الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«جنوب الهذلية» شاعرة لم يتبق من قصيدها سوى رثاء أخيها

«جنوب الهذلية» شاعرة لم يتبق من قصيدها سوى رثاء أخيها
10 يوليو 2013 00:19
على مدار أيام شهر رمضان المبارك سوف نطل عليكم من خلال هذه الزاوية بعرض مختصر لعدد من الكتب في التراث والأدب والتاريخ وأدب الرحلات لتكون استراحة قصيرة، تروي شيئاً من شغف المعرفة في ساعات هذا الشهر الفضيل. ونتناول اليوم: الكتاب: “جنوب الهذلية” الكاتب: الدكتور نصرة الزبيدي عدد الصفحات: 50 من القطع المتوسط جهاد هديب (دبي)- “جنوب” .. أن تُعرف شاعرة ما بهذا الاسم، فكأنما هي قد خرجت للتوّ من مخيلة أسطورة. إذ أن هذا الاسم الذي لجهة لم يحدث من قبل أن حمله شاعر، لا في العصر الحديث وفي قبله من العصور. لكنه حقاً اسم لشاعرة ذاعت شهرتها في الشفاه والألسن في ما قبل الإسلام، كما عاصرت عدداً من الشعراء الكبار آنذاك. وبحسب الكتاب “ما وصلنا من شعر جنوب الهذلية”، للدكتور نصرة الزبيدي من العراق، الصادر مؤخراً عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع بدمشق في خمسين صفحة من القطع المتوسط فقط، فقد اختلف النسّابون والرواة بصدد مَنْ تكون، أي ما نسبها، لكنهم اتفقوا على أنها من قبيلة هذيل، من أهل مكة، والتي توازي قريشاً في الفصاحة والبيان، وقيل فيهم: هذيل التي لا تخلو “من شاعر أو رامٍ أو عدّاء”، وبحسب ابن جني فإن “هذيل أفصح العرب”. من عباءة هذه السلالة الشعرية خرجت الشاعرة جنوب، في حين لم يتبقّ منها سوى ثلاث قصائد، مجموع أبياتها يقف عند الرقم ستة وأربعين فحسب. غير أن “جنوب” في المصادر هي ثلاث نساء لا واحدة، أشهرهنّ جنوب بنت العجلان بن عامر بن برد بن منبه، من بني كاهل بن لحيان بن هذيل، ولها أخت تُدعى “ريطة” وهي شاعرة أيضاً، وكانت هذه العلاقة هي أساس الالتباس بينها وبين أختها، بالدرجة الأولى، وهما شقيقتا عمرو ذي الكلب، لكن جنوب من بينهما هي التي ارتبطت شهرتها كشاعرة برثاء أخيها. غير أن هناك امرأة شاعرة أخرى حملت الاسم “جنوب بنت عامر”، ونسب إليها البعض من مؤرخي الأدب ما قالته جنوب شقيقة ذي الكلب التي قد تكون هي جنوب ذاتها. أيّا يكن من أمر، فإن “جنوب”، هذا الالتباس، بكل جمالياته لا يقل شأنا عن شعرها، بالمعنى الجمالي للكلمة، على الرغم من ما تنطوي عليه هذه الجمالية من غُبن يلحق بالشاعرة الأصل التي ستبقى مجهولة في حين يبقى الشعر معلوما، هو الشعر الذي حفر لأخيها تمثالاً في التاريخ أكثر مما فعلت له فروسيته: “فكُنتَ النهارَ به شمسَه وكنتَ دجى الليل فيه هلالا فحيّاً أبحْتَ وحيّاً منعْتَ غداة اللقاء منايا عِجالا” والحال أنه ما من شاعرة عربية كلاسيكية، أتى على ذكرها الدرس النقدي العربي القديم، خاصة من العصر السابق للإسلام، إلا وارتبط اسمها وصيتها الشعري بالرثاء، والأخ تحديدا كما هي حال الخنساء، هذه التي ليست بأكثر أهمية (شعرية – جمالية) من جنوب الهذلية ربما، لكن التحاقها بالإسلام وتراجيديا مصرع أخويها الاثنين صخر ومعاوية قبل الإسلام واستشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية وموقفها من استشهادهم وما قالته لهم قبل المعركة قد ساهم في أن تكون هي الشاعرة الأبرز من شاعرات تلك الفترة. وهكذا ارتبط اسم جنوب الهذلية بحادثة مقتل أخيها، مع أنه لم يُقتل في معركة أو غيلة على يد أحد أعدائه، بل يرجِّح مؤرخو الأدب أنه عندما خرج غازياً قبيلة تدعى “فهم” غلبه النوم في أحد الأودية التي تتبع أرض هذه القبيلة، وأثناء ذلك وثب عليه نمران فأكلاه. لكن جنوب الهذلية أبقت ذكره قائماً في بيت تداوله الكثيرون من أصحاب المصادر على اعتبار أنه واحد من أفضل ما قالت في الشعر: “تمشي النسورُ إليه وهي لاهِيَةٌ مشْيَ العذارى عليهن الجلابيبُ”. كما أن بيتا آخر لها اعتبره مؤرخو الشعر ذاتهم ومصنِّفوه أحسن ما قيل في باب التسهيم، أي باب مَنْ قضى له الشعر ومَنْ قضى عليه: “فأقسمْتُ يا عمرُو لو نَبَهاكَ إذاً نَبَها منكَ أمرا عُضالا”. وتقصد النمرين لحظة هاجما الرجل النائم. لكن أين ذهب شعرها الآخر أيضاً؛ شعرها في باب كالغزل أو حتى الفخر بنفسها وقومها، وكذلك المديح، ولماذا ذهب هذا كله أدراج الرياح ولم يبق سوى رثاء الأخ، لا الزوج أو الحبيب أو حتى الوالد أو الولد؟.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©