الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تحقيق التراث.. رواده غابوا والجامعات انصرفت عنه

تحقيق التراث.. رواده غابوا والجامعات انصرفت عنه
27 يوليو 2014 00:54
يحتوي التراث العربي والإسلامي على ذخائر فكرية وعلمية عظيمة، ويتوانى العرب عن تحقيق هذا التراث وينصرفون عنه في الوقت الذي لا يدخر فيه المستشرقون جهداً للكشف عن كل جديد مدفون في خزائن العرب المسلمين، فكتب الرازي وابن سينا توضع في كبرى مكتبات الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وتترك في مكتبات مصر وسوريا ليأكلها الزمن فلماذا هذا الانصراف غير المبرر عن تحقيق التراث؟ وكيف يهمل العرب والمسلمون تراثهم ويتركونه لغيرهم من المستشرقين؟ تحتفي تركيا كل عام برائد إحياء التراث في عالمنا العربي والإسلامي علي مبارك، لأنها تدرك أهمية هذا العمل البطولي الذي قام به من رفع الغبار عن كنوز المعرفة الإسلامية. من جانبه يرى د.علي صبح عميد كلية اللغة العربية جامعة الأزهر الأسبق أنه من خلال إحياء التراث العربي والإسلامي، قامت حركة تجديد على صعيد النهضة السياسية والأدبية والفكرية والثقافية والاجتماعية والعلمية، لذلك تتابع الرواد ليزاحموا خطوات على مبارك في ذلك، ومن ثم كثر المحققون والمترجمون بعد التحقيق من العربية إلى اللغات الأخرى، واشتعل التنافس بين المحققين العرب والمستشرقين في الغرب في العصر الحديث. غياب الرواد وأضاف: بعد أن ذهب الرواد انصرف المعاصرون عن التحقيق في التراث، فالجامعات المختلفة انصرفت في دراساتها العليا عن تحقيق التراث بحجة أنه لا أهمية له وهذا خطأ فادح وقع فيه معظم الباحثين ممن انبهروا بالحداثة الغربية، كما أسهم ضعف مستوى الباحثين وميلهم الدائم إلى الاستسهال في إضعاف حركة تحقيق التراث لتوهمهم أن تحقيق التراث لا يجيدونه وهو وهم باطل، لأنهم لو قرأوا مبادئه وأسسه على يد شيوخهم لوضعوا لبنة جديدة على اللبنات التي شيدها الرواد في التحقيق، وشدد صبح على ضرورة أن تهتم كل الدول العربية والإسلامية بشحذ الهمم بالتشجيع أو الجوائز التقديرية وغيرها لمن وقفوا في تحقيق التراث، خاصة ونحن نحارب بالغزو الفكري بشتى ألوانه لقطع الاتصال بين ثقافتنا المعاصرة وبين أصالتنا في التراث العربي الإسلامي. وفي رؤية د. حسين نصار أحد كبار المحققين وأستاذ اللغويات بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن للتراث وظيفة أساسية في تجلية الهوية الحضارية للأمة، وتأكيد ذاتها، وحماية هذه الذات من الذوبان والانكسار، باعتبار أن التراث يستوعب مجموعة الرؤى والأفكار والخبرات والابتكارات، مما أنتجته الأمة في طول تجاربها الحياتية الشاقة، في حالات الانتصار والهزيمة، وفي حالات الازدهار والركود، وفي حالات التقدم والانحطاط، ولذا فهو يجسد الذاكرة التاريخية للأمة، ويمثل الزمن المتحرك المحيط بكل فعاليات الأمة ومكتسباتها. وأضاف: إن تحقيق التراث تأثر برحيل عدد من المحققين الذين وهبوا حياتهم كلها للتحقيق، ومنهم محمد أبو الفضل إبراهيم الذي حقق وأخرج نحو مائة كتاب، وعبد السلام هارون الذي أخرج عددا ليس أقل من هذا، وكذلك السيد صقر الذي ربما كان أقل في العدد لكنه مماثل في الجودة، أما الأجيال الجديدة فإنها لم تتجه إلى التحقيق، لأنها عملية متعبة وثمرتها لا تظهر بسهولة، ولولا إنشاء مركز تحقيق التراث في دار الكتب المصرية لما كان ممكناً إيجاد سوى قلة من الباحثين يعطون بعض وقتهم وليس كل الوقت لهذه العملية، ولذلك نجد أن ما يصدر من كتب التحقيق أقل مما كان يصدر في الجيل السابق. وأوصى نصار بضرورة إزالة العوامل التي تؤدي إلى الانصراف عن التحقيق، واستنكر ما تقوم به بعض الجامعات من عدم قبولها أن تؤدي الرسائل الجامعية سواء كانت ماجستير أو دكتوراه في مجال التحقيق، وهذا قاتل لعملية التحقيق. ركيزة وذاكرة ويؤكد د. محمود فتحي لاشين أستاذ الأدب والنقد باللغة العربية في جامعة الأزهر، أن حماية التراث تعني حماية ذاكرة الأمة من طغيان عوامل النسيان عليها، مما يترتب عليه قطع الصلة تماماً بين حاضرها وماضيها، ذلك الماضي الذي حفل بنتاج عقول مفكري العرب والمسلمين في مجالات العلوم والفنون والآداب، والذي كان ركيزة لما أصبح عليه الآخرون في الغرب والشرق من مظاهر الحضارة والتقدم، وأشار إلى أن المحقق الجيد يصعب وجوده الآن نتيجة ضعف المنتج العام وانتفاء وجود الطبقة الثرية، التي تنفق عليه وانقطاع الصلة الاقتصادية والعائد المرجو منه، وحتى نستطيع إحياءه لابد من الاتجاه إلى الرأسماليين للصرف على المخطوطات وأجهزة للاطلاع عليها. وبحسب هشام فتحي (محقق للتراث في مصر)، فإن التراث العربي الذي يبلغ ملايين المخطوطات، لم يعن به ولم يُقرأ بعين الخبراء والمهتمين بشكل علمي وبحثي كامل إلى الآن، وأمهات مخطوطات التراث العربي لم تقرأ بشكل كامل من قبل الباحثين، إن ما قُرئ من هذا التراث وحقق وخرج للنور بنشره يعبر عن رأي من قام بتحقيقه وناشره؛ لأن هذا يتم بشكل لا يتجنب أي صدام مع السلطة السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، وهناك العديد من المثقفين يفرضون وصاية على العقل العربي بعد البحث والتنقيب في التراث؛ فمثلا بعض المثقفين يرفضون فكرة تحقيق التراث الشعبي، وهذا نوع من المصادرة والوصاية. ومن جانبه، يرى د. صلاح الدين عبد التواب أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر أن الجيل المثقف الواعي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية في عصرنا الحديث لابد أن يتلقف هذا التراث بكل العناية والتقدير لاستخراج كنوزه ونفائسه وإزالة ما علاها من غبار الزمان، حتى لا تظل في عالم النسيان ومن ثم الإفادة منها بعد إدراك مدى أهميتها وليست العودة إلى التراث بالأمر المستحيل، كما أن وسائل حمايته والحفاظ عليه من الانقراض أصبحت من السهولة بمكان في عصر التقنية الذي نعيشه والتي تعددت وسائله في ظل المجالات. وأضاف لابد من إنشاء مراكز خاصة تعتني بجمع التراث وتحقيقه ونشره، تحت إشراف الأيدي الأمينة التي ترعاه وتعرف قدره وتغار عليه ولا تفكر لحظة في التفريط فيه، مهما كانت المغريات وقد يصحب ذلك كله إعداد الكوادر العلمية المتخصصة التي تولى التراث أهميته في الضبط والتحقيق والشرح والتعليق. وقال: إن ضعف الإقبال على تحقيق التراث اللغوي وغيره يرجع إلى قلة عدد المتخصصين في مجال التحقيق أو قلة المتحمسين له، لما يحتاجه المحقق من إمكانات مادية وفنية تعينه على المضي في مهمته، إضافة إلى الجهد الدؤوب وطول الوقت الذي يحتاجه المحققون، وشدد على دور مجمع اللغة العربية والمؤسسات التعليمية والبحثية العربية في الحفاظ على اللغة وتراثها الأدبي والعلمي في كل المجالات، داعياً إلى ضرورة إنشاء قسم للتحقيق في كل كلية من الجامعات بما يتناسب مع تخصص الكلية ، حتى تكون هناك علاقات تواصل وتبادل للحفاظ على التراث. أما د. سامي سليمان أستاذ النقد الأدبي في كلية الآداب بجامعة القاهرة، فيتمنى أن يتولى معهد المخطوطات العربية وضع خطة لنشر المخطوطات العربية وتمويل المحققين والالتزام بطبع الكتب المحققة، على أن تشمل الخطة تحقيق عدد كبير من المخطوطات في الدول العربية، وأن تكون الخطة مرحلية لمدة خمس أو عشر سنوات، وأن ترتبط بالأولويات التعليمية في المجتمع العربي، ويحددها المعهد بالتعاون مع الجامعات العربية المختلفة، مشيراً إلى أنه في غياب هذه الخطة نجد أن الكتب المحققة والتي يعاد طبعها باستمرار هي الكتب السهلة التي تقل قيمتها الفكرية عن المستوى المطلوب، في حين أن التراث العربي زاخر بالكتب القيمة والتي يمكن أن يطلق عليها أمهات كتب التراث. . أما ما يقدم للشباب الآن من التراث فينبغي أن يتم اختياره بعناية وذكاء، فتختار الكتب القيمة ذات المتعة والثقافة والبعيدة عما لا يحتاجه الإنسان المعاصر. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©