السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صُنع في...

صُنع في...
11 يوليو 2013 00:07
«الوجه الخفي للثورات العربية» La face cachée des révolutions arabes، هذا هوعنوان الكتاب الصادر باللغة الفرنسية بباريس في 536 صفحة، وهو كتاب جماعي اشترك في تأليفه 23 باحثا من 8 جنسيات مختلفة، وهم من الصحفيين والباحثين والفلاسفة ورجال السياسة والمختصين في الاستعلامات والمؤرخين ومن الديبلوماسيين أيضا، ومن بينهم المازري الحداد سفير تونس السابق لدى «اليونسكو» (منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم). وقد ورد في الصفحات الأولى من الكتاب تعريف مفصل بكل مساهم في هذا الكتاب، وهم من تونس و فرنسا والجزائر ومصر وسوريا والكوت ديفوار (ساحل العاج) وبلجيكا، ويبدو أن سيرهم الذاتية جاءت «منتفخة» لإعطاء مصداقية ربما لتحليلاتهم. فالمازري الحداد، مثلا، يتم تقديمه على أنه صحفي وكاتب وفيلسوف وديبلوماسي وسفير سابق، مع سرد لكتبه، وهذا «التضخيم» يعكس نرجسية بعض المؤلفين لهذا الكتاب. وقد تولى كل واحد بلا شك إعداد سيرته الذاتية بنفسه لتنشر جميعها في أولى صفحات الكتاب. المخابر الأميركية إن الوجه الخفي للثورات العربية، أو ما اصطلح على تسميته بـ»الربيع العربي» يتلخص ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ أنه «صنع» في «المخابر الأميركية» للتخلص من أنظمة متهالكة وآيلة للسقوط وأصبح استمرارها يمثل خطراً وتهديداً للمصالح الأميركية. وتلك نظرية راجت في بعض الأوساط، ولكنها بقيت في مستوى القول، إلا أن هذا الكتاب يقدم حججا وأدلة وتحليلات تبدو في الظاهر مقنعة، ولكنها طبعا قابلة للنقاش. وفي كلمة، فان الكتاب يتبنى نظرية «المؤامرة» العزيزة على العرب. ويكاد المشتركون في تأليف هذا الكتاب أن ينفوا دور حركات الاحتجاج الشعبية في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية، وحتى وان أتوا عليها فباحتشام وباختصار، وهم يرجعون كل ما حصل إلى»طبخة» أميركية أعدها كبار الاستراتيجيين في الإدارة الأميركية على نار هادئة منذ أعوام في انتظار تنفيذها في الوقت الملائم. وأطنب المشاركون في هذا الكتاب في الاستدلال على صحة ما ذهبوا إليه من تفسيرات وما وصلوا إليه من استنتاجات. فبالنسبة لهم فان الحراك الداخلي وإن كان حقيقة فأنه ليس هو العامل الأساسي في إسقاط الأنظمة، وإنما المحرك الحقيقي هو العامل الخارجي. والكتاب يؤكد أنه في الظاهر فأن ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن وأدى إلى سقوط الحكام، جاء نتيجة غضب شعبي عارم تجسم في اندلاع حركات احتجاج معبرة عن طموح شعوب مضطهدة للتخلص من أنظمة متهالكة وفاسدة، وقد نجحت تلك الشعوب في إنهاء وضع لم يعد مقبولا في القرن الواحد والعشرين. ولكن هذا الكتاب يجزم أن وراء كل ما حصل «حقيقة» أخرى مختلفة عما تناقله الرأي العام الدولي عن «الربيع العربي». وبحسب ما تؤكده فصول الكتاب فإن بعض جمعيات المجتمع المدني الأميركي قامت بتدريب شبان من دول عربية، مثل تونس ومصر وغيرهما، على كيفية توظيف شبكات التواصل الاجتماعي لزعزعة الأنظمة ساعة تحين الفرصة. تصدير الديمقراطية والكتاب غني بالمعلومات والوثائق التي تكشف ـ حسب رواية أصحابها ـ خفايا وأسرار «الربيع العربي»، ويتبنى المساهمون في تأليفه الأطروحة القائلة بأن شبكة من المنظمات الأميركية المختصة في ما يسميه المؤلفون «تصدير الديمقراطية» هي التي تقف وراء الثورات العربية، ومن أهم هذه المنظمات التي عددها الكتاب: ـ United States Agency for International Development (USAID) ـ National Endowment for Democracy (NED) ـ International Republican Institute (IRI) ـ National Democratic Institute for International Affairs (NDI ـ Freedom House (FH) ـ Open Society Institute (OSI) وهي نفس المنظمات، بحسب الكتاب، التي حركت خيوط الثورات التي وقعت في بعض دول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا كصربيا وجورجيا وأوكرانيا وكازخستان وغيرها. والأميركيون ـ كما جاء في تحليل أحد المشاركين في الكتاب ـ لم يصنعوا من لا شيء الثورات العربية، إنما عرفت هذه المنظمات كيف تستغل غضب الشعوب واستعدت منذ عام 2005 للساعة الصفر، وتم تدريب شبان عرب تجاوز عددهم في مصر مثلا عشرة آلاف شاب على كيفية استغلال شبكات التواصل الاجتماعي، وانفقوا مبالغ مالية طائلة من أجل ذلك. والكتاب الذي قال عنه البعض إنه «أسقط الأقنعة» تضمن شهادات ومعاينات على أرض الواقع، فبعض من اشترك في التأليف كان انتقل إلى ليبيا وأجرى تحقيقا في الميدان، ومن بينهم الوزيرة الجزائرية سابقا السيدة بن حبيليس التي استنتجت من معاينتها لما حصل في بلدان شمال أفريقيا والمشرق، أنها ليست حركات عفوية أدت إلى انهيار أنظمة دكتاتورية متجبرة وإنما هي من تدبير وإعداد جهات أجنبية استغلت الغضب الاجتماعي الحقيقي ووظفته لغايات مرتبطة بمصالح الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى في المنطقة. والملفت أن كل المشتركين في تأليف هذا الكتاب ـ كلهم بدون استثناء ـ وعلى اختلاف اختصاصاتهم وجنسياتهم، أجمعوا على حقيقة واحدة، وهذا الإجماع يدفع إلى الاعتقاد بأن الكتاب موجه وانه وقع انتقاء المشاركين في تأليفه وفق أفكارهم ومواقفهم، وبذلك فان الكتاب لا يمكن القول إنه يقدم الحقيقة وإنما يقدم وجهة نظر مختلفة قابلة للنقاش.. إذ جرى التركيز بشكل مبالغ فيه على العناصر الأجنبية وحتى وان تم في مرات نادرة الإقرار بالعوامل الداخلية فعلى احتشام مع الإلحاح دائما للتأكيد بأن العوامل الداخلية لم تكن حاسمة أبدا في حدوث ما حصل في تونس ومصر وليبيا. دول ونماذج في الجزء الأول من الكتاب مقال عنوانه «نشأة وأهداف ثورة الياسمين» والمؤلف هوالمازري الحداد، الذي يصف نفسه بـ»الفيلسوف» والكاتب والصحفي والديبلوماسي، وهو يعيش ويقيم ويعمل في باريس، وهو معروف بمواقفه الصدامية والمعادية للإسلاميين، وكان معارضا شرساً للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ثم أصبح من أشد المدافعين عنه وعن نظامه في الأعوام الأخيرة قبل سقوطه.. يكتب الحداد وينشر المقالات ويظهر في القنوات التلفزيونية (الفرنسية منها خاصة) مدافعا بشراسة عن نظام بن علي، وتمت تسميته سفيرا لتونس لدى «اليونسكو» بباريس، وهو في جانب من مساهمته في الكتاب تولى تقديم ما أسماه: «الوجه الخفي للثورة التونسية» وفيه مدح نفسه كثيرا مع مرارة يحاول إخفاءها من سقوط نظام بن علي، وهو إلى جانب تحميله الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية ما حصل في تونس فإنه ينتقد وسائل الإعلام الفرنسية والغربية عموما بتصويرها ما حصل في تونس بأنه ثورة شعبية تعبر عن رغبة التونسيين في التخلص من نظام ديكتاتوري. ويذهب المازري الحداد إلى حد وصف بعض وسائل الإعلام الغربية بـ»الساذجة» لتبنيها أطروحة الشعب الثائر ضد الظلم والطامح إلى الديمقراطية. ويلخص المازري الحداد ما حصل في تونس بتأكيده أن الأميركيين أرادوا استبدال النخبة السياسية الحاكمة بنخبة أخرى من الإسلاميين. وتم تخصيص فصل عنوانه «مستقبل غير واضح لليبيا» كتبته السيدة بن حبيليس، وهي جزائرية معروفة بمعاداتها للإسلاميين، وتضمن الجزء الأول من هذا الفصل مقالا عنوانه: «الأسباب الحقيقية لمقتل معمر القذافي»، وتم التأكيد بأنه لولا تدخل الحلف الأطلسي وفرنسا لم يكن ممكنا أبدا إسقاط نظام معمر القذافي. ولكن كاتب المقال الكسندر إيفي وهو فرنسي يعترف بشجاعة المدنيين الليبيين ببنغازي، مشيرا إلى أن مقتل معمر القذافي مرتبط بعلاقاته المتشعبة ببعض بلدان الخليج العربي ـ الذي يصفه الكاتب بـ»الخايج الفارسي» ـ واندفاع الفرنسيين والغرب للتدخل هو ضمان مصالحها في ضمان تزودها بالطاقة والنفط. أما الكاتب المصري سمير أمين فقد ساهم ببحث عن حقائق الربيع المصري، علما وأنه في كل مرة يأتي فيها ذكر الربيع العربي في كل المقالات والبحوث، فإنه يتم وضع التعبير بين مزدوجتين، دلالة على أنه مصطلح لا يتبناه الكتاب والمساهمون فيه. أما الجزء الثاني من الكتاب فقد تم تخصيصه لإبراز ما يسميه المشرف على إنجاز الكتاب «الدور الأكبر للعوامل الخارجية وخاصة دور الولايات المتحدة الأميركية». وتم تخصيص الجزء الثالث من الكتاب لإبراز النتائج والانعكاسات الدولية للربيع العربي، ومنها مقال عنوانه: «القاعدة هي الرابح الأكبر من الربيع العربي». أما ايف بونييه فقد كتب عن مسيحيي المشرق والربيع العربي، في حين أن الكاتب آلان شومييه اختار ان يعنون مقاله بـ: «الربيع العربي والخريف الاسلاموي». يذكر إن استهلال الكتاب كان عبارة عن الاستشهاد بمقولة لإبراهام لنكولن ورد فيها: «من الممكن أن تغالط جزءا من الشعب كامل الوقت، ولكن من المستحيل أن تغالط كل الناس كل الوقت». الكتاب: الوجه الخفي للثورات العربية La face cachée des révolutions arabes المؤلفون: مجموعة من الباحثين الناشر:Editions Ellipses
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©