السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

قمع النساء تحت حكم «داعش».. مشاهد من الموصل

قمع النساء تحت حكم «داعش».. مشاهد من الموصل
22 ديسمبر 2016 18:26
   ترجمة : وائل بدران   بمجرد أن سيطر الإرهابيون على مدينة الموصل العراقية، فإن عيون النساء صارت محرمة، وإظهارها بات جريمة تستحق العقاب. وفرض تنظيم «داعش» قوانين صارمة على أزياء النساء في الموصل بعد أن اجتاحوها قبل أكثر من عامين. وألزم التنظيم النساء بتغطية جميع جسدهن من الوجه إلى الكفين والكعبين. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل بثّ إعلاناً تحذيرياً عبر مكبرات الصوت، لإخبار النساء بتغطية عيونهن بغشاء من القماش الأسود. وقالت حليمة علي بدير، الزوجة البالغة من العمر39 عاماً، إنها استسلمت على مضض لكل إضافة جديدة على ملبسها، بداية بالنقاب لتغطية وجهها، والعباءة، التي تعرف أيضاً بالحجاب ثم الجوارب والقفازات. وعلى رغم من ذلك، فإن التزامها بقوانين «داعش» القاسية لم يكن كافياً عندما خرجت إلى شارع أمام منزلها في زيارة إلى منزل جارتها. وأضافت بأسى: «ارتديت كل شيء ممكن، النقاب والعباءة والقفازات والجوارب، وكل ما نسيت أن أفعله هو تغطية عيني!». وحليمة واحدة من عشرات النساء في أحياء المدينة التي تم تحريرها مؤخراً من قبضة التنظيم الإرهابي، وسردن تجاربهن في حوارات داخل مخيم «خازر» للاجئين، الذي يبعد45 ميلاً عن الموصل في شمال العراق. ولم تخطُ حليمة سوى خطوات قليلة قبل أن توقفها الشرطة الأخلاقية، وبدأ أفرادها المتطرفون في الصياح بوجهها وتعنيفها، قائلين: «أين زوجك؟ هل قبل أن يرى الجميع وجهك؟»، فأجابت: «لكني لم أظهر وجهي.. فقط عيني!». وعندما سقطت الموصل في أيدي تنظيم «داعش» في العاشر من يونيو عام 2014، كان يعيش بها ما يربو على مليوني نسمة. والموصل بطبيعتها مدينة محافظة، حيث كانت النساء تغطي شعورهن بغطاء الرأس، وأيديهن بملابس ذات أكمام طويلة. لكن المسلحين فرضوا مذهبهم الخاص، كما في الأماكن الأخرى التي سيطروا عليها، وطبقوا قواعد جديدة متطرفة خاصة بالاحتشام أزعجت الأسر في الموصل، التي أكدت أنه سرعان ما بدأت تشعر بتضييق الخناق. حملة «طرق الأبواب» وبعد ثلاثة أيام من السيطرة على المدينة، بدأ المسلحون حملة لطرق الأبواب وزعوا خلالها «قانون المدينة»، الذي يوضح خططهم لإحكام سيطرتهم على المدينة، حسبما أشارت دراسة أعدتها الباحثة «رشا القيدي»، ابنة الموصل، والباحثة في مركز «المسبار للدراسات والأبحاث» الذي يتخذ من دبي مقراً له. ونص القانون: «إلى النساء الفضليات قرن في بيوتكن بملابس محتشمة فضفاضة، ولا تغادرنها إلا في حالات الضرورة». وفي كافة أنحاء الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، كانت اللوحات تظهر صور النساء مثل شبح أسود، مغطى بالكامل بملابس قاتمة. وحددت المظهر الجديد للنساء في سبع نقاط، تشمل ضرورة أن ترتدي النساء ملابس ثقيلة لا تكشف ما تحتها، وضرورة ألا «تلفت الانتباه». وطوال شهر كامل على الأقل، لم يتم تطبيق القواعد الجديدة بالقوة، لكن في نهاية يوليو الماضي، تم توزيع آلاف النقابات على المحلات. وتم إصدار المرسوم الأول من بين مراسيم كثيرة تأمر النساء بوضع النقاب والقفازات. وفي الوقت ذاته، بدأ سكان المدينة يشاهدون سيارات مطلية بشعار شرطة الأخلاق التابعة لتنظيم «داعش»، حسبما أكدت «القيدي». «شرطة الأخلاق» وأمام الجامعة، أقام مسلحو التنظيم مقر وحدة الشرطة، المعروفة باسم «ديوان الحسبة». وانتشر أفرادها المعنيون بتنفيذ القوانين في أنحاء المدينة، يحملون دفاتر بها إنذارات مرقمة. وعندما يقبضون على امرأة مخالفة لقواعد الزي، يصدرون إخطاراً بحقها بضمان بطاقة هوية زوجها، ومن ثم يتعين عليه المثول أمام القاضي. وبحسب الروايات، فإنه حسب الجرم المرتكب، إما يضطر الزوج إلى دفع غرامة، أو تتم معاقبته هو أو زوجته بالجلد. وعندما اقتحم أفراد شرطة «داعش» منزل حليمة، طلبوا هوية زوجها، وعندما مثل أمامهم، أجبروه على دفع غرامة مالية قدرها 50 ألف دينار عراقي، أي زهاء 40 دولاراً أميركياً، وهي جزء كبير من دخل الأسرة الشهري. وتؤكد النساء، اللاتي روين قصصهن في ظل قمع التنظيم، أن أفراد شرطة «الحسبة» كانوا يتضاعفون كل شهر، لدرجة أن السكان أصبح لديهم انطباع أنهم في كل مكان، فقد كانوا يتسكعون بالقرب من المحلات وبجوار الأسواق. ووصفت زينة محمد، البالغة من العمر 27 عاماً كيف أنها رفعت الغشاء عن عينيها فقط لترى لون زي كانت تفكر في شرائه، ولم تكن متأكدة من درجة لونه، قبل أن تسمع على الفور صوت رجل يصيح، اتضح أنه شرطي، سارع إلى طردها من المتجر اعتراضاً على رفعها الغشاء. وتشير امرأة موصلية رفضت الإفصاح عن اسمها: «الأسواق الآن خالية تماماً من النساء، وأتذكر عندما عاقب مسلحو التنظيم فتاة لأنها كانت ترتدي حذاء ملوناً وتحمل حقيبة باللون ذاته، وأجبروها على العودة إلى المنزل بعد أن شتموها واعتدوا عليها لفظياً، وطالبوها بارتداء اللون الأسود لأن هذا اللون يلفت النظر على الرغم من أنها كانت ملتزمة بقواعد الزي الأخرى». أزمة مالية ووصفت أخريات حالات اضطررن فيها إلى عدم تأكدهن من باقي النقود التي أخذنها من البائعين، خشية رفع النقاب لعدّها. وأكدن أن تعثرهن وفي بعض الأحيان سقوطهن بسبب الملابس التي فرضت عليهن كان من الحوادث الشائعة. ويتزامن هذا مع أزمة مالية يعانيها تنظيم «داعش» جعلته يفرض المزيد من الضرائب على سكان المناطق التي يسيطر عليها، ويتفنن أكثر في سلب أموال التجار والفلاحين. في أنحاء المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق، وكذلك في سوريا وليبيا، أصبحت «حسبة داعش» المسؤولة عن الفضيلة، ومكاتبها مكتظة بدفاتر المخالفات التي أصدرها أفرادها. وتقيم إجراءات قضائية في قائمة من المخالفات، إذ تغرم الرجال أو تجلدهم بسبب عدم تطويل اللحى أو تأخير الصلاة عن وقتها، أو حيازة سجائر أو كحول، إضافة إلى قائمة لا تنتهي من المخالفات الأخلاقية الأخرى. وعلى أوراق «رسمية» تحمل الشعار الأسود للتنظيم الإرهابي، أصدر «داعش» فتاوى تفصل كل الحدود الجديدة والعقوبات المطبقة على كل منها، بحسب مستندات حصل عليها الباحث أيمن جواد التميمي، الذي وافق على نشر عدد من النماذج التي لم تنشر من قبل على صفحات «نيويورك تايمز». وناقشت إحدى فتاوى التنظيم اللون المناسب للباس المرأة، وخلصت الفتوى إلى أن اللون الأحمر محرم. وشددت أخرى على أهمية تغطية الوجه كله لأنه «موطن الفتنة والغواية». جورب مثقوب! وتم توقيف إحدى النساء لأن جوربها كان به ثقب، وكشف لون كاحلها، وسردت فتاة تعمل في مجال السكرتارية كيف أن ارتداء القفازات صعّب الإمساك بالقلم، وبالتالي، بات من الصعب عليها أداء عملها. وعندما حاولت خلع القفاز من يدها التي تكتب بها، تم توقيفها وتهديدها. ولأن قوانين الملبس تُطبق على ما ينبغي على النساء ارتداءه في الأماكن العامة، لم تشغل وفاء، البالغة من العمر 39 عاما بالها بارتداء عباءة عندما ذهبت لإعداد الخبز في أحد الأفران شمال المجمع الذي تقطن فيه عائلتها. وعلى الرغم من أن المجمع محاط بسور، لكنه منخفض بدرجة تمكن بعض الناس من اختلاس النظر، وبهذه الطريقة رآها مسؤولو «الحسبة». وسرعان ما وصل أفرادها للمطالبة بهوية زوجها. داخل المنازل وقالت: «أخبرتهم أنكم إذا كنتم تخططون للتدخل في حياتنا حتى داخل منازلنا، فعليكم أن تحضروا لنا غاز الطهي والبقالة والأشياء التي نحتاجها، بحيث لا يتعين علينا الخروج أبداً». وأضافت: «تعيدوننا للعيش في العصر الحجري». وعندئذ ترك مسؤولو «الحسبة» وفاء تمضي بعد تحذيرها، لكن في المرة التالية عاقبوها. وقالت الزوجة، التي لم تذكر سوى اسمها الأول، إنها كانت في نزهة مع أطفالها. ورفعت الخمار الذي يغطي وجهها، لا لشيء سوى إدخال الملعقة في فمها. ولسوء حظها، لاحظت سيارة سوداء وعليها الشعار الأخضر الخاص بشرطة الأخلاق، بحسب روايتها. وفي هذه المرة، تمت مصادرة بطاقة هوية زوجها، وأعطوه إنذاراً بالحضور. ونص الإخطار، الذي يحمل رقم 4715، على أن «السبب هو وجود الزوجة في الخارج من دون خمار». وبعد ذلك تم اقتياد وفاء إلى مكتبهم، حيث حكم عليها القاضي ذو اللحية الكثة بعقوبة 21 جلدة. وأوضحت «حاولت أن أعترض، وأن أوضح، فكيف آكل من دون أن أرفع الخمار؟، لكنهم لم يستمعوا لها، وتم نقلها إلى غرفة بها امرأة من جنسية عربية أمرتها بالجثو على ركبتيها. وكان بيد تلك المرأة سلك طرفه معدني». آلام لا تحتمل وقالت وفاء: «كانت الآلام لا تصدق ولا يمكن احتمالها، وكنت أصرخ وأبكي وأتوسل وأتضرع بالدعاء». ومزقت الجلدات ظهرها، وقضت ليلتين في المستشفى، ولم تتمكن من النوم على ظهرها لأسابيع. وتكشف شهادات أن التنظيم بات أكثر سادية مقارنة مع السنة الماضية، وأضحى أكثر تشدداً وأكثر عنفاً مما كان عليه، مع تشديد الخناق عليه وهزيمته في كثير من المدن العراقية. وأصبح من الواضح في نهاية المطاف أن الهدف من هذه القواعد هو إبقاء النساء حبيسات منازلهن. وقالت «حليمة»: «لقد كان هذا هو غرضهم، وجوهر نظامهم القضائي هو أن تختفي النساء، وأن يجعلوهن غير مرئيات». وقدمت مثالاً على ذلك بامرأة لا تزال في الموصل، وتتواصل معها، مؤكدة أنها لم تغادر منزلها منذ أكثر من عامين. وحاول عدد قليل من النساء الاحتجاج على هذه المعاملة، وكانت زينة واحدة منهن، ومن ثم تعرضت مراراً وتكراراً للعقاب من قبل الشرطة. وأكدت والدتها وشقيقتها هذه الرواية. وبالطبع، لم يتورع التنظيم الإرهابي في كثير من الأحيان عن إعدام نساء وسبايا اتهمهن بالتعاون مع القوات العراقية. *صحفية أميركية من أصل روماني، ورشحت لجائزة «بوليتزر» في التقارير الدولية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» من الواضح في نهاية المطاف أن هدف «داعش» من التضييق على النساء هو إبقاؤهن حبيسات منازلهن.. هذا هو غرضهم، وجوهر نظامهم القضائي هو أن تختفي النساء، وأن يجعلوهن غير مرئيات! إحدى نساء الموصل قالت عن عناصر «داعش»: «أخبرتهم أنكم إذا كنتم تخططون للتدخل في حياتنا حتى داخل منازلنا، فعليكم أن تحضروا لنا غاز الطهي والبقالة والأشياء التي نحتاجها، بحيث لا يتعين علينا الخروج أبداً». وأضافت: «تعيدوننا للعيش في العصر الحجري» إحدى فتاوى التنظيم الإرهابي ناقشت اللون المناسب للباس المرأة، وخلصت الفتوى إلى أن اللون الأحمر محرم. وشددت أخرى على أهمية تغطية الوجه كله لأنه «موطن الفتنة والغواية»! الموصل بطبيعتها مدينة محافظة، حيث كانت النساء تغطي شعورهن بغطاء الرأس، وأيديهن بملابس ذات أكمام طويلة. لكن إرهابيي «داعش» فرضوا مذهبهم الخاص، كما في الأماكن الأخرى التي سيطروا عليها، وطبقوا قواعد جديدة متطرفة خاصة بالاحتشام أدت إلى إزعاج الأسر تم توقيف إحدى النساء لأن جوربها كان به ثقب يكشف لون كاحلها، وسردت فتاة تعمل في مجال السكرتارية كيف أن ارتداء القفازات صعّب عليها الإمساك بالقلم.. وعندما حاولت خلع القفاز من يدها التي تكتب بها، تم توقيفها وتهديدها النساء، اللاتي روين قصصهن في ظل قمع «داعش» يؤكدن أن أفراد شرطة «الحسبة» كانوا يتضاعفون كل شهر، لدرجة أن السكان أصبح لديهم انطباع أنهم في كل مكان، فقد كانوا يتسكعون بالقرب من المحلات وبجوار الأسواق        
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©