السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسابات الربح الصينية في حروب أميركا التجارية

9 أكتوبر 2010 00:03
هل مازال ثمة أحد يستطيع أن يتحدث مع الصين؟ إنه سؤال مهم بشكل متزايد على الولايات المتحدة وبقية العالم أن يتأملانه في وقت يقوم العملاق الصاعد بفرض وتأكيد نفسه. الأسبوع الماضي، صوت مجلس النواب بأغلبية كبيرة على منح أوباما صلاحيات كبيرة لفرض تعرفات جمركية مرتفعة على الواردات الصينية؛ ويتمثل الهدف من وراء هذه الخطوة في الرد على السياسة النقدية التي تتبعها بكين، التي تحافظ على قيمة العملة منخفضة على نحو متعمد حتى يستطيع المصنِّعون الصينيون إغراق الاقتصاديات النامية بصادراتهم الرخيصة. ما إن كان مجلس الشيوخ سيوافق على هذا المخطط أم لا مازال أمرا مفتوحا للنقاش؛ إلا أنه من الأنسب أكثر ربما أن نسأل ما الذي قد يفعله الصينيون بالضبط في حال قامت الولايات المتحدة فعلا بفرض تعرفات جمركية مرتفعة على بضائعهم؟ بناء على تصرفات الصين الأخيرة، يمكن القول إن أي خطوات متسرعة في هذا الصدد يمكن أن تثير رد فعل قويا جدا، وربما حربا تجارية صريحة أغلب الظن أن الولايات المتحدة لن تكون هي الفائزة فيها. من المعلوم أن أوباما، وقبل ظهوره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، عقد اجتماعا دام ساعتين مع رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، طالب فيه الصين بوقف التلاعب بعملتها. ولكن، كيف كان الرد الصيني؟ روتينيا: بكمْ أنتم مدينون لنا؟ في تلك الأثناء، وعلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية اكتشفت شركات التصنيع اليابانية فجأة أن إمدادات المعادن النادرة التي تحتاجها لصناعة منتجات عالية التقنية، مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة والعناصر ذات الفعالية في إنتاج الطاقة مثل توربينات الرياح والسيارات الهجينة، قد قُطعت عنها. ولكن، ما الذي حدث لواردات اليابان المعدنية النادرة؟ وفق الحكومة اليابانية، قررت الصين، التي تهيمن على 93 في المئة من الإمدادات المعدنية الأرضية العالمية، وقف الشحنات المتوجهة إلى اليابان بهدف تسجيل نقاط في نزاع دبلوماسي. فقبل ذلك بأسابيع، كانت سفينة صيد صينية قد اصطدمت بسفينتين تابعتين لخفر السواحل اليابانية في المياه اليابانية، فقامت اليابان بحجز السفينة واعتقلت قبطانها. وردا على ذلك، سارعت الصين لاعتقال أربعة موظفين يابانيين من شركة "فوجيتا"، للاشتباه في قيامهم بتصوير منطقة عسكرية محظورة في شمال الصين. وهكذا، اقترحت اليابان تبادلا: قبطان سفينة الصيد مقابل المواطنين اليابانيين الأربعة المعتقلين؛ ولكن مسؤولي الحكومة اليابانية يقولون إن الصين رفضت؛ وقامت بعد ذلك، في مظهر من مظاهر القوة، بقطع شحناتها من المعادن النادرة إلى اليابان. وقد نفت الحكومة الصينية هذه الاتهامات، ولكن بغض النظر عما إن كان ذلك صحيحا أم لا، فإن اليابان وجدت نفسها فجأة في حرب تجارية لا ترغب فيها مع أكبر شريك تجاري لها. ذلك أنه خلال النصف الأول من هذا العام فقط، اشترت الصيني 20 مليار دولار من سندات الحكومة اليابانية؛ كما استثمرت الشركات الصينية زهاء 120 مليون دولار في شركات يابانية، الأمر الذي وفر دفعة للاقتصاد الياباني الآخذ في التراجع، كان في أمس الحاجة إليها. ولما استشعرت الحكومة اليابانية المشاكل القادمة، رضخت للصينيين في الأخير وقامت بإطلاق سراح قبطان سفينة الصيد في الرابع والعشرين من سبتمبر بدون قيد أو شرط. وحينها فقط، خفت مواجهة المعادن النادرة. وفي الأسبوع الماضي، قامت الصين بالإفراج عن ثلاثة من موظفي "فوجيتا" الذين كانت تعتقلهم؛ غير أن مواطنا يابانيا مازال يقبع في سجن صيني، كورقة مقايضة في مفاوضات لاحقة. ولكن، لماذا قد تتحدى الصين القوى الاقتصادية في العالم على هذا النحو؟ لأن قادة البلاد يعرفون ما الذي بدأ زعماؤنا للتو يدركونه: أن الصين هي التي ستفوز ربما في حال اندلاع حرب تجارية عالمية. في مارس 2009، أجرى البنتاجون لأول مرة سلسلة من مناورات الحروب الاقتصادية، كان الجنود فيها هم المتعاملون في "وول ستريت" والمديرون التنفيذيون والاقتصاديون والأكاديميون. أما الأسلحة، فكانت هي الأسهم والسندات والعملات. وقد جرى تقسيم المشاركين إلى فرق: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، اليابان، الاتحاد الأوروبي، إلخ. وبعد ذلك، قُدِّمت للفرق سيناريوهات مختلفة مثل انهيار كوريا الشمالية أو ظهور أزمة في أحد الاقتصادات الكبيرة في العالم، وطُلب منها أن تقوم بما يخدم مصلحتها الوطنية. وهكذا، شاهد خبراء أجهزتنا الاستخباراتية الحروب الاقتصادية وهي تندلع. إن ما أظهرته تلك المناورات هو خسارة الولايات المتحدة بشكل مستمر أمام الصين في حرب اقتصادية. ومن بين أسباب ذلك حقيقة أن الولايات المتحدة يمكن أن تنشغل بسهولة بنزاعات جانبية باهظة أضعفت قوتنا الاقتصادية؛ ولكن السبب الأهم هو أن الصين يمكن أن تتسبب للولايات المتحدة في ألم حقيقي من دون أن تشعر هي بذلك داخل حدودها. ذلك أنه من خلال القيام بمجرد تغيير آجال الاستحقاق لحوالي 850 مليار دولار من ممتلكاتها من سندات الخزينة الأميركية من 90 يوما إلى 60 مثلا يمكن للصين أن تتسبب في فوضى عارمة في أسواق الأسهم الأميركية. كما يمكنها أن تقوم ببيع مجرد جزء يسير من ممتلكاتها المالية الأميركية وتؤشر على أنها لم تعد تثق في الاقتصاد الأميركي، وهو ما سيكون كافيا لتفجير موجة هلع في الأسواق الأميركية. إن الدرس المهم المستخلص من تلك المناورات هو ضرورة أن نكون، في حالتنا الاقتصادية الضعيفة هذه، حذرين بشأن استفزاز التنين. والأهم من ذلك، أن يكون جميع المعنيين مدركين لذلك. وبالعودة إلى السؤال الذي استهللنا به هذا المقال: هل مازال ثمة أحد يستطيع التحدث مع الصين؟ فللأسف، يبدو أن الجواب في الوقت الراهن هو بالنفي. إيريك وينر كاتب أميركي متخصص في الشؤون المالية، مؤلف كتاب «سوق الظل» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©