الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وحدة الأمة الإسلامية تحقق لها أبلغ المنافع وأعظم الأثر

وحدة الأمة الإسلامية تحقق لها أبلغ المنافع وأعظم الأثر
20 يناير 2012
مما لا شك فيه أن وحدة الأمة مقصد رئيس في التشريع الإسلامي، صدع به القرآن الكريم في مختلف آياته «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» (المؤمنون 52)، ونطقت به السنة النبوية المطهرة في عبارات صريحة واضحة تحث على اتحاد الأمة وائتلاف أفرادها، فتمخض عن ذلك أن قدر الله المكنون لهذه الأمة لا يحمل لها حتمية أو لزوم التشرذم والتفرق، كما فهم البعض من جمع من النصوص، وإنما ذلك متروك لسنة الابتلاء والاختبار فيها، وما ذلك إلا لأن الأصل في العلاقة بين أفراد الأمة محبة تأتلف عليها النفوس، ومودة تجتمع عليها الأفئدة والقلوب، شهد بذلك الحق سبحانه وتعالى في كتابه، وحث عليه نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته، وما ذلك إلا لأن اتحاد الأمة وترابطها يجلب لها أبلغ المنافع وأعظم الأثر مما ينعكس عليها إيجاباً في مسيرتها وحياتها، فمن تلك الآثار: 1- ان الاتحاد فيه تقوية للضعفاء، وزيادة لقوة الأقوياء. فمما لا شك فيه أن ذرة واحدة لا قيمة لها، ومجموع الذرات يعطى النتائج والتفاعلات، ومما لا شك فيه أيضاً أن اللبنة في البنيان هشة بمفردها مهما توافر لها من مقومات الصلابة والمتانة، كما أن اللبنات المؤلفة إذا ما تفرقت وتناثرت أورثها ذلك وهناً وضعفاً، وإن بلغت آلافاً وملايين. فهي وإن كانت كثيرة بيد أن كثرتها كم غثائي تذروه الرياح عند أقل العواصف، أما إذا كانت تلك اللبنات في بناء أو جدار فإنها تحاط بسياج من القوة لا سبيل إلى تحطيمه، إذ إنها باتحادها مع غيرها من اللبنات الأخرى أصبحت منتظمة متماسكة تكسوها القوة وتغلفها المنعة، فمن أراد مناطحة لها يخر صريعاً تحت أنقاضها، وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن أبى موسى الأشعري “إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك أصابعه”، وأشار إليه الحق سبحانه وتعالى في كتابه حين قال «إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ» الصف 4. يقول الإمام ابن كثير فيما رواه عن قتاده رضى الله عنه في تفسيره لهذه الآية وما تحمله من دلالة على وحدة الأمة “ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه فكذلك الله عز وجل لا يحب أن يختلف أمره، وأن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به”. ولعل هذا المعنى قد بثه الأب لأبنائه عندما لم يستطع أي منهم أن يحطم مجموعة من العصي المتضامة والمجتمعة، في حين أمكن في سهولة ويسر كسر كل منها منفردة، فقال لهم: كـونوا جميعــاً بنى إذا اعـترى خطـــب ولا تتفــرقوا آحـادا تأبى العصي إذا اجتمعن تكثراً وإذا افترقـن تكـثرت أفـرادا 2- كذلك من المبررات التي أكد عليها الإسلام في حثه على وحدة الأمة ما يوجد في الاتحاد من عصمة للأمم من الضياع والهلكة، فالإنسان بمفرده عرضة للانحراف والضياع، يمكن أن تتخطفه الشياطين من كل جانب، بيد أنه في وسط الجماعة محمي بها كالعقد المرصوص الذي يأخذ بعضه برقاب بعض مثله في ذلك مثل الشاة التي انطلقت في القفار شريدة وحيدة فهددتها الذئاب بيد أنها إذا ما انضوت وسط القطيع لا يمكن أن يجترئ ذئب عليها إذ إنها محمية بالقطيع كله، وهذا ما جرى التنبيه التحذيري من النبي صلى الله عليه وسلم عليه في كثير من أحاديث سنته، فقد روى الإمام الترمذي رضي الله عنه في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار”. ويروي الإمام الترمذي كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة”. ويروى الإمام النسائي في باب التشديد في ترك الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله “عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية” وفي رواية للإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد”، ونقرأ في القرآن الكريم ما يحمل التأكيد على حث الأمة على الوحدة والترابط مما سجله في قصة كليم الله موسى عليه السلام، إذ واعده ربه ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر، فلما ذهب موسى عليه السلام لمناجاة ربه استجابة لوعد الله له خلف أخاه هارون بين أظهر قومه ليقوم بأمر الله فيه، وفى غيبة موسى عليه السلام صنع السامري لبني إسرائيل عجلاً جسداً له خوار فافتتنوا به قاصدين إياه بالعبادة، فلما رجع كليم الله إلى قومه ورأى انحراف قومه عن جوهر عقيدتهم اشتد غضبه، وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه وقال كما حكى القرآن الكريم “قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي” (طه 92- 93)، فأجاب هارون معتذراً “قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي” (طه 94)، ونلمح فيما اعتذر به هارون لأخيه أنه ما أسكته على انحراف قومه الذي مس جوهر عقيدتهم، إلا أنه خشى الفرقة والاختلاف عليهم ومما لا ريب فيه أن هذا الموقف من هارون يمثل في حقيقته مرحلة توقف يعقبها انطلاق، توقف لتدارس الأمر، وانطلاق لمعالجته بأمثل الطرق وأقومها بما لا يدع آثاراً سلبية تهدد وحدة المجتمع، وتقوض دعائمه وأركانه. أضف إلى ذلك أن الاتحاد والتآزر هي السبيل الوحيد لبلوغ دعوات الخير إلى الغايات المنشودة لها، فمن المتعارف عليه أن طريق الخير قد حف بالصعاب والمكاره، وطريقاً مثل هذا ينبغي أن يعلم السائرون فيه أنه ليس ممهداً بالأزاهير والرياحين، وإنما تحيط به الأشواك من كل جانب، فإذا لم يكن ثمة ترابط أو اتحاد فإن السائرين فيه من دعاة الخير، وصناع الفضيلة سرعان ما يسقطون عند بداية الولوج فيه، من أجل هذا كان دعاء موسى عليه السلام لربه أن يجمعه في وحدة واحدة مع صاحب صدق يشد أزره في طريق الدعوة إلى الله تعالى كي يصل بها إلى تحقيق أهدافها، وبلوغ غاياتها المنشودة، يقول سبحانه “وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا” (طه 29- 35). د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©