الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مراسلو الاتحاد

مراسلو الاتحاد
24 يوليو 2014 14:42
ما الذي يقوله رجل الشارع العربي في مسألة تدخل خطباء المساجد بالشأن السياسي، وما ينتج عنه من تحريض وتسعير للغرائز والكراهية، ودفع للشرور بين الناس؟ لعله من الطبيعي مطالبة رجال الدين التزام الحياد بين مختلف الأطراف السياسية. لكن، لن يكون من المنطقي أن نطلب من رجل دين يمارس السياسة، أن يكون محايداً بين الحزب الذي ينتمي إليه والحزب الخصم؟ وطالما أن الناس ينظرون إلى رجال الدين على أنهم عالمون بأصول الشريعة، فمن البديهي أن يطالبوهم بتطبيق مفاهيمها في العدل والمساواة وعدم المحاباة وإعطاء كل ذي حقّ حقه. وهذا يقتضي بالضرورة الملزمة الخروج من نطاق جاذبية المصلحة السياسية. وإذا كان علينا أن نترك الحرية لكل من يعتبر نفسه أو يعتبره أتباعه، قدوتهم وإمامهم وولي أمرهم وصاحب الأمر والنهي عليهم...، فهذا ينقلنا إلى المشهد الراهن اليوم في غير بلد عربي. هنا نماذج/ عينات من عمان وبيروت والقاهرة، حيث عبّر مواطنون اعتباريون وعاديون عن آرائهم: الغضب والعاطفة يقول عصمت موفق المشرف على شؤون أحد أهم مساجد مدينة الزرقاء في الأردن إن نسبة كبيرة من مصلي المنطقة يخرجون بعد صلاة كل جمعة غاضبين من الخطيب يتبرمون فيما بينهم حول موضوع الخطبة كونها تخلو من أي مضمون سياسي فهم لا ينتظرون من الخطيب أن يشرح لهم أمورا هي في مجملها بدهيات في عقيدتهم من مثل كيفية الوضوء وحسن الجوار وصلة الرحم، بل يسعون إلى خطيب على دراية سياسية ووعي فيما يستجد من أحداث راهنة، يقدم لهم شرحا تفصيليا عنها في ظل الغموض الذي يغلف نشرات الأخبار العربية.. أما المواطن الأردني عمر قديمات فله رأي مخالف فهو يرى أن تدين مجتمعاتنا العربية تدين مذهبي بحت، وأن خطباءنا يدينون لهذه المذاهب وثقافتهم وعلمهم متوارث منقول، والكل يحسب امتلاكه للفكر الشمولي لإقامة الدين والدنيا معا كل حسب مذهبه ولا مكان للمخالف. ويشير إلى أن بعض خطباء الجمعة يخوضون في شؤون سياسية معينة بشكل عاطفي أو غرضي تم توجيه مضمون خطبهم مسبقا من قبل أشخاص يختبئون خلفهم يقومون بإضفاء الصبغة الدينية عليها للوصول إلى أهدافهم؛ وهذا برأيي جريمة دينية واجتماعية كثيرا ما تمارس على منابرنا، فمن هذا المنطلق أتفق مع قرار منع خطباء المساجد من الخوض في الشؤون السياسية. ويرى أن من واجب وزارات الأوقاف إنشاء مراكز لتدريب الخطباء قبل السماح لهم باعتلاء المنابر على فهم وتقبل ثقافة الاختلاف والتعددية الفكرية وحرية الرأي والتفكير، فالخطيب يساهم في حل مشكلات المجتمع باهتمامه بالجانب التربوي الأخلاقي لإنشاء أجيال تفكر وتتحرك خارج الصندوق بقلبٍ وعقلٍ سليمين وفهم صحيح للتدين الحضاري. تربح سياسي من جهته يقول د. محمد مختار شعبان أستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة قناة السويس: الموضوع من وجهة نظري يطرح سؤالا مهما: إلى أي مدى يرتبط الدين بالحياة السياسية الآن؟ لاشك أن الحياة السياسية الآن اختلفت عما كانت عليه في عصر النبوة وصدر الاسلام والخلافة الاسلامية؛ فأصبح تشعب الحياة والمتغيرات جعلت من مفهوم السياسة نفسه يختلف عن ذي قبل. وبالتالي إذا نظرنا للأمر أنه تأثير من ناحية القيم والمبادئ؛ فلا مانع من الاستعانة بقيم الدين لكتابة الدساتير وصياغة القوانين.. أما التفاصيل الدقيقة للحياة المعاشة والمعاصرة فلا يجب أن ينطبق عليها القواعد السابقة في العصور السابقة، لأنها لم تكن موجودة في تلك العصور. ولابد من وجود مفهوم حديث متطور للحياة بما يتطابق مع العصر الحديث. وأرفض بشدة مسألة توظيف الدين توظيفا سياسيا أو التربح من ورائه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لأنه بهذا تخلى الدين عن قيمه الجوهرية وما عانته معظم دول الربيع العربي كان نتيجة عدم التواصل لهذا الفهم لقيمة الدين الحقيقية وعدم القدرة على التوصل مع الحياة المعاصرة بمفاهيم واقعية. وأضاف د.شعبان: إن تجربة الاخوان في حكم مصر كانت أكبر مثال على التيبس الفكري وشلل الأفكار حينما تم توظيف الدين بالسياسة، لأنها لم تستوعب وجودها على سدة الحكم فجأة. بينما يرى د. أحمد عبادي استشاري طب وجراحة الفم والأسنان بمستشفى أحمد ماهر بالقاهرة أن توظيف الدين في السياسة هو نوع من خداع الجماهير واللعب على الوتر العاطفي باسم الدين لكسب التأييد الشعبي من أجل مغانم سياسية أو حزبية أو طائفية.. وهناك نماذج كثيرة لدول عديدة كان تدخل الدين في السياسة له أثر في غاية السوء لعدم استقرار هذه البلدان. وأضرب مثلا لذلك السودان والصومال وافغانستان. وأشك أن السياسة المعاصرة والحديثة تختلف تماما عن السياسة في عصر النبوة وما تلاها من حيث المبادئ والأسس والمتغيرات. من هنا كتبت الدساتير الحديثة مستلهمة روح الدين في التعاملات والسلوكيات والتي أثرت إيجابيا في مسيرة وتقدم الشعوب. واستشهد بمقولة الامام محمد عبده «ذهبت إلى فرنسا وجدت إسلاما بلا مسلمين وعندما عدت لبلادنا وجدت مسلمين بلا إسلام». ومن وجهة نظر د.أسامة زكريا أستاذ طب وجراحة الأطفال بجامعة قناة السويس إن فصل الدين عن السياسة ضرورة لابد منها؛ ونحن في أمس الحاجة اليها في عالمنا العربي الاسلامي، ففي عهد الخليفة هارون الرشيد ظهرت علوم الفلسفة والرياضيات والتي لم تخلط الدين بالسياسة بالعكس فقد اتهم هؤلاء العلماء بالزندقة والهرطقة. وعلى مر العصور الاسلامية ازدهرت فكرة «لادين في السياسة ولا سياسة في الدين» ففي عهد الخلفاء الأمويين في دولة الاندلس ظهر الفلاسفة أمثال ابن خلدون وابن حزم وابن رشد وهم الذين وضعوا علوم التفسير المنطقي، وتم رصد ذلك في كتب المستشرقين الاوائل. وعن مغبة خلط الدين بالسياسة يرى د. زكريا أن السياسة تحتمل التأويل ولاتوجد لها ثوابت أما الدين سواء كان إسلاميا أومسيحيا أويهوديا فهو نص سماوي لا يحتمل التأويل بل يدخله باب الاجتهاد. ومن وجهة نظر أخرى يقول سيد أبو عبلة المحامي بمحكمة النقض ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية: تاريخيا عندما يحكم الدين تنهار الأمم. ولو استعرضنا التاريخ المصري القديم لوجدنا أن تدخل الكهنة في الحكم أدى إلى انهيار البلاد والدخول في عصر اضمحلال وتردٍ وعدم احترام لقيمة العقل الانساني واضرب مثلا ايجابيا أن الملك تحتمس الثالث نجح في تكوين امبراطورية مترامية الأطراف بعيدا عن سلطة رجال الدين والكهنة وكان يوصي جنوده ومن يوليهم زمام حكم الاقاليم «ألا تسمعوا كلام الكهنة لأنهم كذابين ولا يقولون إلا ما يتوافق مع هواهم ومصالحهم الشخصية ». وأضاف: إن علو صوت الكهنة في أي نظام سياسي يعني دخول الدولة عصر الديكتاتورية وحكم الرأي الواحد الذي يستمد سطوته من العاطفة الدينية.. كما أن سائر الخلفاء الراشدين ومن تلاهم لم يغلقوا باب الاجتهاد من واقع احترامهم لقيمة العقل الاسلامي. ويرى أبو عبلة: أن تجربة الإخوان المسلمين في مصر هي أعظم دليل على فشل التوظيف الديني للحكم السياسي وعدم قبول الآخر والانفراد بالسلطة. شيطنة المخالفين أما من لبنان فتقول ليلى قدوح (سيدة أعمال): «أحبّذ فصل الدين عن السياسة وليس الفصل بين الدين والدولة. من الضروري حقاً ضبط المجال الديني، أي جعل الدين، في مطلق الأحوال، داخل الدولة، وليس فوقها. فما يقدم عليه كثيرون باسم الدين، لا يتوافق مع شريعة الإسلام الذي هو خير دين». ويعتبر حسن حمزة (مخرج فني) إن المشكلة ان هؤلاء الذين يتحدثون باسم الدين يضعون أنفسهم فوق البشر وفوق الوطنية، ولا يؤمنون بالحدود بين الدول، ويتحدثون دائماً خارج مفهوم الدولة. من هنا فإني أعتبر قرار ملك المغرب جريئاً وفيه شجاعة سياسية لأنه يحسم الجدل، وقد نقل الموضوع من مجال النقاش الى مجال الحسم، بمعنى أن من يخالف يعاقب». ويقول المهندس سليمان الخوري: «بعد ما شهدناه ويتواصل في بلادنا، تتحوّل قضية كبح المنبر الديني إلى ضرورة لازمة. فهذا المنبر تقدّم خطوات واسعة على شاشات التحريض وتأليب الرأي العام، ما أنبت عدائية عامة ضدّ كل ما له صلة بالدين من قبل جمهور لا يستهان به، بات «يشيطن» الكثيرين من أصحاب الألقاب الدينية. وهذا ما لا يخدمنا كبشر وكمواطنين وكمسلمين». أما محمد علي شمسين (تاجر) فيرى أن القصة هي فصل الدين عن السياسية. وفي الأساس لا يوجد في الاسلام كلمة رجال دين، إذ لا يحتاج المؤمن إلى صلة بينه وبين رحمة الله. ولكن اصطلاحاً يمكن ان نتقّبل كلمة «رجل دين» على أنه رجل فقيه ومتخصص في شؤون الدين وتاريخه وطقوسه. ولكن ان يتحول هذا الرجل من التعليم والتوجيه والتربية، إلى استغلال صفته ومظهره لممارسة الدعاية السياسية والأعمال الحربية ضد مسلمين آخرين، فهنا تكون المشكلة». (الاتحاد ـ عمان، القاهرة، بيروت)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©