السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غوتييه: بروتون.. مساوياً لذاته

غوتييه: بروتون.. مساوياً لذاته
21 ديسمبر 2016 19:32
ترجمة وإعداد مدني قصري لم يعوِّض عن الصدمة التي أصابت الشاعر الفرنسي (جان ميشيل غوتييه‏Jean Michel Goutier? ?) ولد ?في ?مونتريال ?العام ?1935) ?بسبب ?حرب ?الجزائر، ?سوى ?عشقه ?الكبير ?للشعر ?وموهبته ?في ?هذا ?الفن ?الذي ?قرّبه ?من ?أندريه ?بروتون ?في ?العام ?1964. ?فبعد ?هذا ?التعارف ?شارك ?غوتييه ?صديقه ?بروتون ?في ?أنشطة ?المجموعة ?السريالية ?إلى ?حين ?حلها ?في ?العام ?1969. ?وقد ?نشر ?جان ?ميشيل ?غوتييه ?نصوصاً ?نظرية، ?وكتب ?في ?الشعر، ?وقدَّم ?كتابات ?حول ?فنانين ?أو ?شعراء ?في ?العديد ?من ?المجلات. ?وقد ?شارك ?عن ?قرب ?أو ?عن ?بعد ?في ?المعارض ?المختلفة ?حول ?السريالية، ?وعن ?أندريه ?بروتون. فيما يلي حوار أجرته المجلة الأدبية الفرنسية ‏Fondation d›entreprise de la Poste ?مع ?الشاعر ?غوتييه ?حول ?لقائه ?مع ?أندريه ?بروتون ?ومجموعة ?الرسائل ?التي ?كتبها ?إلى ?ابنته ?والتي ?لم ?يكن ?أسلوب ?كتابتها ?يختلف ?عن ?كتابة ?مقالاته ?المختلفة. * لقد تعرفتَ على أندريه بروتون. ففي أي سياق التقيتَه؟ ** التقيتُ أندريه بروتون في العام 1964. كان ذلك اللقاء بعد سنوات حرب الجزائر المريرة. في تلك الأيام أرسلوني لأداء الخدمة العسكرية هناك فقضيت معظم وقتي في جبال الأوراس. ثم عدت إلى فرنسا وأنا تحت صدمة آثار الحرب، وفي حالة ثورة قريبة من ثورة السرياليين في أعقاب الخروج من الحرب العالمية. في تلك الأيام كنت أقرأ كثيراً، وخصوصاً للشعراء، أمثال بيريت، أرتو، بريتون، وكريفيل. وبحكم عشقي لمسرح أرتو قدمتُ في أحد الملاهي تركيبة شعرية بعنوان: خطوط السرياليين الرئيسة. ومن قبيل حرصي على الصدق والنزاهة أرسلت تلك التركيبة إلى أندريه بروتون الذي أبلغني أنه لا ينبغي تغيير هذه النصوص التي اخترتها والتمسك بالنص المعاد كتابته. وفي الشهور التي تلت اقترحَ عليّ بروتون، عن طريق رسالة حملتْ أيضاً توقيعات جميع أصدقائه، التعاون في معرض كان يجري إعداده. كان الأمر يتعلق بموضوع «الفرق المطلق»، وهو معرض السريالية الدولي الأخير الذي جرى في نهاية العام 1965. لقد أعددنا أنا ورفيقتي، عرضاً حول موضوع الخنوثوية المستمد من العروض التشاركية العفوية الأولى (أي العروض التي تفترض مشاركة المتفرجين بعفويتهم) التي تم إنشاؤها في الولايات المتحدة، والمستوحاة أيضاً من «الأداءات» الحالية، حيث تبادلنا خلال هذا العرض الردود التفاعلية العفوية لِجان بيير دوبري، وجوليان غراك، وبريتون، ومقاطع من المسرح الإليزابيثي، ومن العديد من الكُتاب الآخرين. كنا كل مساء، نتردد على المقهى السريالي «نزهة فينوس» حيث يجتمع الفريق، فنعيش التجربة الرائعة ونتشارك في تفعيل الفكرة. واستمرت هذه اللقاءات اليومية حتى وفاة بروتون في أواخر عام 1966. وفي خلال هذه الفترة المثيرة التقيت أوب، ابنة أندريه بروتون. * أعددتَ وعلقتَ على المراسلات بين أندريه بروتون وابنته أوب، والتي لم تكن قد نشرت حتى تلك اللحظة، والتي نشرت لاحقاً من قبل دار غاليمار. هل كانت المبادرة منك شخصياً؟ ** إنها أوب هي التي قررت ذلك. أندريه بروتون، في وصيته، كان قد قضى بأن رسائله لا يجوز نشرها إلا بعد وفاته بخمسين عاماً على الأقل. لكنه في المقابل منح كل الحرية للرسائل الموجهة إلى ابنته وزوجته إليسا. وقد انتظرت أوب أكثر من أربعين عاماً قبل أن تقرر نشر الرسائل المتعلقة بها شخصياً. هذه الرسائل الممتدة عبر ثمانية وعشرين عاماً، تكتسي أهمية حيوية إذ تتيح لنا أن نفهم بشكل أفضل حميمية بروتون الذي نكتشف من خلال هذه الرسائل أنه كان مساوياً لذاته، ومتميزاً بالإضافة إلى ذلك، بالكثير من الحنان. * أنت لم تنشُر سوى رسائل بريتون، ألم يكن بإمكانك إدراج خطابات أوب؟ ** لا أعرف ما الذي حدث لخطابات أوب، ولكني أفترض أنها لم تكن ترغب في نشرها. لكن كل خطابات أندريه بروتون لابنته، أي كل الرسائل التي تم العثور عليها – فلعل بعضها قد ضاع لأن أوب كانت موزعة بين فرنسا والولايات المتحدة – قد جُمعت في هذه المجموعة. باستثناء، بالطبع، الرسائل الأولى التي لم توجه إليها مباشرة وكانت مع ذلك هي موضوعها الرئيس. فمن فرط التأثر بولادة طفلته إلى درجة أنه أصيب بالمرض الذي ألزمه الفراش، كان بروتون يكتب رسالتين يومياً لرفيقته جاكلين [لامبا]، التي كانت آنذاك في العيادة الطبية، والتي كان يتحدث فيها عن أوب الصغيرة التي كان عمرها لا يتجاوز بضعة أيام. عدوّ الإنجاب * ذكرتَ في خاتمة المجموعة مواقف بروتون في ما يتعلق بالإنجاب، وبنية الأسرة، وبيّنتَ أنه لا يوجد أي تناقض، ولكن مجرد فكرة حرة‏ ?... ** كان بروتون يعارض الإنجاب، ما دام يؤدي إلى بنية برجوازية كانت في الواقع منبوذة من قبل السرياليين. المؤسسة الأبوية كانت بالطبع مقصاة من كل مسار فردي لكل رجل سريالي. بيانات بروتون الأكثر عنفاً بشأن الإنجاب والتي نشرت في «الثورة السريالية»، جاءت من تحقيق شهير أنجز حول العلاقة الجنسية، وهو التحقيق الذي استمر من يناير 1928 إلى أغسطس 1932. ومن المثير للدهشة أنه في بداية القرن، كان يتم تناول هذه القضايا بشكل مباشر، وكان بروتون قد خصص ملفاً كاملاً تضمن جميع الوثائق المكتوبة بخط اليد فيما يخص جلسات التحقيق الاثنتي عشرة التي تم نشرها من قبل دار غاليمار، في مجموعة بعنوان «أرشيفات السريالية». ففي خلال هذا التحقيق تحديداً طلب أصدقاء من بروتون رأيه في الإنجاب. فأجاب بأنه عدو الإنجاب، إلا في حالات الحب المطلق، في لقاء كبير، قلما يحدث. ففي ظنه أن رأي النساء مسألة حيوية جداً، وفي الحقيقة، إذا كان منح الحياة (أي الإنجاب) موضوع قرار مشترك، فإن بروتون قبِل في الأخير، وعن طيب خاطر بإعادة النظر في موقفه. وهذا هو بالضبط ما حدث. فمن ناحية كتب إلى جاكلين في عام 1935 يقول: «أشعر بأنني لا أملك، بمبادرة مني، أن أرفض هذا العرض، وقد أحببتك على نحو ما أحببتك». ومن ناحية أخرى، فقد كتب لابنته أوب التي كان عمرها آنذاك ثمانية أشهر فقط، رسالة موجهة في الحقيقة لفتاة في السادسة عشرة من العمر «في عز الربيع» من عام 1952. إنها الرسالة التي يقول فيها الأب لابنته: «سوف تعرفين أن كل مصادفة قد أقصيت بحزم من مجيئك إلى الحياة، وأن مجيئك هذا قد حدث في ذات الساعة التي كان يجب أن يحدث فيها، لا قبلها بقليل ولا بعدها بقليل، وأن ما من ظل كان ينتظرك من فوق مهدك المصنوع من أغصان الورد». لقد أكد بروتون اختياره الذي يمثل أيضاً رهاناً على المستقبل. الحريّة.. ضرورة * كتب بروتون لابنته أوب في رسالة العام 1956 يقول: «لا تنسي أن واحداً من أعظم المبادئ الفلسفية التي تبناها السرياليون والماركسيون على السواء، على سبيل المثال، هو أن الحرية هي الحاجة المنجزة. صحيح، صدقيني، أن أي «حرية» أخرى ليست سوى مجرد وهم. تأملي الموضوع جيداً...». ما تعليقك؟ ** كانت أوب في الحادية والعشرين من عمرها عندما كتب إليها بروتون تلك الرسالة. هذه المراسلة لم تكن بأي حال من الأحوال ديواناً تربوياً. الحال أن بروتون لم يكن يناقش الأخلاق التي ترك أمرها لعناية علماء الأخلاق الكبار في القرن السابع عشر، والذين كان في الواقع معجباً بهم أيما إعجاب. ومع ذلك، ففي تلك الفترة بالذات التي كانت أوب تعاني فيها من مصاعب دراسية، ناهيك عن أنها الفترة التي يتقرر فيها اختيار مهنة المستقبل، ذكر لها الشاعر مقولة هيجل الشهيرة «الحرية هي الضرورة المنجزة» دون الرغبة، على الإطلاق في قوى الثورة. فعلى صعيد الحرية لم يكن بروتون يعيش في طوباوية المدينة الفاضلة. فهو يوضح أن أوّل فتْحٍ (انتصار) حقيقي هو الحرية التي يصفها بـ«الضرورة المنجزة». فالحرية هي معرفة الضرورة، كما كان يدَّعي المفكرون الثوريون في القرن التاسع عشر. فإذا تم تثبيت هذه القاعدة فذاك في حد ذاته فتْحٌ، وإمكانية هائلة للحياة، لأن أي شيء يمكن أن يتخذ شكلاً ويتجسد في وقت لاحق. إنه جانب من جوانب الحرية المختارة، كزاوية هجوم لتأكيد المواقف. الفكر والحياة * تشابك الحياة مع أعمال بروتون موجود بكثرة في هذه الرسائل‏? ?... ** هذا التشابك مستمر في رسائل أندريه بروتون. بروتون يتحدث عن حياته الخاصة، وعن السريالية، وعن الأنشطة الجماعية، مثل تنفيذ لعبة جديدة، كلعبة «الواحد في الآخر» التي اخترعها، أو إعداد مجلة جديدة، أو معرض، أو نشر كتاب شعبي في الفن الخام، أو مطاردة الفراشات، أو شراء شيء من عهد ما قبل كولومبوس... فهو يحدث ابنته أوب عن انشغالاته، وقراءاته، ومواقفه‏? ?... فحتى ?الأيام ?الأخيرة ?من ?حياته، ?ظل ?بروتون ?يحترم ?الاختيارات ?التي ?تبناها ?في ?شبابه. ?البيان ?الشهير ?للـ?121، ?والذي ?يحمل ?عنواناً ?فرعياً «?إعلان ?حول ?حق ?العصيان ?في ?حرب ?الجزائر» ?كان ?في ?الأصل، ?- ?وهو ?ما ?يجهله ?الكثيرون- ?مبادرة ?من ?السرياليين ?أنفسهم. ?جون ?شوستر، ?وهو ?صديق ?مقرب ?من ?بروتون، ?هو ?الذي ?بالتعاون ?مع ?ديونيس ?ماسكولو، ?كتب ?ثلاثة ?إصدارات ?للبيان. ?وبعد ?ذلك ?عرض ?هؤلاء ?البيانَ ?على ?بروتون ?وعلى ?جيرار ?ليجراند ?الذي ?أدخل ?بعض ?التعديلات، ?ثم ?على ?موريس ?بلانشو. ?وقد ?قام ?هذا ?الأخير ?بإعادة ?كتابة ?جزء ?كبير ?من ?النصوص. ?وبعد ?ذلك ?انزوى ?السرياليون ?قليلاً ?بسبب ?الكثير ?من ?الصعوبات ?التي ?كانوا ?يواجهونها ?مع ?اليسار ?الذي ?كان ?لعبة ?في ?أيدي ?الستالينيين ?الذين ?كانوا ?يخشونهم ?بسب ?إدانة ?بروتون ?لمحاكمات ?موسكو ?ما ?بين ?عامي ?1936-1937. ?وللمزيد ?من ?الكفاءة ?قدّم ?السرياليون ?البيان ?لسارتر، ?الذي ?أيد ?البيان ?وسانده ?بقوة. ?ولذلك ?ظن ?البعض ?أن ?سارتر ?هو ?الذي ?حرر ?البيان ?وصاغه. ?في ?ذلك ?الوقت، ?كان ?لهذا ?المنشور ?وقْع ?القنبلة. ?وقد ?تعرض ?بعض ?الممثلين ?والرسامين ?والمسرحيين ?للمتابعة ?القضائية. ?هذه ?المواقف، ?وهذا ?الكفاح ?من ?أجل ?الحرية، ?موجودة ?بكثافة ?في ?رسائل ?بروتون ?لابنته ?أوب، ?حتى ?لو ?كان ?بروتون ?حميماً ?وحنوناً ?لا ?يسعى ?لأن ?يرهق ?ابنته ?بكل ?مشاكل ?الحياة ?اليومية. ?وقد ?صار ?يتحدث ?عنها ?بحرية ?أكثر ?عندما ?اقتربت ?أوب ?من ?سنها ?العشرين. أكبر الخيبات * القول بالحرية يعني أيضاً رفض الجوائز الأدبية، والتواطؤات. أقصَى بروتون من الحركة السريالية ماكس إرنست لتلقيه جائزة من بينالي البندقية?... ** كثيراً ما أشِيرَ إلى الإقصاءات التي فُرضت على بعض أعضاء المجموعة السوريالية التي كانت انحرفت عن المتطلبات المعتمدة كسلوك أساسي في الحركة. إنها من المواضيع المتكررة. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية الحركة هناك ميثاق سارٍ بين السرياليين، وهو التزامٌ مشترك بينهم. لكن واحدة من أكبر خيبات الأمل التي أصابت بروتون - وأنا أعلم جيداً بهذا الموضوع لأننا كثيراً ما كنا نتحدث فيه في نهاية حياته – أن بروتون لم يسعه أن يستوعب كيف، على سبيل المثال، تجرأ أراغون، الذي كان أفضل صديق له، على خيانة جميع مواقف شبابه خيانة مخزية، من خلال الانخراط بشكل كامل في أخطر أشكال الستالينية تطرفاً. لقد كانت جميع القطيعات مؤلمة بالنسبة لبروتون، وليس فقط لحظة وقوعها، وإنما ظلت تلاحقه زمناً طويلاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©