الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علاقات العرب والهند قديمة وزادها الإسلام قوة

علاقات العرب والهند قديمة وزادها الإسلام قوة
18 فبراير 2009 23:03
أصدر المركز القومي المصري للترجمة كتاب ''العلاقات العربية الهندية'' الذي وضعه العلامة سيد سليمان الندوي، وترجمه الى العربية د· أحمد عبدالرحمن الأستاذ بجامعة الأزهر، وهو متخصص في اللغة الأردية ونال الماجستير والدكتوراه من جامعة دهلي بالهند، أما المؤلف فقد توفى سنة 1953 وهو هندي، درس في ندوة العلماء بالهند ونشرت بعض دراساته في مجلة ''المنار'' سنة 1906 والتي كان يصدرها في القاهرة رشيد رضا· قد لا يكون العنوان دقيقا، ولا يكشف عما في الكتاب، فهو لأول وهلة يبدو كما لو كان كتابا في العلوم السياسية، يتناول علاقات الهند بالعالم العربي، لكنه لا يقترب كثيرا من ذلك، إذ يهتم في المقام الأول بالعلاقات الثقافية والانسانية بين العرب جميعا والهند·· وهو لا يقترب من العصر الحديث، ويختص في المقام الأول بالعصر الاسلامي، لذا لن نجد في الكتاب أي تناول لتقسيم الهند الى دولتين بين الهند وباكستان كدولة للمسلمين، وانعكاس ذلك على العلاقات العربية ـ الهندية· العجيب والغريب ويستعيد المترجم قول البيروني إن معرفتنا بالهند لا تتعدى العجيب والغريب من حكاياتهم، لذا أطلق عليها العرب بلد ''العجائب والغرائب'' رغم أن العرب أدوا دور الوسطاء في نقل التجارة من والى شبه القارة الهندية، ورغم أن الخليج العربي أدى دورا مهما في النشاط التجاري مع الهند، وقد لا يعرف كثيرون أن الاتصال الفعلي بين الهند والعرب يعود الى ما قبل الاسلام، ففي عصر البوذيين بالهند كان هناك اتصال وثيق مع بلاد الشام والعراق، وثمة دلائل تاريخية تشير الى وجود أثر للبوذية في العراق، وسمى هؤلاء البوذيون بالفرقة ''السمنية'' وقد أشار البيروني الى ذلك بالقول ''ومما زاد في المباينة أن الفرقة السمنية·· هم أقرب الى الهند، من غيرهم، وقد كانت خراسان وفارس والعراق والموصل، الى حدود الشام القديم باقية على دينهم، وفي العصر البطلمي كانت السفن ترد من مصر واليمن الى الهند، وهكذا ظلت هناك علاقات تجارية واقتصادية، وتجار يذهبون ويجيئون من هنا الى هناك، والعكس، ولذا انتقلت العديد من الكلمات والمصطلحات الهندية الى اللغة العربية مثل ''موز'' وهي في السنسكريتية ''موجا'' وكذلك ''كافور'' وأصلها ''كاربورا'' والصندل وهي ''جندن''، فضلا عن أسماء أنواع الطيب التي كانت ومازالت لها شهرة واسعة بين العرب واسماء الأحجار الكريمة والسيوف· ووصل الإسلام الى الهند قبل الفتح العربي، حيث ذهب التجار المسلمون قبل أن يتم الفتح في عصر الوليد بن عبدالملك على يد الحجاج بن يوسف الثقفي، حاكم العراق وانتشر الاسلام في الهند، وصارت بعض المدن الهندية في وقت ما تتكلم العربية وسيطرت الثقافة العربية هناك، وانطلقت بعض الحكايات أو الأساطير في الهند تثبت مدى تأثر الهنود بالاسلام، ففي الهند يعتقدون ان آدم حين هبط من الجنة، نزل بالهند، ووضع إحدى قدميه بالسند، ويعتقدون ان آثار قدمه بها وأن الوحي نزل عليه هناك، لذا يرون في بلدهم أول مكان هبط به الوحي، ولما كان آدم هو جد سيدنا محمد، وكان آدم يحمل نور محمد في جبينه، لذا يقولون إن أصل نبي الاسلام يعود الى الهند، ويقولون ان الفواكه والطيب الذي جاء من الهند نزل به آدم من الجنة، لذا يقف مسلمو الهند عند حديث ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ''تأتي الى ريح طيبة من الهند'' وقد لا يصمد الحديث أمام مقاييس تخريج الأحاديث وتعده حديثا ضعيفا، لكنه يعكس تأثر الهنود بالاسلام· وتأثر العرب والمسلمون بهم، ويذهب المؤلف الى ان المسلمين والعرب هم الذين اطلقوا علي الهند اسمها، فقبل مجيء المسلمين الى الهند لم يكن ثمة أسم للبلاد، إذ كان لكل إقليم من الاقاليم اسمه الخاص به، وكانت كل إمارة تعرف بعاصمتها، وعندما سيطر أهل فارس على أحد هذه الأقاليم أطلقوا عليه اسم ''هندهو'' نسبه الى النهر الذي يعرف باسم ''نهر السند''·· أما المدن التي كان العرب على معرفة بها، غير الهند، فقد أطلقوا عليها اسم ''الهند'' وبهذه الطريقة انتشر الاسم في جميع بقاع العالم، بصورة المختلفة، فقلب الافرنج حرف الهاء إلى نون، وأطلقوا عليها: ''إندو'' وبعدها صارت ''إنديا'' واسم ''هند'' كان محببا عند العرب فسموا بناتهم به، وذاع صيته في الشعر العربي مثل شيرين في الشعر الفارسي· كانت العلاقات التجارية قائمة طوال الوقت بين الهند ومصر وبلاد العرب، وكذلك كانت هناك علاقات علمية ودينية واسعة ولعب الرحالة والجغرافيون العرب دورا كبيرا في تقديم وصف دقيق للهند وأحوالها بدءا من كتاب ابن خرداذبة الذي جعل عنوانه ''المسالك والممالك'' سنة 250 هجرية وتحدث فيه عن جغرافية الهند ومدنها وعاداتها، وقال: ''ملك أهل الهند اثنان وأربعون ملة منهم من يثبت الخالق، عز وجل، والرسل ومنهم من ينفي الرسل، ومنهم النافي لكل ذلك· وتوالت بعد هذا الكتاب كتب أخرى في مختلف العصور· والمشكلة أن المؤرخين الأوروبيين في تناولهم للهند اهملوا الرجوع الى الكتب العربية ويقول المؤلف ''لو أنفقوا جزءا من جهدهم في معلومات المؤرخين العرب، لأكملوا فراغ تلك القرون، بين التاريخ الفارسي واليوناني''· فهرست ابن النديم ووضع ابن النديم في كتابه الأهم ''الفهرست'' جزءا عن الهند وكتبهم وثقافتهم، ونجد كذلك بابا عن الهند في كتاب طبقات الأمم للقاضي صاعد الأندلسي، وغيره كثير· بدأت الترجمة الى العربية في عهد الدولة الأموية، ولأن مركز الخلافة كان في دمشق اتجهت الترجمة الى اليونانية والسريانية، لكن حين انتقلت الخلافة الى بغداد تحولت الترجمة الى اللغة الفارسية واللغات الهندية وكانت فرصة لكل لغة ان تكشف عن فنونها وآدابها، وما إن ذاع صيت الخليفة المأمون واهتمامه بالعلوم والترجمة، حتى وصل الى بغداد وفد هندي سنة 154 هجرية = 771 ميلادية، ومع الوفد كتاب بالسنسكريتية لأحد حكماء الهند، عن الرياضيات والفلك، فأمر المأمون بترجمة هذا الكتاب الى العربية، وأشرف على الترجمة ابراهيم الفزاري أحد علماء الرياضيات في بلاط المأمون، ويومها اكتشف العرب تفوق الهنود، وفي عهد هارون الرشيد قبل ذلك كانت الانطلاقة، حيث استدعى احد حكماء الهند لعلاجه، وتحت رعاية البرامكة، انطلقت حركة الترجمة الى العربية في الأدب والفلك والطب والأخلاق·· وصارت الهند رمزا للحكمة في العالم العربي· وانطلق الكتاب العرب يشيدون بالهند ويقول أحمد بن أبي يعقوب، المعروف بابن واضح الاخباري: والهند أصحاب حكمة ونظر، وهم يفوقون الناس في كل حكمة، فقولهم في النجوم أصح الأقاويل، وكتابهم فيه كتاب ''السند هند''، الذي أحاط بكل علم من علومه وقولهم في الطب المقدم، ولهم فيه الكتاب الذي يسمى ''سرد'' فيه علامات الأدواء ومعرفة علاجها وأدويتها·· ولهم غير ذلك من الكتب في الطب هو ولهم في المنطق والفلسفة كتب كثيرة· شهادة الجاحظ وفي رسالته ''فخر السودان على البيضان'' يقول الجاحظ: وأما الهند فوجدناهم يقولون في النجوم والحساب ويقدمون في الطب ولهم أسرار الطب والدواء والدواء ولهم تفوق في التماثيل، ودهن الصور بالاصباغ وهي التي تتخذ في المحاريب وأشباه ذلك، ولهم في الشطرنج، وهي أشرف لعبة، وأكثرها تدبيرا وفطنة· ولهم السيوف وهم ألعب الناس بها، وأحذقهم ضربا بها، ولهم الرقي النافذة في السموم والأوجاع، ولهم غناء معجب، ولهم الكنكة، وهي وتر واحد يمد على قرعة، فتقوم مقام أوتار العود والضبع، ولهم ضروب الرقص· والثابت أنه بفضل حسن رعاية الخليفة المنصور والخليفة هارون الرشيد وسخاء البرامكة في رعاية العلماء وصل الى بغداد أكثر من عشرين من حكماء الهند وعلمائها وانخرطوا في مؤسسات الدولة العلمية والطبية وترجموا العديد من كتب الحساب والنجوم والفلك والطب والأدب والأخلاق·· وقد تبدلت اسماؤهم في اللهجة العربية وصار نطق هذه الاسماء في أصلها مستحيلا، والسبب ان اسماءهم كانت بوذية وتبدلت حتى في اللغة الهندية ذاتها· وحين انتقلت الخلافة الى مصر حرص المماليك وخصوصا السلطان الظاهر بيبرس، على العلاقات الهدنية العربية وانطلقت القوافل التجارية من مصر والخليج العربي الى الهند وبالعكس·· حتى جاء العصر الحديث، فاستمرت العلاقة، وصارت شخصيات مثل غاندي ونهرو شخصيات شعبية في عالمنا العربي، ولاتزال التجارة قائمة بين العرب والهند، وليس غريبا ان تكون العمالة الهندية من أكثر العمالة الوافدة في بلاد الخليج الي يومنا هذا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©