الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

المساجد لله

المساجد لله
24 يوليو 2014 14:36
د. رضوان السيد* أصدر الملك المغربي محمد السادس ظهيراً ملكياً منع بموجبه خطباء المساجد وأئمتها من تعاطي الشأن السياسي أو التحدث في السياسة وإبداء الآراء فيها من على المنابر. وما كانت تلك هي المرة الأولى التي يصدر فيها شيء مُشابه عن الملك بشأن يتعلق بالدين والعمل السياسي، لكنها المرة الأكثر وضوحاً لهذه الناحية، والذي أذكره أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصدر أمراً مشابهاً قبل سنتين، لكنه كان وقتها يتعلق بالإفتاء في أمر سياسي عام، أما في الشهور الأخيرة فقد كانت هناك إعلانات مشابهة أو إجراءات في مصر وتونس من جانب وزراء أو وزارات الأوقاف. الواقع أن هذا الانضباط والمطالبة به صارا أمرين ضروريين وذلك لعدة أسباب، وأول هذه الأسباب التسييس الذي داخل الشأن الديني، بحيث تحولت بعض المساجد إلى منتديات للدعوة لهذا الحزب أو ذاك أو لهذه المصلحة أو تلك، وكل ذلك باسم الدين، ثم الدعوة لاستخدام العنف، وكل ذلك ناجم عن التسييس الفظيع الذي نال من رفعة الشأن الديني وتعاليه على الخصومات، وقد قال الله سبحانه وتعالى: «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً»، فالمساجد لأداء العبادات، والدعوة للخير والود والتعاون بين الناس ومن يدعو إلى العنف أو لغرض سياسي فإنه يدعو في بيت الله لغير الله عز وجل، وثاني تلك الأسباب، الاختلافات والفتن التي تُحدثها الدعوات السياسية المنطلقة من المساجد، كما أثبتت تجارب العقود الماضية فقد حفلت المساجد (كأنها فضائيات) بدعوات دينية وسياسية غريبة، دفعت كثيراً من المصلين إلى هجران هذا المسجد أو ذاك أو المساجد كلها، وفي ذلك إضرار كبير بالدين وهيبته ووحدته ووحدة المسلمين، فبسبب هذه الدعوات المعرفة يوشك الناس أن لا يصلوا معاً، وتوشك مجموعات معينة أن تستأثر بهذا المسجد أو ذاك، وثالث تلك الأسباب أن المساجد للعبادة والتواصل، وأن للدعوات السياسية منتدياتها ووسائلها وليس منها المسجد، ولذا فإن في استخدام المساجد في تلك الشؤون ما يشعر بإساءة الاستخدام، والإساءة إلى الحرمة التي أرادها سبحانه وتعالى لبيوت العبادة. لقد كان المغرب رائداً لهذه الناحية أي اعتماد «التقليد» العريق أساساً في سياساته الدينية، فالجمهور على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية في سائر أنحاء المجتمع والبلاد، بما يؤلف بين الناس ويجمع على الخير بحيث يكون الدين مصدراً للثقة والسكينة، بدلاً من أن يكون مثاراً للقلاقل بالتخرب والانقسام أو الدعوة إليه بشكل مباشر وغير مباشر. إن لدينا الكثير من مظاهر وظواهر الغلو والشذوذ والانقسام والتفلت في حياتنا الدينية والاجتماعية، وكل هذه المظاهر تنقلب عنفاً وتشرذمات لا تقف عند مستوى أوحد، ووسط هذه الأزمة الخطيرة لسنا بحاجة لزيادة الانقسام باستخدام منابر المساجد أو دروسها للدعوة إلى هذا المذهب السياسي أو ذاك المعتقد الديني، ولذا فمن حق ولي الأمر أن يتصدى لسد وجوه الخلل بما يحفظ وحدة الدين وسلام المجتمع واستقراره.قال الماوردي «إن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»، وقد فسر الماوردي «حراسة الدين» بأنها «صونه على أعرافه المستقرة»، وهذا الحفظ للتقليد والأعراف، فيه حفظ للدين، وحفظ لوحدة المجتمع وإقدار للسلطات على القيام بواجباتها، ولذا فقد كان إجراء الملك المغربي ملائماً، وكذلك الإجراءات المشابهة الرامية للحفاظ على هيبة الدين وهيبة دور العبادة. * كاتب لبناني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©