الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أسبوع الانفجارات السياسية في السودان

10 يوليو 2006 03:11
الخرطوم - أحمد طه: يعتبر الأسبوع الماضي هو اسبوع (الانفجارات السياسية) التي تسببت في بعثرة الأوراق السياسية السودانية واماطت اللثام عن المواقف المتباينة وباتت البلاد بعدها مرشحة للدخول في أزمة سياسية عميقة وكبيرة ··· فالحقائق باتت جلية دون مواربة أو مساحيق فلقد وضع كل شيئ على المنضدة تحت أضواء كاشفة وباتت أقوى الارهاصات الفعلية بوجود أزمة حقيقية هو عدم عقد مجلس الوزراء السوداني لاجتماعه الدوري المقرر له أمس الأحد نسبة لغياب جميع أعضاء مؤسسة الرئاسة عن الخرطوم· حينما تكاثرت الأقوال بوجود خلافات داخل حزب المؤتمر الوطني بين البشير ونائبه علي عثمان محمد طه والتي تزايدت بعد مغادرة طه المفاجئة لتركيا مع اسرته في وقت رشحت المعلومات أن نقطة الخلاف الرئيسية الحالية بين الطرفين متصلة بالموقف من نشر القوات الأممية بدارفور والتي يبدي البشير رفضاً قاطعاً لها فيما يبدي طه موقفاً أكثر مرونةً بل وأعلن موافقة الحكومة في اجتماعات بروكسل مع الاتحاد الإفريقي بعد توقيع اتفاق السلام في خضم تفجر مسألة إحلال القوات الدولية والأممية في أبريل الماضي والذي بموجبه أعلن الاتحاد الإفريقي تمديد مهمة بعثته بدارفور حتى سبتمبر المقبل، الأمر الذي يرفضه البشير ومجموعته· وعزز توقيت وحيثيات سفر طه للخارج التكهنات والمعلومات التي رشحت عن وجود خلافات بين الرئيس ونائبه وهو أمر ربما يعطل مساعي المؤتمر الوطني في التعبئة الشعبية والجماهيرية لرفض تلك القوات ويضعف بصورة كبيرة موقف المجموعات الرافضة لتلك القوات داخل المؤتمر الوطني سيما في ظل إعلان الحركة الشعبية لتحرير السودان عدم ممانعتها في نشر تلك القوات وفقاً لأحكام الفصل السادس عوضاً عن نشرها وفقاً لاحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو ما يجعل المؤتمر الوطني يحتاج لكل الطاقات والجهود والتي باتت مهددة بالتعثر في ظل الخلافات بين الرئيس ونائبه· فالتضارب الرسمي الذي اكتنف عودة طه من اجازته وعدم عودته في التاريخ المحدد الذي كان مقرراً له يومي الجمعة أو السبت الماضيين وايثار الرجل الغياب عن البلاد للاستجمام في أصعب المواقف التي تمر بها تجعل مسألة صراع الرجلين (البشير ـ طه) قد انتقلت من خانة التكهنات لمرحلة العلن· وما يعزز هذا الاتجاه تصريحات وآراء بعض المحسوبين على الرجلين والتي بدأت تظهر على السطح لأول مرة في أجهزة الإعلام أبرزها دعوة كاتب عبد الرحمن الزومة بصحيفة (السوداني) اليومية في أحدى مقالاته والتي هاجم فيها الذين انتسبوا للانقاذ دون أن يعرفوا عن مبادئها شيئاً ومطالبته بتكوين (حزب الانقاذ) الأمر الذي فسرته العديد من الأوساط بأن الصراع بين الرجلين قد بلغ مداه وأن المركب ما عادت تحتمل الربانين معاً· الخلاف ·· والإطاحة بالترابي ظلت الساحة السياسية السودانية ومجالسها تتداول همساً انباء عن خلاف بين الرئيس السوداني المشير عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه الذي يعتبر من أقوى رجال الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان منذ انقلابها في يونيو 1989م· وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي بذلتها المؤسسات الإعلامية المقربة من المؤتمر الوطني إعلامياً إلا أن جميع تلك المظاهر اصطدمت بالقرائن العملية التي كانت تشير أن ما يحدث فعلياً هو مخالف لما يقال وأن الخلافات بين الطرفين مضت بصورة متصاعدة ومتزايدة· ويذكر الصحفيون حادثة شهيرة في شهر مايو المنصرم حينما دعا مكتب نائب الرئيس لمؤتمر صحفي ولم يمكث فيه طه سوى دقائق معدودات تلا فيه قرار الحكومة السودانية بسد الفجوة الغذائية بدارفور وغادر الاجتماع دون أي حديث أو تعليق أو حتى تحية للحاضرين كما أعتاد أن يفعل في مؤتمراته الصحفية التي يعقدها نادراً وخرج الجميع بانطباع قوي بأن أمرا ما يحدث· وأعادت للأذهان الأجواء السابقة لخروج صراع (الترابي-البشير) إلى العلن لأول مرة· الأزمة·· وقرنق قررت سكرتارية الايقاد إخراج المفاوضات بين وفدي الحكومة السودانية والحركة الشعبية من تعثره الذي اعتراه بعد تقديمها لمقترحاتها المتعلقة بمعالجة القضايا الخلافية بين الطرفين المشهورة بوثيقة (ناكورو) والتي رفضها الوفد الحكومي بصورة كاملة وكانت أحد أبرز تلك الاعتراضات على الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاقية والتي تنص على وجود جيشي الحكومة والحركة الشعبية وانشاء قوات مشتركة تحت قيادة مجلس دفاع مشترك وهو ما كان ينذر بتعطيل مسيرة قطار التسوية الذي بدأت انطلاقته عقب توقيع بروتكول ميشاكوس بين الطرفين· ولانقاذ المفاوضات فقد توصلت سكرتارية الايقاد أن مرحلة التفاوض كانت تحتاج لجهات صاحبة قرار فعلي فكان قرارها بعقد تفاوض مباشر بين النائب الأول للرئيس حينها علي عثمان طه وقائد الحركة الشعبية الراحل دكتور جون قرنق حيث بدأ الرجلان في معالجة القضايا العالقة والتي كان أبرزها (ملف الترتيبات الأمنية) سيما الوضعية المستقبلية للجيش الشعبي لتحرير السودان· فشلت اجتماعات اللجنة العسكرية التي كونها الطرفين في التوصل لأي صيغة متفق عليها لوضع أسس حول كيفية انجاز ملف الترتيبات العسكرية المشتركة وشهد الاجتماع الأخير تمسك الوفد العسكري السوداني الذي رأسه وزير الدفاع حينها اللواء بكري حسن صالح ومدير جهاز المخابرات اللواء صلاح عبد الله قوش بالتمسك ببرنامج زمني يفضي لدمج الجيش الشعبي داخل القوات المسلحة السودانية فيما تمسكت اللجنة العسكرية للجيش الشعبي بمبدأ وجود قوتين منفصلتين مع خلق نواة لقوة مشتركة قابلة للتطوير مستقبلاً لجيش السودان الموحد اذا كانت نتيجة الاستفتاء للوحدة أو تسريحها في حالة نتيجة الاستفتاء الانفصال وحينها يكون كل طرف لديه مؤسساته العسكرية القائمة بذاتها· الوفد العسكري الحكومي كان يرفض أي حديث عن إعادة انتشار القوات الحكومية وسحبها من أي منطقة باعتبارها قوات حكومية رسمية وأن بقائها في تلك الأراضي هي من صميم مهامها الوطنية والقومية دون مشاركة من أي جهة أو مجموعة باعتباره حقا مطلقا للقوات الحكومية النظامية في ظل تمسك الوفد العسكري للجيش الشعبي بإعادة انتشار الجيش الحكومي كإجراء تنظيمي ضروري مرتبط أيضاً بمسألة تقرير المصير وتحديد مهام واختصاصات قوات الطرفين، لكن السبب الرئيسي لتمسك الحركة بجيشها دون إدماج يتمثل في أن وجود جيشها وبكامل عتاده هو الضمانة الفعلية لعدم الانتكاسة في انفاذ ما يتم التوصل إليه سيما وأن تجربة اتفاقية أديس أبابا لم تفارق مخيلة قادة الحركة الشعبية· تلك التعقيدات دفعت أعضاء الوفد الحكومي العسكري لإعلانه بعد عودته للخرطوم القول بأن المفاوضات متعثرة وأنها تمضي نحو الفشل المحقق بعد تعذر التوصل لاتفاق مع الحركة الشعبية· أثار إعلان سكرتارية الايقاد توقيع الطرفين بالأحراف الأولى على اتفاقية الترتيبات الأمنية دهشة جميع المراقبين، إلا ان أكثر الجهات التي اندهاشا كانت الحكومة السودانية نفسها التي تيقنت بأن جميع الطرق قد أغلقت· وما زاد الدهشة الحكومية أن ما تم التوصل إليه هو ذات الأمر الذي سبق أن رفضته في ناكورو وشهدت اروقة الحكومة السودانية انتقادات متصاعدة في دواخلها كان على رأسها القيادات العسكرية والأمنية بقيادة وزيري الدفاع بكري حسن صالح والداخلية عبد الرحيم محمد حسين ورئيس مستشارية السلام وكبير مفاوضي الحكومة بالايقاد دكتور غازي صلاح الدين العتباني ومستشار الرئيس للشئون الأمنية قطبي المهدي· أثار العسكرين أراءهم وتحفظاتهم داخل المؤسسات العسكرية بعيداً عن الإعلام فيما أوضح غازي صلاح الدين موقفه الرافض بصورة واضحة· وانتهز طه الأنباء التي ترددت عن لقاءات العتباني مع الترابي لتوحيد الصف الإسلامي وأصدر قراراً مهيناً بعزل العتباني قبل مغادرته لمقر المفاوضات بنيفاشا في أكتوبر 2003م وهي المرارة التي ظلت عالقة بين الرجلين حتى اليوم ووضح الصراع بين الرجلين في المؤتمر العام الذي عقدته الحركة الإسلامية -كيان عريض يضم الإسلاميين السودانيين المنتسبين للمؤتمر الوطني والأخوان المسلمين ومجموعات إسلامية أخرى- حينما أحرج العتباني طه ونافسه في منصب الأمين العام للحركة الإسلامية وتقدم عليه في الانتخابات مما استدعى تدخل جهات عليا بالدولة لدعم طه باعتبار أن خسارته أمام العتباني المعارض لترتيبات اتفاق السلام كانت رسالة للمجتمع الدولي بأن الإسلاميين في السودان يعارضون اتفاقية السلام وقرروا معاقبة صانعه باسقاطه ديمقراطياً وفي خاتمة المطاف تجنبت الدولة احراج خسارة نائب الرئيس للانتخابات الداخلية لكن مؤشرات الأزمة الداخلية كانت واضحة للعيان· في إطار مساعي طه لتحجيم المقربين للبشير واضعاف المعارضين له بضرب مركز القوى المرتبطة بالرئيس أجبر وزير الداخلية السابق عبد الرحيم محمد حسين على الاستقالة من منصبه بعد قضية انهيار عمارة جامعة الرباط التابعة لوزارة الداخلية واتهامه بالفساد حيث كانت الملاحظة الرئيسية أن حسين وعلى الرغم من فقدانه لأي صفة رسمية ظل ملازماً ومرافقاً للرئيس البشير في جميع تحركاته الداخلية فيما عدا التحركات الرسمية كرسالة كانت موجهة في المقام الأول لطه والمحسوبين عليه باستمرار نفوذ حسين وهو ما أوضحه البشير في الحفل الذي أقامته وزارة الداخلية في وداع حسين حينما ذكر البشير أن الحسين هو في استراحة محارب وهو ما كان ينذر باستعار أوار المعركة بين البشير ونائبه وانتقالها من الدهاليز لمرحلة التلميح· الحكومة الوطنية·· وإسفين الصراع شهد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية واختيار طاقمها صراعا شديدا بين تياري الرئيس ونائبه، فالرئيس ومساندوه طالبوا بأن يكون التكليف على أساس الكفاءة فيما كان النائب ومناصروه -وجلهم من الطاقم المفاوض بمفاوضات نيفاشا- كان رأيهم أن يكون التكليف للأفراد الأكثر دراية بالاتفاق· وكانت المواجهة الرئيسية بين الطرفين في تعيين وزير الدفاع الحالي عبد الرحيم محمد حسين الذي اعترض عليه طه باعتباره متهما بالفساد وتمسك البشير بالرجل وفرضه بالقوة على المجتمعين وخلص المجتمعون لصفقة وتسوية تم بموجبها الخروج بقائمة متوازنة بين الطرفين وإن غلب عليها مرشحو البشير فيما تم استبعاد أو تهميش مرشحي طه وهو ما يمكن اكتشافه من خلال عمليات التبديل والاحلال التي اعترت الترشيحات التي تم تسريبها لأجهزة الإعلام· بروكسل·· والمنبطحون اعلن طه للاتحاد الإفريقي عدم ممانعة الحكومة السودانية في نشر قوات أممية بدارفور بعد تصاعد الأزمة بين الحكومة السودانية والمجتمع الدولي على خلفية المطالب الدولية بإيلولة مهام حفظ السلام لقوات أممية بدلاً من قوات الاتحاد الإفريقي واشترطت الحكومة السودانية أن يكون ذلك بعد التوصل لاتفاق سلام بالإقليم وهو ما أفضى لانهاء الأزمة المشتعلة بين الحكومة السودانية وتحديداً حزب الأغلبية المؤتمر الوطني والمجتمع الدولي· هذا الموقف إيضاً جوبه برفض داخلي كبير داخل المؤتمر الوطني وهاجم محسوبون على البشير من الانفصالين الشمالين في صحيفتهم اليومية (الانتباهة) بعد المظاهرات الجماهيرية التي نظمها المؤتمر الوطني لإعلان رفض القوات الدولية والتي تزامنت مع اتفاق طه مع الاتحاد الأوربي ببروكسل من وصفتهم (بالمنبطحين للمجتمع الدولي الذين يفرغون إشارات الجماهير الرافضة للقوات الدولية) وهي إشارة قصد بها طه نفسه ولم تكن تحتاج لأي لبيب ليفهم المقصود (بالمنبطحين) كما أنها مثلت الإعلان الرسمي بأن الرجلين هما فعلاً مختلفان·وتأكد للجميع بعد غياب طه المقصود عن احتفالات الانقاذ ان الخلاف بين الرئيس ونائبه لم يعد سرا ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©