الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حلب.. الإنسانية فوق المصالح الجيوبوليتيكية

19 ديسمبر 2016 23:11
المأساة، بل الإبادة الجماعية في حلب، تتكشف أمام أعيننا في اللحظة الراهنة بتفاصيلها المروعة كافة. فبعد أقل من جيل على مذبحتي «سريبرنيتشا» و«روندا»، وعلى التعهد بأن هذا «لن يحدث أبداً مرة أخرى»، ها نحن نجد أنفسنا أمام الشيء نفسه «مرة أخرى». ومع ذلك، ثمة شيء مختلف بشأن هذه الإبادة الجماعية، وهو أنه لم تكن هناك -حسبما أذكر- مذبحة أخرى شبيهة، تضم هذا العدد الكبير من المؤيدين المتحمسين، في كل جانب. كتب صديق تركي على صفحتي على الفيسبوك يقول: «أدعو الله أن يدمر كل من يساعد على حدوث هذه المذبحة، وتحديداً إيران»، فذكرته بأن تدمير بلد بأكمله، يرقى هو الآخر لأن يكون إبادة جماعية. كما انخرط أحد أصدقائي العرب، وهو أستاذ مرموق للشريعة الإسلامية، في توجيه انتقادات قاسية ومتكررة ضد الشيعة، وضد إيران، ونشرها في صفحته على الفيسبوك. ولم يكن أداء بعض الإيرانيين الشيعة، أفضل من هذا بأي حال، حيث مالوا هم أيضاً إلى شن هجمات وانتقادات قاسية ضد السنة، وضد العرب. وباعتباري مسلماً، من الطبيعي أن يؤلمني كل ذلك أشد الألم. فنحن قوم تربينا على قول الحقيقة، والدفاع عن العدالة، حتى لو كان ذلك ضد أنفسنا، وضد آبائنا، وضد مجتمعنا. لكن ما أراه الآن هو أن الحال قد تدهور بنا، وأننا سقطنا من الذروة الأخلاقية السامية التي كنا نتبوؤها، وأصبحنا ندعم «الجانب» الذي يتفق معنا في ولاءاتنا الطائفية ومصالحنا الجيوبوليتيكية. فنحن نحدد موقفنا الأخلاقي من الإبادة الجماعية التي تحدث في سوريا، وفقاً لالتزاماتنا الجيوبوليتيكية. ففي مرحلة ما من الأزمة، كان يقال لنا إن الحياة الإنسانية مقدسة، وإن كل حياة تحتوي نفساً من الخالق بداخلها. وفي مرحلة أخرى، قيل لنا إن إزهاق روح إنسان واحد، تعني إزهاق أرواح البشرية كلها، وإن إنقاذ حياة إنسان واحد مثل إنقاذ البشرية كلها. وفي مرحلة ثالثة، قيل لنا إن حياة الإنسان أكثر قداسة من الكعبة ذاتها. وخلال ذلك كله، كان مئات الألوف من السوريين يلاقون حتفهم. وإذا ما كان موقفكم بشأن ما يحدث في سوريا، محدداً بما إذا كانت الإبادة الجماعية ترتكب بوساطة حكومات روسيا، وإيران، والأسد، أو من الناحية الأخرى، بوساطة قوات «جبهة النصرة»، و«جيش الإسلام»، و«الجيش السوري الحر»، فمعنى ذلك أنكم لم تفهموا بعد الجزء المتعلق بقدسية وكرامة الحياة البشرية. دعونا إذن لا نخضع لإغراء صف التزاماتنا الأخلاقية، مع الاعتبارات الجيوبوليتيكية للدولة الوطنية، لأن المفروض هو أن تصطف تلك الاعتبارات الجيوبوليتيكية مع كرامة الحياة الإنسانية، وليس العكس. فالرغبة في الاتساق الأخلاقي تنطبق علينا نحن الأميركيين أيضاً. وقد استمعت مؤخراً بإعجاب كبير، للكلمات القوية التي ألقتها السفيرة «سامانتا باور» في الأمم المتحدة، والتي خاطبت فيها روسيا وإيران قائلة: «هل أنتما حقاً لم تعودا قادرين على الشعور بالخجل؟ هل تريان أن ما تقومان به لا يمثل عملاً من أعمال البربرية ضد المسلمين؟ وهل تريان أنه ليست ثمة حالات إعدام للأطفال؟ أليس هناك خجل يتسرب تحت جلودكما، ويجعلكما تتحركان، ولو قليلاً؟». نعم كانت تلك كلمات قوية بالفعل.. لكني أتساءل في حيرة: أين كان هذا الغضب الأخلاقي، عندما استخدمنا الطائرات من دون طيار في باكستان، وأفغانستان، واليمن، والصومال، وليبيا، والعراق، وسوريا..؟ وأين كان هذا الغضب الأخلاقي، عندما قصفنا حفلات الزفاف، ومزقنا أجساد الجدات إلى أشلاء؟ وأين كان هذا الغضب الأخلاقي في أبوغريب، وجوانتانامو؟ وأين كان عندما دمرنا العراق وأفغانستان، ومكّنا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين من خلال توفير الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل؟ كأميركي، أجد أن الولايات المتحدة في حالة غضب انتقائي. لقد صدمنا عندما عرفنا أن الروس سيتدخلون في انتخابات الولايات المتحدة، مع أن الأميركيين لهم تاريخ طويل في تغيير الأنظمة في إيران (1953)، وشيلي (1973)، وغيرهما من الدول. نحن نشعر بالذعر لقيام الروس بقصف السكان العزل، في حين أننا قصفنا السكان المدنيين العزل لسنوات طويلة في العديد من الأماكن، بحيث لم يعد مثل هذا القصف مجرد انحراف عن المألوف، وإنما تحول إلى تقليد. باعتبارها وطناً لـ«مارتن لوثر كنج»، و«مالكولم أكس»، كانت الولايات المتحدة دائماً حلماً وكابوساً في آن واحد، بالنسبة إلى الفقراء والمهمشين داخل حدود الولايات المتحدة، وفي بلاد الجنوب الفقيرة. أرغب أن نكون نحن المسلمين أناساً أخلاقيين، وأريد منا كأميركيين أن نرقى إلى مستوى معتقداتنا. لا أعرف كيف يمكن إيقاف نزف الدماء في سوريا، لكني أعرف أننا عاجزون، وغاضبون، ومحزونون، ومنهارون نفسياً. لكن دعونا، رغم كل ذلك، نفعل كل ما بمقدورنا، لرفع المعاناة عن السوريين، دعونا نكن أناساً أخلاقيين يضعون الكرامة الإنسانية، فوق المصالح الجيوبوليتيكية والطائفية. *مدير مركز الدراسات الإسلامية بجامعة «ديوك»- نورث كارولينا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©