من روائح، كلها تجتمع وتتكامل”. لفونتانا عملا فيديو: الأول يجسّد حالة قمة عقدة الأسلاك المعدنية التي تحمل المصعد عبر طبقات برج أيفل في فرنسا، والثاني لأسفل البرج، إنه برج ايفل بما يحمله من دلالة ورمزية لمقاومة الزمن وتحدي المستحيل في العصر الذي بُني فيه، كأنها حركة تنفس لا تنقطع في علاقتها بالانتقال والحمل إلى أعلى، بتعب كما سيزيف حامل صخرة الوجود منذ الأزل. سيرة حياة ولد بيل فونتانا في الولايات المتحدة الأميركية عام 1947، وهو ملحن وفنان تشكيلي أميركي وصل إلى العالمية عبر تجاربه الريادية في فنون الصوت ومنحوتاته (مجسمات صوتية)، ومنذ أوائل السبعينات انفرد فونتانا بمزجه بين الفنون الصوتية لتتفاعل وتتحول إلى رسومات بصرية وأشكال معمارية رائعة. وقد قدم فونتانا العديد من المنحوتات الصوتية والمشاريع الإذاعية للمتاحف ومؤسسات البث العالمية. حيث عرضت أعماله الفذّة في متحف ويتني للفن الأميركي ومتحف سان فرانسيسكو للفنون العصرية ومتحف لودفيج في كولونيا ومتحف فرانكفورت الأثري ومتحف تاريخ الفن والطبيعة في فيينا وكل من تات موديرن وتات بريطانيا في لندن، وفي المعرض الثامن والأربعين في بينالي البندقية، ومعرض فيكتوريا الوطني في ملبورن ومعرض الفنون في نيو ساوث ويلز في سيدني ومتحف كولومبا الجديد في كولونيا. اشتهر فونتانا بالعديد من الأعمال الرئيسية في مشاريع الفنون الإذاعية الصوتية التي أذيعت عبر أثير هيئة الإذاعة البريطانية واتحاد الإذاعات الأوروبية وهيئة الإذاعة الأسترالية والإذاعة الوطنية العامة وإذاعة ألمانيا الغربية وإذاعة السويد وراديو فرنسا، وهيئة الإذاعة النمساوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©