الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألغام وزير الإعلام!

8 أكتوبر 2010 21:32
لا وصف أصدق وأدق للعلاقة بين شريكي الحكم في السودان خلال الأعوام التي انقضت منذ توقيع اتفاقية السلام من القول إن طابعها الأول كان عدم الثقة من كل طرف بالآخر، وبالتالي كانت الخلافات المتواصلة التي لا تنتهي يوماً إلا لتتجدد مرة أخرى. وتتضح خطورة هذا الوضع ونحن نستعد لحدث مفصلي سيجري بعد نحو مئة يوم ويتحدد فيه مصير الجنوب. وفي هذه الفترة الحرجة من تاريخ السودان فجر وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة وأحد قادة "الإنقاذ" لغماً سياسيّاً من شأنه أن يعقد الوضع أكثر فأكثر، وأن يجعل من العسير الوصول إلى اتفاق بين الشريكين في المحادثات التي تجري الآن في العاصمة الإثيوبية بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية وحكومة إثيوبيا والاتحاد الأفريقي بهدف الوصول إلى اتفاق لحسم الخلاف بين الشريكين حول ما يتعين إجراؤه في منطقة "أبيي". وقد أعلن الوزير المذكور، كمال عبيد، عبر الإذاعة الرسمية وصحف الخرطوم في اليومين الأخيرين من الشهر الماضي، ما يلي بالحرف: "لن يكون الجنوبي المقيم في الشمال حال وقوع الانفصال مواطناً، ولن يتمتع بحق المواطنة والوظيفة والامتيازات، ولا حق البيع والشراء في الأسواق، ولن نعطيه «حقنة» في أي مستشفى". وهذا يعني الحرمان من كل الحقوق التي يتمتع بها أي مقيم في السودان الشمالي من أي مكان جاء منه في العالم، فكيف بالأمر وهو موجه إلى جنوبيين يتمتعون بحق المواطنة منذ مولدهم. إن وزير الإعلام بتصريحه هذا يناقض، في رأيي الخاص، كل القوانين السارية ويلغي الدستور ويرفض ميثاقاً دوليّاً عن حقوق الإنسان. ولو قصد الوزير بتصريحه هذا أن يخيف الجنوبيين المقيمين في الشمال من التصويت للانفصال فإنه حقاً قد أخطأ الهدف وأصاب علاقات الشمال بالجنوب في مقتل. وعلى النقيض من أقوال وزير الإعلام الشمالي جاء تعليق قيادة "الحركة الشعبية" التي تحكم الجنوب هادئاً، فقد أعلن "سلفاكير" النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب عقب اطلاعه على تصريح وزير الإعلام الشمالي، أنه يقف مع دعاة الانفصال، "ولكن سيكون الشماليون المقيمون في الجنوب، أو الوافدون إليه، بعد الانفصال محل ترحيب، وستضمن حقوقهم ويحاسب ويعاقب كل من يتعدى عليهم". إن سياسة حزب المؤتمر الوطني المعلنة لحين إشعار آخر تقوم على تكثيف الدعوة للوحدة وتفنيد دواعي الانفصال، والتوصل لانفصال سلمي إذا كان الانفصال هو خيار الجنوبيين. والمسؤول الأول عن تنفيذ هذه السياسة عن طريق استخدام الوسائل الإعلامية هو وزير الإعلام، فإذا به يفاجئ الجميع بتصريح ينسف هذه السياسة ويفتح الطريق واسعاً لانفصال ساخن يحمل معه كل معاني الحقد والكراهية، ويفضي في النهاية إلى حرب جديدة بين الشمال والجنوب ستكون أكثر إيلاماً وتدميراً من سابقتها التي استمرت لأكثر من عشرين سنة. إن أعداد الجنوبيين المقيمين في الشمال تقدر بنحو مليون ونصف مليون شخص ينتشرون في كل أرجاء الشمال، وإذا كان منهم من كان يفكر في التصويت للوحدة فإن تصريح الناطق الرسمي للحكومة والقيادي في "الإنقاذ" سيكون كافيّاً، في نظري، لصرفهم عن ذلك التوجه، وقد يدفعهم نحو التصويت للانفصال والاستعداد للشر بعد ذلك. لقد حملت بعض صحف الخرطوم على وزير الإعلام وتصريحه وأكدت خطورة صدوره خصوصاً في هذه المرحلة البالغة الخصوصية من تاريخ السودان، ورأى البعض أنها جريمة في حق الوطن لا يمكن أن تغتفر. وتوقع بعض المعلقين أن يتعرض الوزير للمساءلة والعقاب من قيادته، ولكن المتوقع ألا يحدث شيء من ذلك، وقد مر الآن وقت ولم نسمع عن أي إجراء ضد الوزير. وللحقيقة والتاريخ فقد درج المشهد السياسي السوداني على ألا يحاسب من يخطئ من الساسة، وأمامنا أكثر من حالة واحدة تؤكد ذلك، بل إن بعضهم كان جزاؤه الترقي سلماً في الوظيفة أو منحه وساماً من أوسمة الدولة! محجوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©