الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

«قسوة الغربة» أرحم من التدريب في ظروفنا الصعبة!

«قسوة الغربة» أرحم من التدريب في ظروفنا الصعبة!
19 ديسمبر 2016 22:44
تونس (الاتحاد) إيناس البوبكري فتاة خجولة ومرحة، ترافق والدتها إلى صالات المبارزة منذ الرابعة من عمرها، وتعلقت باللعبة وشقت طريقها، وكبرت أحلامها، لتتحول من مجرد طفلة تلعب في مدرجات قاعة الرياضة، إلى بطلة أولمبية نالت إعجاب العالم في أولمبياد ريو 2016. تقول إيناس، وهي تداعب الأطفال الصغار الراغبين بدورهم في ممارسة سيف المبارزة، إنها لم تكن تحلم في طفولتها بأن يأتي اليوم الذي تغدو فيه بطلة أولمبية يشار إليها بالبنان، وتعلم الصغار حالياً قواعد هذه اللعبة . والدتها بطلة المبارزة السابقة فتحت لها أبواب المجد والنجاح ، وعلمتها فنون اللعبة، ومن هنا بدأت علاقتها بالسيف والبساط الطويل والبدلة المميزة للمبارزة، حيث كانت تستغل كل أوقات فراغها كي تداعب السيف وتطور مستواها بدعم أفراد عائلتها ورعاية، خاصة من والدتها هند الزوالي التي غرست في ابنتها حب رياضة المبارزة والرغبة المستمرة في التألق والرقي والتطور. ومع مرور السنوات، بدأت موهبتها تخطف الأنظار في المشاركة في البطولات والدورات المحلية المخصصة لصغار السن، وبسرعة البرق لمع نجمها محلياً، وانضمت لمنتخب تونس للشباب، وعمرها 14 عاماً، و شاركت في بطولة أفريقيا، وتألقت وأحرزت اللقب وسط فرحة الجميع وسعادتهم البالغة بميلاد موهبة شابة ينتظرها مستقبل واعد. وواجهت إيناس بعض المشاكل مثل كل ممارسي هذه الرياضة، فالساعات المخصصة للتدرب قليلة بحكم التزاماتها بالدراسية وصالات التمارين قليلة للغاية، بل يمكن القول، إنها لا تتجاوز القاعة الواحدة يتدرب فيها عدد كبير من المنتخبات الوطنية. وتقول إيناس: «من حسن حظي، أنني ولدت في عائلة رياضية ووالدتي كان لها الفضل الأول في نجاحي بتحدي كل المشاكل والصعوبات، لقد تدربت كثيراً، وضحيت لفترات طويلة، سواء أثناء التدريبات أو في حياتي العائلية حتى أنجح في تحسين مستواي وتحقيق أحلامي مستقبلاً». وتضيف: «في سنواتي الأولى، كان لم يكن هناك اهتمام بالألعاب الفردية والمبارزة، فالرياضات الجماعية، خاصة كرة القدم لم تترك شيئاً لبقية الألعاب، والميزانيات المرصودة للمبارزة التونسية كانت شحيحة للغاية، وهي لا تكفي أبداً للقيام بمعسكرات خارجية، أو حتى ضمان المشاركة في بطولات عالمية ودورات خارج البلاد، هذا الأمر دفع بالبعض إلى الانقطاع عن ممارسة هذه الرياضة، لكن من حسن حظي أن والدتي كانت سنداً دائماً لي، فلم أفكر أبداً في وأد حلمي، بل حاولت تخطي كل العقبات». مع بلوغها سن متقدمة نسبياً ونجاحها في اجتياز اختبار البكالوريا «الثانوية العامة»، قررت إيناس البو بكري السفر إلى فرنسا كي تواصل دراستها هناك، والأهم من ذلك التدرب في ظروف أفضل في ظل وجود صالات وقاعات رياضية، وكذلك أندية متخصصة في رياضة المبارزة، لكن العائلة ترددت قليلاً قبل أن تشترط عليها ضرورة التوفيق بين الدراسة والرياضة، فكان لها ما أرادت، حيث عزمت على الاستقرار في باريس عاصمة النور فحزمت حقائبها وودعت العائلة على أمل تحقيق الحلم وإنهاء الدراسة. وتقول: «وجدت نفسي خلال أيامي الأولى خارج الديار في عالم غريب عني، فشتاء فرنسا القاسي أخذني من دفء العائلة، لكنه حملني مسؤولية كبيرة للغاية، فقرار الرحيل كان قراري، ويتوجب علي أن أثبت أنني لم أكن مخطئة، وجدت نفسي أجاهد كي أوفق بين الطرفين، وأيضاً حتى أتأقلم مع عالمي الجديد المختلف كلياً سواء من حيث الثقافة والعادات أو اللغة، لكن لا يهم الأمر مادام الحلم قادم والمستقبل أفضل». وتفسر إيناس قرارها بالاستقرار في فرنسا برغبتها الجامحة في تحسين مستواها الرياضي، خاصة أن الظروف في تونس لم تكن ملائمة كثيراً للتقدم رياضياً في ظل الصعوبات المادية واللوجستية التي تعاني منها رياضة المبارزة، وكذلك تحصيل درجات مرموقة في الدارسة، وقد وفقت في هذا المجال، حيث حصلت على الشهادة العليا في تخصص سيكولوجيا الرياضة. وجدت إيناس صعوبات جمة في سنواتها الأولى بفرنسا، حيث كان الدعم المخصص من قبل الدولة التونسية قليلاً للغاية وفي بعض الأحيان منعدما، فهي ليست اللاعبة الوحيدة التي اختزلت المسافة، وقررت الرحيل عن تونس في سبيل تطوير مستواها بما أن عدة رياضيين تونسيين في ألعاب أخرى مثل السباحة وألعاب القوى قرروا قبلها أو بعدها التدرب في فرنسا أساسا. لم يكن الطريق مفروشاً بالورود، حيث عانت بعض الصعوبات، خاصة على مستوى التدريبات في ظل ضعف الإمكانات المرصودة لها من قبل المسؤولين التونسيين، غير أنها نجحت بكل اقتدار في الرقي بمستواها وبلغت مراحل متقدمة في هذه الرياضة، الأمر الذي خول لها المشاركة في عدة بطولات عالمية تماماً مثل الشقيقتين سارة وعزة بسباس، فكونت معهما ثالوثاً رائعاً بدأ منذ سنوات بالتعريف بالمبارزة التونسية، وحصد بعض الألقاب والميداليات، الأمر الذي مكنها قبل مراحل قليلة من الموعد الأولمبي الأخير في ريو البرازيلية من الحصول على دعم جيد من بلادها. وتطرقت إيناس للإنجاز الأولمبي، وأكدت أنها كانت على يقين قبل عام واحد من الأولمبياد أن الحلم الأكبر آن له أن يتحقق، لقد بلغت من المستوى ما يؤهلها لأن تكون ضمن أفضل 5 لاعبات، مضيفة: «قبل نحو عام من المشاركة في الدورة الأولمبية أدركت أن الهدف الأسمى ليس مستحيلاً، فبحكم مشاركتي في عدة بطولات ودورات عالمية ومنافستي لبطلات متمرسات وخاصة من إيطاليا، كبر الحلم الطفولي وترعرع الأمل في أن أكون على منصة التتويج الأولمبي، وهو ما تحقق فعلاً بعد سنوات طويلة من الكفاح والصبر والتعب». وتقول إيناس البوبكري، إن حصولها على ميدالية برونزية في الألعاب الأولمبية ساهم كثيرا في التعريف أكثر بهذه الرياضة الرائعة، حيث لاحظت نظرات السعادة والإعجاب والرضاء في أعين كل التونسيين والعرب، خاصة في أعين عدد كبير من الأطفال الصغار عند قدومها إلى تونس، قائلة إن عدداً كبيراً من الأولياء بدأوا يتساءلون عن كيفية ممارسة هذه الرياضة. وتحدثت البطلة التونسية عن واقع المبارزة التونسية قائلة: «للأسف الشديد، فالصالات المخصصة لهذه الرياضة، وكذلك الأندية المختصة في المبارزة بتونس عددها قليل للغاية وليس من السهل أن يتم استقطاب كل الراغبين في ممارسة هذه الرياضة، وأتمنى أن يتم استثمار هذا النجاح بالشكل المطلوب ويقع التخلص من كل المعوقات التي تحول دون بروز جيل جديد في رياضة المبارزة، أتمنى أن يتم تشييد صالة متطورة وملائمة لعناصر النخبة التونسية حتى يتمكنوا من تحسين مستواهم، فالمواهب موجودة والإرادة أيضاً، لكن ذلك لا يكفي لوحده، فما ضرّ لو يتم تخصيص جانب من الميزانية المرصودة سنوياً للرياضة من أجل تشييد قاعة جديدة بمواصفات عالمية، حينها يمكن الحديث بقدرة المبارزين التونسيين على الوصول إلى العالمية دون الحاجة إلى السفر والعيش في الغربة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©