الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كارثة «الماليزية».. بصمات وتداعيات

27 يوليو 2014 00:48
بعيداً عن رعبها المأساوي، هناك نتيجتان استراتيجيتان لإسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية «إم أتش 17». الأولى: أن روسيا متورطة بشكل كبير في قتال الانفصاليين ضد الحكومة الأوكرانية. والثانية: أن إسقاط الطائرة يحول المواجهة من حرب أهلية محدودة إلى صراع من شأنه التأثير على القارة بأسرها؛ ذلك أنه لم يعد يمكن للأوروبيين أن يتجاهلوها بسهولة أو يتفادوا إخضاع روسيا للمحاسبة. ويكمن الدليل على تورط روسيا في السلاح المستخدم لإسقاط الطائرة، ذلك أن صاروخ «أرض -جو» من طراز «إس إيه ـ 11» الموجه بالرادار، ليس مثل الصواريخ المحمولة على الكتف التي يستخدمها كثير من المتمردين في إطلاق النار على الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض عالمياً، وإنما هو نظام معقد يتطلب ثلاث سيارات وفريقاً مكوناً من 12 رجلا مدربين تدريباً خاصاً. ويكتشف رادار الجهاز قدوم طائرة، ويحسب سرعتها ومداها وارتفاعها، ويمرر المعلومات إلى «رادار الاستحواذ» الموجود في بطارية الصاروخ، ليتعقب الطائرة. وعندما تكون الطائرة في نطاق نموذجي، يتم إطلاق الصاروخ، وعندئذ يوجه «رادار تعقب الهدف» الصاروخ إليها. ويقول ضابط في القوات الجوية الأميركية مطلع على نظام «إس إيه -11»، إنه لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يصبح شخص ما، كان عاملا في منجم أو سائق حافلة قبل الحرب، قادراً فجأة على تشغيل مثل هذا النظام. ويضيف: «يستغرق تعلم استخدامه أسابيع، ونحو ستة أشهر كي يصبح الجندي محترفاً». ويوضح «جون بايك»، المتخصص في الأسلحة لدى «جلوبال سيكيورتي دوت أورج»، أنه إذا كان بعض الانفصاليين قد بدؤوا تعلم استخدام نظام «إس إيه -11»، نهاية العام الماضي، فإنهم بالكاد يكونون الآن قادرين على استخدامه. لكن نظراً لأن الصراع مع الانفصاليين في شرق أوكرانيا بدأ فقط خلال الربيع الماضي، فإن ذلك يطرح سؤالا: هل الأشخاص الذين أسقطوا الطائرة الماليزية انفصاليون موالون لروسيا أم أنهم ضباط دفاع جوي روس عبروا الحدود لمساعدة أشقائهم؟ على أية حال، القضية ليست ما إذا كان بوتين شجع المتمردين على القتال وأمدهم بالصواريخ فحسب، ولكن هي ما إذا كان ضباطه مسؤولون بصورة مباشرة، إما بتدريب الانفصاليين أو أنهم هم أنفسهم من تولى إسقاط الطائرة؟ ولا يعني ذلك، مثلما يعول البعض، أن مَن أسقط الطائرة «قاتل جماعي» أو «مجرم حرب»، فلا أحد يعتقد أن الطاقم الذي أطلق الصاروخ «إس إيه -11» في شرق أوكرانيا كان يقصد إسقاط طائرة «بوينج 777». وسواء أكان خطأ بشرياً أم خطأ تقنياً، أو أنها «ضبابية طيات الحرب»، فإن هذه الأشياء تحدث عندما ينخرط المدنيون في ميدان القتال، وعادة لا يكون ذلك خطأهم. بيد أنه، بسبب هذه المخاطرة بالتحديد، تتحمل روسيا اللوم على هذه الكارثة، بتوفيره الظروف التي جعلتها ممكنةً. فقد تسببت في اندلاع ثورة الانفصاليين، وحوّلت شرق أوكرانيا إلى ميدان قتال يمكن فيه لهذه الأمور أن تحدث. وهكذا هي الحال، حتى لو لم يكن رجالها هم مَن أسقطوا الطائرة مباشرة. وبعبارة أخرى، ومن منظور سياسي، تكمن أهمية إسقاط الطائرة في أنه يكشف أن روسيا ليست مجرد مورَّد، وإنما محارب إلى جانب الانفصاليين، وهو ما ينتهك السيادة الأوكرانية. وبعد أن كانت بعض الدول الأوروبية مترددة في إخضاع روسيا للمحاسبة، من خلال العقوبات أو مساعدة أوكرانيا أو أية تدابير أخرى، فإن هذا الحدث لابد أن يكسب هذه الدول مزيداً من الشجاعة لفعل ذلك. وبالطبع ليس المقصود هنا أنه يتعين عليهم فعل ذلك وأنهم سيفعلونه، بل أنهم قد يتحركون بدرجة أكبر من المعتاد بسبب حقيقة أن نحو 70 في المئة من الركاب الذين قتلوا على متن الطائرة كانوا أوروبيين، منهم 193 هولندياً وعشرة بريطانيين، وأربعة ألمان وأربعة بلجيكيين. ومن جانبه، أدان الرئيس الأميركي باراك أوباما، متحدثاً أمام المراسلين وكاميرات التلفزيون خلال الأسبوع الجاري، روسيا بسبب دورها في القتال، لكنه عرض على بوتين طريقاً للخروج، قائلا: «إن روسيا لديها تأثير استثنائي على الانفصاليين، لذا على بوتين أن يجبرهم على إيقاف مقاومة المفتشين الدوليين في موقع الحادث، وإيقاف القتال على نحو أوسع نطاقاً»، مضيفاً: «لا يزال من الممكن التوصل إلى حل سياسي، لكن إذا أصرت روسيا على مسارها الحالي، فستواجه مزيداً من العزلة». وتعتمد دول أوروبا الغربية، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا، بشكل كبير على الغاز والنفط الروسيين. لكن هذا القطاع، والذي يعتبر الركيزة الأساسية لاقتصاد موسكو، يعتمد بصورة رئيسة على الاستثمارات الغربية. ومن المرجح أن المستثمرين الغربيين، الذين فترت عزيمتهم منذ ضم بوتين شبه جزيرة القرم، سيبحثون عن طرق لتقليص دورهم في ذلك القطاع، عقب إسقاط الطائرة الماليزية، حتى وإن كانت العقوبات الرسمية لا تجبرهم على ذلك. ولا تمثل هذه الأحداث عودة إلى الحرب الباردة، بيد أن ذلك ليس في صالح موسكو. فقد كانت الحرب الباردة صراع نظامين عالميين: شيوعية الشرق مقابل رأسمالية الغرب. وفي أحلك لحظات الحرب، على سبيل المثال في عام 1983، عندما أسقطت طائرة دفاع جوي سوفييتية رحلة الخطوط الجوية الكورية رقم 7، وردت الولايات المتحدة بوقف شبه كامل للعلاقات الدبلوماسية، كانت لا تزال لدى موسكو إمبراطوريتها واقتصادها الذي تهيمن عليه بصورة مركزية. أما الآن فلا تملك روسيا إمبراطورية ولا اتحاداً سوفييتياً ولا حلف «وارسو» ولا «شيوعية دولية»، كما أن اقتصادها بات مرتبطاً ومتضافراً مع الأسواق العالمية. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©