الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

طالبان تضع الجنرال مشرف في مأزق مع واشنطن

15 يوليو 2006 01:20
نيويورك - أحمد كامل: ثمة قلق حقيقي في الولايات المتحدة الآن مما يسمى ''عودة طالبان'' ليس فقط في مناطق من أفغانستان، ولكن - وهو أمر أكثر إقلاقاً - في باكستان أيضاً· وفيما يشكل التصاعد الملموس في عمليات طالبان في أفغانستان موضوعاً يدرس ويتابع على مدار الساعة في البنتاجون، وهو أمر أوضحه حادث سقوط الطائرة المروحية الأخير ودقة الصورة التي رسمتها وزارة الدفاع وقدمتها للصحفيين، فإن الوضع في المناطق الباكستانية المتاخمة للحدود مع أفغانستان، لاسيما في جنوب وزيرستان، يبدو غامضاً حتى لبعض المسؤولين الأميركيين· ويتيح هذا الغموض ربما توجيه اللوم بين فينة وأخرى لحكومة الرئيس الباكستاني برويز مشرف سواء من الأميركيين أو من الأفغان· فقبل أيام صرح المسؤول عن مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية هنري كرامبتون خلال وجوده في كابول بأن باكستان لا تفعل ما فيه الكفاية لمكافحة طالبان والقاعدة بل وان بعض مناطقها تحولت الى ملاذ آمن لهؤلاء الإرهابيين - حسب قوله· وفي حالة أفغانستان فإن حكومة الرئيس حامد قرضاي تعتقد أن إسلام اباد لا ترغب أصلاً في توجيه ضربة قاصمة لمواقع طالبان في جنوب وزيرستان، وهي مواقع تحولت الى مراكز لتدريب المزيد من المقاتلين الأفغان من أعضاء طالبان، بل ان كابول تدعي أن عناصر من القاعدة هي التي تتولي إدارة هذه المعسكرات· إلا أن اللوم الموجه لمشرف يبدو قابلاً للنقد في موضعين على الأقل، فهو يبدو أولاً تملصاً من الإخفاق النسبي الذي حققته الولايات المتحدة في إنهاء وجود طالبان في أفغانستان وعجز حكومة قرضاي عن أن تفعل أي شيء لإنجاز هذه المهمة التي قالت إنها تتصدر مهامها منذ اليوم الأول لتوليها السلطة· المكاتب المكيفة ثم إنه ثانياً لا يضع في اعتباره الصعوبات الجمة التي تواجهها القوات الباكستانية - على الأرض وليس في المكاتب المكيفة في كابول أو واشنطن - لإنجاز مهمة بالغة التعقيد· ويوضح مثل جنوب وزيرستان على وجه التحديد مدى الاستخفاف بما تواجهه القوات الباكستانية في تلك المنطقة التي لا تتسم فقط بعناد تضاريسها ولكنها تتسم أيضاً بعناد سكانها من الباشتون· فقد قاتلت القوات الباكستانية لمدة عامين في جنوب وزيرستان، إلا أنها اضطرت في نهاية المطاف الى إجراء محادثات سلام في يناير 2004 ويناير 2005 مع قادة قبائل المنطقة· فقد تبين أن القتال أدى الى تعميق عداء السكان لقوات إسلام اباد ومن ثم زيادة خصوبة التربة التي تنتشر فيها خلايا طالبان· وقضت اتفاقيات السلام المشار إليها بأن تبقى القوات الباكستانية في مواقعها في مناطق نائية من الإقليم وهو أمر كان من شأنه أن يقلل الخسائر في الأرواح بين صفوف هذه القوات التي بلغ عددها آنذاك نحو 80 ألف جندي· وكان القتال قد بدأ يخلق حالة من التذمر بين الجنود الباكستانيين الذين لا يعرفون لماذا يقاتلون أبناء القبائل في مناطقهم، فضلاً عن ذلك فقد أدت الاتفاقيات الى وقف نزيف الدم بين السكان المدنيين في المنطقة· إلا أن نتيجة أخرى كانت تنتظر الجميع، فقد سيطرت طالبان الباكستانية بصورة كاملة على الإقليم حتى بات ''حكم'' طالبان لمدينة وانا عاصمة جنوب وزيرستان أمراً مسلماً به· فهناك محاكم طالبانية وشرطة طالبانية· وفرضت الحركة على الرجال تجنب حلق شعر اللحى، وعلى النساء ارتداء التشادور وبدلت مناهج التعليم في المدارس وفرضت نظاماً للضرائب ولتنظيم الخدمات وإدارة الإقليم· وهكذا تشكلت مفارقة لا تخلو من مغزى، فالقوات الباكستانية التي تتمركز في مواقع لا تبعد كثيراً عن وانا لا تتدخل في شؤون ''جمهورية'' جديدة، أو بالأحرى ''إمارة'' تحكمها طالبان الباكستانية وتبدو مستقلة في كل شيء عن الحكومة المركزية في إسلام آباد· في الشمال أيضاً ثم ما لبث الأمر أن تطور الى ما هو أكثر من ذلك، فقد انتشرت طالبان في شمال وزيرستان أيضاً، وجاءت المفارقة التالية خلال زيارة الرئيس جورج بوش الأخيرة لإسلام آباد حين اختارت طالبان هذا التوقيت بالذات لتستولى على كافة المنشآت الحكومية في مدينة ميران شاه ولتعلن ''انضمام'' شمال وزير ستان الى جنوبها تحت راية طالبان· واضطر الجيش الباكستاني ساعتها الى قصف ميدان شاه بالمدفعية مما أدى الى دمار واسع النطاق بالمدينة· إلا أن ذلك كان أفضل من الوجهة العملية من الدخول في قتال شوارع مع قوات مدربة تمرست في المباني وعلى أسطح المنازل، إذ أن ذلك كان كفيلاً بسقوط أعداد كبيرة من القتلى بين الجنود الباكستانيين· وفرضت إسلام آباد حظراً على دخول أجهزة الإعلام الى جنوب وشمال وزيرستان على حد سواء إلا أن القصص التي تسربت من الإقليم عكست مدى العداء الذي يشعر به سكان المنطقة تجاه القوات الحكومية، لاسيما وأن البنجاب يسيطرون على الحكومة فيما أن سكان الإقليم من البشتون· إلا أن هذه القصص ذاتها تروي أيضاً هلع السكان من حكم طالبان الذي دام لفترة وجيزة في ميران شاه· فقد علقوا من وصفوهم بالعملاء في المشانق ووضعوا الرؤوس المقطوعة لبعض الخارجين عن القانون فوق الأشجار التي تحيط بشوارع المدينة· بعد ذلك تأتي المشكلة الأكبر، ذلك أن المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان في وزيرستان تحولت بالفعل الى موقع لتفريغ أعداد جديدة من الطالبانيين في أفغانستان وباكستان· ليس الأمر إذن أمر إخفاء أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري، بل هو أمر تحول القاعدة وطالبان الى تكتيكات ذات طابع هجومي بعد أن مرت مرحلة الصدمة والتراجع والهروب التي أعقبت غزو أفغانستان· ويعني ذلك أنه ليس من الإنصاف توجيه النقد الى إسلام آباد، فالمشكلة تتجاوز قدراتها الذاتية· وإذا ما شددت القوات الباكستانية ضرباتها لمواقع طالبان والقاعدة في وزيرستان فإن ذلك سيؤدي الى انتشارها أكثر، إذ سينضم إليها المزيد من أبناء القبائل المتذمرين من أعمال القوات الحكومية، وإذا لم تفعل شيئاً فإن القاعدة وطالبان سيواصلان توسيع الرقعة التي يسيطران عليها· أي أن الجنرال مشرف بات الآن في موقع من يلام إذا فعل ومن يلام إذا لم يفعل·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©