الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

العالم يكتشف «طرزان» ويعجب بنورمي في «باريس 1924»

العالم يكتشف «طرزان» ويعجب بنورمي في «باريس 1924»
7 يوليو 2012
نيقوسيا (ا ف ب) - كُرمت باريس مجددا، فمنحت شرف تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الثامنة، بعد 24 عاما من المرة الأولى، و30 عاما من تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية، وصادفت مرحلة التغيرات الثقافية والفنية والعروض المسرحية والمناظرات والندوات التي راجت كثيرا في المقاهي والمسارح. الفترة التي خصصت للألعاب امتدت من 4 مايو إلى 27 يوليو 1924، وشارك فيها 3092 رياضيا، بينهم 136 امرأة من 44 بلدا، تنافسوا في 18 لعبة هي: الملاكمة والمصارعة والدراجات وكرة الماء والتجذيف والفروسية وألعاب القوى واليخوت والجمباز والسباحة والغطس والبولو والركبي والخماسية الحديثة والرماية وكرة المضرب ورفع الأثقال والسلاح وكرة القدم. أما الدول الوافدة الجديدة فهي أيرلندا والمكسيك وبولندا ورومانيا وأوروجواي والفيليبين وإكوادور، وحرمت ألمانيا من المشاركة كما حصل قبل أربعة أعوام. وبدءا من هذه الدورة، منحت اللجنة المنظمة نقاطا للفائزين الستة الأوائل في الأدوار النهائية، فأعطت الحاصل على المركز الأول 7 نقاط، وصولا إلى نقطة واحدة لصاحب المركز السادس، واعتمدت للمرة الأولى قرية أولمبية مجمعة للرياضيين. وفي الترتيب النهائي لجدول الميداليات، حلت الولايات المتحدة أولى برصيد 45 ذهبية و27 فضية و27 برونزية، وتلتها فنلندا (14-13-10) ثم فرنسا (13-15-11). وكرمى للألعاب تحولت بقعة معزولة في منطقة كولومب إلى واحة نابضة بالحياة، حيث الاستاد الذي يتسع لستين ألف متفرج، وازدحمت مدرجاته بهذا العدد الكبير يوم الافتتاح بتاريخ 5 يوليو، ووصف هنري دومونتليرون المشاركين في طابور العرض بأنهم زهور العالم. وإذا كان “تدشين” الألعاب حشد جمعا كبيرا من مشاهير العالم، فتقاطرت سيارات رولز رويس لنقلهم ومنهم شاه إيران وإمبراطور إثيوبيا هايلي سيلاسي وأمير رومانيا، واحتلوا أماكنهم في منصة الشرف بجانب رئيس فرنسا، جاستون دوميرج، فإن المنافسات جيشت شريحة الفنانين والأدباء والشعراء واحتدمت “المعارك الأدبية” في تمجيد الأبطال سعيا إلى الظفر في المباريات الأدبية الموازية. واستوحى الفنانون أعمالا عدة من برج إيفل المشرف على كولومب، وقسم الرياضيين الذي أداه أحد أبرز الوجوه المحلية جيو أندريه الذي سبقت له المشاركة في دورتي لندن 1908 وستوكهولم 1912، والمبارزات والنزالات ومسابقات المضمار والميدان، ومنهم جان كوكتو الذي لم تكن مشاهدة المباريات مألوفة لديه، وبالتالي “عايش غرائب” كثيرة من على المدرجات. كانت المرحلة عصر أدباء منذ بول كلوديل وبول فاليري وأندريه جيد والفرق الموسيقية الجوالة، والأغاني التي تدغدغ القلب والرأس، وأشهرها أغنية موريس شوفالييه الداعية إلى الحب والانشراح “لننسى الهموم... الأحزان عابرة وكل شيء يتدبر”. وكان هناك رسامون أمثال ايريك ساتي الذي استوحى أعمالا ولوحات من أجواء المباريات وتفاعل الجمهور... كتاب وموسيقيون واظبوا على الحضور والمتابعة من المدرجات أمثال جيو شارل الفائز بذهبية الأدب وهو من المواظبين على المشي الرياضي والذي وصف رامي الجلة بمن “يحضن قلبه ويرمي الثقل بعيدا، كتلة مآسي يتخلص منها”. وطبعا النتائج الأدبية والفنية لم تنل رضا الجميع، إذ استاء دومونتليرون واعتبر نفسه الأحق بالتتويج، ومثله الرسام الياباني المقيم في العاصمة الفرنسية فوجيتا. كثر هم الذين خطفوا الأضواء، في مقدمهم العداء الفنلندي بافو نورمي نظرا لإحرازه خمس ذهبيات في جري المسافات المتوسطة والطويلة، وعداء المسافات القصيرة الأميركي هارولد ابراهامز، والسباح الأميركي جوني فايسمولر الذي لعب دور طرزان على الشاشة. وحكي عن سباق 800م كما يحكى عن الأساطير الإغريقية، وهو جمع السويسري بول مارتن والبريطاني دوجلاس لووي في “منازلة” استقطبت اهتمام الأدباء، وبعد نحو 20 عاما جسدت وقائعها من خلال عمل مسرحي لجان لوي فارو، وقاد الفرقة الموسيقية شارل مونش. بلغ طول لفة مضمار ستاد كولومب 500م، وتنافس في “السباق الأسطوري” ثلاثة أميركيين وأربعة بريطانيين، ومارتن الذي أصبح لاحقا جراحا مشهورا. ويتذكر السويسري لحظاته كافة، “كانت الأنظار مصوبة إلى البريطاني ستالارد، وقد تجاوزته قبل أن يفاجأني لووي، لذا استنزفنا قوانا حتى خط النهاية. في البداية تقدم ستالارد بنحو ثلاثة أمتار، وحين تراجع نفذ لووي من الزحمة وحيث تعين علي ملاحقته، كان أمامي بنحو خمسة أمتار، ووصلنا معا لكنه اجتاز قبلي شريط النهاية. والتفت نحوي ونادني عزيزي بول، إذ سبق أن تعارفنا وركضنا معا في دورة الألعاب الجامعية، وأدركت فوزه وصافحته مهنئا”. ويؤكد مارتن أنه سر بإحرازه الميدالية الفضية وكأنه صاحب المركز الأول. وإذا استعرضنا أيام ألعاب باريس، يأخذنا الحديث للتوقف عند ظاهرة الفنلندي نورمي بطل سباق 1500 م و 5000 م، كان يظهر عليه دائما الحرص على التركيز والحضور الذهني والبدني فظن البعض أنه يفضل الانزواء وعدم الاختلاط. وعرف عنه قيامه بتدريبات مرحلية تصاعدية لضمان اللياقة والقدرة على التحمل، لذا سمي بـ” رجل الحسابات” والإيقاع والخطوات المدروسة الواسعة وانتظام ذلك مع التنفس وتآلفه، علما أن بلوغ ذلك بحاجة إلى تضحيات كبيرة. كان نورمي (27 عاما) اكتشاف ألعاب أنفير 1920، حطم الرقم القياسي الأولمبي في سباقي 1500 م (53, 6, 3 دقائق) و5 آلاف (2, 31, 14 دقيقة)، وجاء انتصاره في السباق الثاني بعد 20 دقيقة فقط من إنهائه الأول مكللا بالغار، وهذه ظاهرة نادرة بحد ذاتها. وشارك نورمي أيضا في سباق الضاحية (10 آلاف متر)، الذي بلغ فيه عدد المتبارين 36 عداء من فرنسا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، لكن 23 انسحبوا، وكتبت الصحف في اليوم التالي معلقة أنه سباق خطر، كان درب جلجلة في ظل حرارة وصلت إلى 40 درجة مئوية، وكان يجب إلغاؤه. الاتحاد الفرنسي لألعاب القوى أخطأ من دون شك”. كان الغريب أن نورمي أنهاه بفارق كبير بعيدا من الآخرين، نضرا ومنعشا!. أما إبراهامز الذي فشل في محاولته الأولى في أنفير، فقد عادل في باريس الرقم الأولمبي للمائة متر (6, 10 ثواني) مرتين في التصفيات وفي السباق النهائي. وتميز القس البريطاني اريك ليدل، بارتدائه السروال الطويل إلى ما دون الركبتين، وتمتعه بطاقة تفوق قوة لاعبي الركبي، وهو أصبح مرسلا مبشرا في الصين، وقد أحرز سباق 400 م بعدما حل ثالثا في 200 م. كما برز هارولد اوسبورن في الوثب العالي وعرف أسلوبه بـ”الدوران الكاليفورني” بعدما اجتاز ارتفاع 98, 1 م، فضلا عن ذلك غنم الميدالية الذهبية في المسابقة العشارية وبات أول من يحقق هذه الثنائية الفريدة. وأجري سباق التجديف في مياه السين، وعاد اللقب للمرة الثالثة إلى الأميركي جون كيلي، لكنه لم يصل يوما إلى شهرة ابنته جريس التي أصبحت أميرة موناكو. والمعمرون الذين تابعوا منافسات حوض توريل عامذاك يصفون تلك الأيام بـ “التاريخية”، كان أسلوبه جديدا، ومثيرا يعوم ونصف جسده في الماء. هذا الشاب الأسمر البشرة (مواليد 1904) من أصل نمساوي كان حتى سن الثامنة يخاف من المياه ويخشى الاستحمام في مغطس المنزل، وصادف أن شاهده مدرب في شيكاغو ولفتت نظره قامته الممشوقة ويداه وقدماه الكبيرتان فـ “روض” روعه وحمله ليحصد لاحقا 57 لقبا أميركيا و62 رقما عالميا. فايسمولر طرزان الشاشتين الفضية والذهبية، انطلق في السينما عام 1930، وتلقفته هوليوود لأنه كان يعرف العوم جيدا، واشتهر بصرخته المدوية في أفلامه أكثر من حواراته مع طرزان الصغير (جوني شيفيلد)، وهو أحسن هذه الصنعة وتألق في هذه الميزة. صرخة في البراري والأدغال “مخارجها” من العبارات المتداولة في جبال النمسا مسقط أجداده. ومن مشاهير دورة باريس 1924 فرسان كرة المضرب الأربعة أبطال كأس ديفيس لاحقا، هنري كوشيه وجان بوروترا وجاك برونيون ورينيه لاكوست، الذين سعوا لأن يتوجوا أبطالا أولمبيين. عام 1920، شارك كوشيه للمرة الأولى في دورة خارج مدينة ليون، حين تبارى في أيكس لي بين، وتابع أخبار الألعاب الأولمبية في أنفير، وتمنى أن يتوج مثل سوزان لنجلن وجوزف جيومو، يومها كانت النظرة إلى الأولمبيين بأنهم “سوبر أبطال”. وفي دورة باريس، بلغ كوشيه نهائي فردي المضرب مع البريطاني فنسنت ريتشارد، ما جعل الازدحام كبيرا على باب الملعب “ولو لم يعرف عني أحدهم بعد انتظار استغرق 20 دقيقة لبقيت خارجا”. تقدم كوشيه في المجموعة الأولى 4-1 قبل أن يحرزها، وبين مد وجزر، تعادل اللاعبان بمجموعتين لكل منهما. كان الطقس حارا، وكوشيه يتصبب عرقا، فعمل كابتن الفريق ماكس ديكوجيس على تبريد جبهته بمناشف صغيرة مبللة بالمياه، لكن هذه اللفتة المنعشة انعكست وبالا عليه، إذ خارت قواه وتراخى أداؤه وخسر 2-3. وفي الزوجي، حل كوشيه وبرونيون في المركز الثاني، وصمما على بذل الجهد والتعويض في دورة أمستردام 1928، لكن كرة المضرب حذفت من البرنامج. وإذا كان الانتصار الذي طال تحقق عبر كأس ديفيس وهي بالطبع رمز كبير، فإن النظرة تختلف إلى الميدالية الأولمبية وسبق أن شارك برونيون في دورة أنفير التي شاهدت تألق ديكوجيس ولنجلن في الزوجي. ويتذكر أن الأميركيين احتجوا يومها على خوضها المباريات بحجة أنها محترفة، “وأنا شخصيا استفدت من متابعة أدائها كانت تقنياتها عالية جدا، لاعبة لا تقهر قوية وحاضرة للتصدي والهجوم من مختلف الزوايا والخطوط” أما لاكوست فخاض وبوروترا نهائي ويمبلدون وبات الأخير أول فرنسي يحرز اللقب هناك، وتوجها للمشاركة في دورة باريس الأولمبية مرهقين، لكن صداقة كبيرة ربطتهما مع زميليهما دامت أكثر من 60 عاما. ومن أحاديث الذكريات مع بوروترا نقتطف أسفه على حذف كرة المضرب من الجدول الأولمبي “بسبب التباسات الهواية والاحتراف، أعتقد أنهم كانوا على خطأ، واعتبر البعض أن كأس ديفيس تكفي لأنها قريبة من روح الألعاب، ولم يدركوا أن للألعاب الأولمبية نكهة خاصة ولا يجوز أن تطغى عليها الدورات الدولية الكبيرة، لأنها توسع القاعدة وتجعلها أكثر شعبية وديمقراطية”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©