الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسلمو فرنسا... هل باتوا في دائرة الاتهام؟

9 أكتوبر 2010 21:05
في الضواحي الفرنسية القريبة من العاصمة باريس، نادراً ما يعثر المرء على الخبز الفرنسي المعروف بشكله الطويل، بل يحل مكانه الرغيف العربي بشكله الدائري، هذا بالإضافة إلى انتشار منافذ الوجبات السريعة الحلال التي استبدلت محلات بيع الشكولاته الفرنسية الفاخرة، وذلك رغم أن الضاحية نفسها لا تبعد سوى بضعة كيلومترات بالحافلة عن شوارع باريس الأنيقة. وفي إحدى تلك الضواحي المعروفة باسم "إيل سانت دونيس" شمال باريس تطالعك نوادي غناء الشباب ومراكز التجميل ذات الكلفة المنخفضة، والأهم من ذلك وجوه المهاجرين الذين يعملون بجد لكسب رزقهم، وفي الضاحية أيضاً تظهر النساء المغاربيات اللواتي يغطين رؤوسهن وهن يشترين الخضار والفواكه من الأسواق القريبة كما يبرز التجار التونسيون، وهم يبيعون الزيتون وحلويات محلية، فيما الشباب من أصل أفريقي يلعبون الكرة في إحدى الحدائق بينما آخرون من أصل باكستاني يتجاذبون أطراف الحديث، وهم يرتشفون فنجاناً من الشاي، فهؤلاء والعديد غيرهم يشكلون جزءاً مهماً من سكان الضاحية الذين ينحدرون من آباء مهاجرين قدموا إلى فرنسا خلال موجة الهجرة الكبرى في الستينيات. لكن وخلافاً لآبائهم الذين ولودوا خارج فرنسا، يُشكِّل سكان الضواحي الجيل الثاني من المهاجرين الذين ولدوا في فرنسا ودرسوا في مدارسها، وبالتالي يحملون جنسيتها تماماً كنموذج الفرنسي المسن الذي يعتمر قلنسوة ويطعم الحمام في إحدى الحدائق الباريسية. لكن رغم هذا التساوي في الجنسية يرى أبناء المهاجرين من الجيل الثاني أنهم يعاملون على نحو مختلف عن باقي الفرنسيين من أصول أوروبية، هذا الأمر يعبر عنه "كيناز ديكو"، المسلم المتدين المنحدر من أبوين هاجرا إلى فرنسا من مالي قائلًا: "انظر إلى ما يحدث الآن: هناك استنفار أمني في فرنسا يركز خصوصاً على وجود مسلحين مسلمين يستهدفون بعض المواقع الفرنسية. وما أن تحصل بعض الاعتقالات التي تشير إلى قلة من المسلمين حتى نُدمغ جميعاً بتهمة الإرهاب ونتحول إلى خطر يتهدد الأمن في فرنسا دون تفريق أو تمييز"، وعندما يمازحه صديق آخر له من أصل أفغاني بسؤال "من هو الإرهابي يا حجي، لا شك أنه أنت"، يقف "ديكو" الذي كان جالساً في أحد المقاهي بالقرب من مركز "التوحيد" الإسلامي الموجود بالضاحية واقفاً ثم يقفز إلى الأعلى صارخاً "بوم بوم". ويرجع العديد من المراقبين تنامي العنصرية في فرنسا تجاه الأجانب والمسلمين على وجه الخصوص إلى ارتفاع أعدادهم خلال العقدين الماضيين في عموم أوروبا الغربية حيث قفز عدهم من 10 ملايين نسمة في العام 1990 إلى 17 مليوناً في 2010، ورغم حظر الحكومة الفرنسية إصدار إحصاءات رسمية تقوم على العرق أو الدين، إلا أنه وبحسب مركز "بيو" للأبحاث يعيش في فرنسا حالياً 6.3 مليون مسلم، وهو أكبر عدد للمسلمين في بلد أوروبي عدا ألمانيا التي تضم 1.4 مليون مسلم، لكن فرنسا تضم النسبة الأكبر من المسلمين قياساً للعدد الإجمالي للسكان مقارنة بألمانيا حيث تصل نسبة المسلمين فيها إلى 7.5 في المئة فيما تبلغ تلك النسبة في ألمانيا 5 في المئة من مجموع السكان. غير أن فرنسا وكباقي الدول الأوروبية تشهد فيها العلاقة بين سكانها المسلمين وغير المسلمين بعض التوتر، ففي يوم الخميس الماضي صادقت المحكمة الدستورية الفرنسية على قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة لتصبح بذلك أول بلد أوروبي يفرض هذا الإجراء فاتحة الطريق أمام إسبانيا وبلجيكا اللتين تفكران هما أيضاً في فرض حظر على ارتداء النقاب، وبموجب هذا القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ خلال فصل الربيع القادم سيكون من غير القانوني ارتداء البرقع أو النقاب في الأماكن العامة. وفي هذا السياق، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث خلال السنة الجارية أنه مقابل كل فرنسي يعارض القانون، هناك أكثر من أربعة يؤيدونه، لكن التوتر يزداد بشكل خاص في العلاقة بين المسلمين وغيرهم عندما تتعاظم المخاوف الأمنية مثلما هو الحال عليه اليوم. ففي الوقت الذي ترفع فيه دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والسويد وفرنسا من درجة اليقظة الأمنية، وتحذر مواطنيها من السفر بسبب تقارير تشير إلى ضلوع خلايا متشددة في التخطيط لهجمات تستهدف الدول الأوروبية يتكاثر الحديث في بعض الأوساط الفرنسية سواء علناً، أو في السر عن المسلمين جميعاً كمحرضين، أو كإرهابيين محتملين، ولا يبدو أن اقتصار التشدد على فئة صغيرة من المسلمين لا تمثلهم قد ساهم في تبديد مخاوف الفرنسيين وشكوكهم تجاه مواطنيهم المسلمين، وهو ما تشتكي منه "زينة دندون" التي تعمل مدرسة دينية في مركز "التوحيد" الإسلامي قائلة: "إنه لمن المؤسف أن نرى هذا الخلط بين المسلمين والإرهاب، إنه أمر يؤذي المشاعر ويغضبني كثيراً". وتضيف "زينة" قائلة "جزء مني لا يريد حتى الدخول في مثل هذا النقاش، إذ رغم وجود خطاب متشدد يسعى أحياناً إلى فصل المسلمين عن أوطانهم في أوروبا، لكن الوضع هنا في فرنسا مختلف بحيث أغلب المسلمين يفتخرون بانتمائهم إلى فرنسا وبكونهم مواطنين في هذا البلد". ويعتزم مركز "التوحيد" افتتاح فرع جديد له في الضاحية بعدما اشترى كما تقول "زينة" مرآبين متجاورين، وأزيل الجدار الفاصل بينهما ليوفر مساحة أكبر ليس فقط للمصلين والطلبة، بل لإقامة قاعة خاصة بالمهاجرين من أصول باكستانية حيث ستلقى دروس باللغة الأوردية. لكن رغم تأكيد المسلمين الفرنسيين انتماءهم إلى فرنسا أظهر استطلاع أجراه مؤخراً معهد "جالوب" حول رأي عموم الفرنسيين في مسألة ولاء المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم أنه بين 35 و40 في المئة فقط من المستجوبين يحملون آراء إيجابية عن ولاء المسلمين وذلك رغم أن 73 في المئة من مسلمي باريس شددوا على ولائهم لفرنسا. دانا هارمان فرنسا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©