الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سالم مولى أبي حذيفة.. إمام المهاجرين

سالم مولى أبي حذيفة.. إمام المهاجرين
26 يوليو 2014 20:05
نشأ الصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة، مملوكا رقيقا، في بيت أبي حذيفة بن عُتبة بن ربيعة، أحد أشراف قريش، وقد أحبه أبو حذيفة حبا عظيما، فأعتقه، وأعلن تبنيه له، وانتسابه إليه، فأصبح يُسمّى بين الناس سالم بن حُذيفة، وتزوج سالم ابنة شقيق أبي حذيفة فاطمة بنت الوليد بن عتبة. وعندما بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برسالة الإسلام كان أبو حذيفة وابنه سالم مِن أوائل من شرح الله صدرَهم للإسلام، وأنار بصائرَهم بالإيمان، وبعد الإسلام ازدادت علاقة سالم بأبي حذَيفة، وعظمت المودة بينهما، فكانا أشد التصاقا، وأكثر اتفاقا، وظل سالم يسمى بين الصحابة سالِم بن حذيفة، حتى نزَل قول الحق تبارك وتعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ . . . )، «سورة الأحزاب: الآية 5»، لكن أبا حذيفة لم يهتدِ إلى والد سالم، مع كثرة بحثه وسؤاله، فأطلق عليه الناس بعد ذلك «سالم مولى أبي حذيفة»، وظلَّ يُعرَف بهذا اللقب في حياته وبعدَ مماته. هجرته إلى المدينة وكان سالم- رضي الله عنه- من الرِّجال الذين أعلى القرآن شأنَهم، وأبقى في الغابرين أثرَهم، حيث ملأ القرآنُ على سالمٍ قلْبَه، وقد أكبَّ على كلام ربه، وفرغ له نفسَه ووقته، ليأخذه من فم النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى أتقنه ومَهَر فيه، فكان- رضي الله عنه- من المقدَّمين الممكَّنين في تلاوة القرآن، وقد رَزَقه الله صوتا عذبا حسنا، تطرب له الأسماع، وتخشع له النفوس. وعند بدء هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، هاجر سالم إلى المدينة المنورة قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهناك كان سالم إماماً للمهاجرين طوال صلاتهم في مسجد قباء وكان فيهم عمر بن الخطاب وذلك لأنه أقرأهم. وعن عائشة أنّها قالت: احتبستُ على رسول الله فقال: «ما حَبَسَكِ؟» قالت: سمعت قارئاً يقرأ فذكرتُ من حُسْنِ قراءته، فأخذ رسول الله رِداءَه وخرج، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقال: «الحمدُ لله الذي جعل في أمتي مثلك». وقد قال رسول الله: «إن سالماً شديد الحبِّ لله، لو كان ما يخاف الله عزَّ وجلّ، ما عصاه»، وأوصى الرسول أصحابه قائلاً: «خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل». وهو الأمر الذي جعل سالم محطَّ أنظار الصحابة وتقديرهم وإجلالهم. لصيقَ النبي في أحد وشهد- رضي الله عنه- الغزوات كلها، ولم يتخلف عن رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- في غزوة غزاها، فهو مِن أهل بدر، الذين قال عنهم النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم». وفي غزوة أحد، وعندما حُوصر النبي من المشركين، وأصبح هدفًا لسيوفهم وسهامهم، ورماحهم وحجارتهم، فكُسرت رَبَاعِيَتُه، وشُجَّ وجهه، كان سالم لصيقَ النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- في هذا الموقِف العصيب، يَفديه برُوحه، ويقاتل دونَه قتالَ الأسود الضارية، حتى إذا جَلَس النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- بعدَ ذلك وقد أرهقه التعب، كان سالم مولى أبي حذيفة، هو الذي يَغْسِل وجهه الشريف بالماء، ويمْسح الدم عنه. ويروى أنه بعد فتح مكة، وحين أرسل الرسول بعض السرايا إلى ما حول مكة من قرى وقبائل، وأخبرهم أنهم دعاة لا مقاتلون، كان سالم في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من قبيلة كنانة، فأسلموا ثم أسرهم خالد وقتلهم، فلم يكد يرى سالم ذلك حتى واجهه بشدة، وعدد له الأخطاء التي ارتكبت، وعندما سمع الرسول النبأ، اعتذر إلى ربه قائلاً: «اللهم إني أبرأ مما صنع خالد»، كما سأل: «هل أنكر عليه أحد؟». فقالوا له: أجل، راجعه سالم وعارضه. فسكن غضب الرسول. وفي معركة اليمامة تعانق الأخوان سالم وأبو حذيفة، وتعاهدا على الشهادة وقذفا نفسيهما في الخضم الرهيب، وكان أبو حذيفة يصيح: يا أهل القرآن، زينوا القرآن بأعمالكم. وسالم يصيح: بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قِبَلِي. وسيفهما كانا يضربان كالعاصفة، وحمل سالم الراية بعد أن سقط زيد بن الخطاب قتيلاً، فهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها، فحمل الراية بيسراه وهو يصيح تالياً الآية: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، «سور آل عمران: الآية 146». استشهدا معاً وأحاطت به مجموعة من المرتدين فسقط البطل، ولكن روحه ظلت في جسده حتى نهاية المعركة، ووجده المسلمون في النزع الأخير، فسألهم: ما فعل أبو حذيفة؟ قالوا: استشهد قال: فأضجعوني إلى جواره قالوا: إنه إلى جوارك يا سالم، لقد استشهد في نفس المكان. وابتسم ابتسامته الأخيرة وسكت، فقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان، معا أسلما، ومعاً عاشاً، ومعاً استشهدا، وذلك في عام 12 هـ، وذهب إلى الله ذلك المؤمن الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يموت: «لو كان سالم حيّاً لوليته الأمر من بعدي». وفي رواية أخرى: «لو أدركني أحدُ رجلين، ثم جعلت إليه الأمرَ لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©