الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكسيك.. ضغوط التجارة والجدار

1 فبراير 2017 00:23
كانت الحكومة المكسيكية مهذبة نحو دونالد ترامب عندما كان مرشحاً رئاسياً، وكذلك عندما أصبح رئيساً للولايات المتحدة. وفي الواقع، فإن الرئيس المكسيكي «إنريكي بينيا نييتو» قد دفع تكلفة سياسية عالية لكونه مفتوحاً على العمل بشكل بناء مع الرئيس ترامب. بيد أن «بينيا» قد فعل الشيء الصواب بشأن وضع مصالح المكسيك والحفاظ على علاقات المنفعة المتبادلة مع جارتنا فوق شعبيته الشخصية. ومع ذلك، فقد حان الوقت للاعتراف بأن تصرفات الإدارة الجديدة قد أوصدت الباب، على الأقل في المستقبل القريب، أمام إمكانية التوصل لأي اتفاقية من خلال الحوار والتفاوض الذي يمكن أن يلبي مصالح الطرفين. هذا وضع مؤسف ومحزن، لكن الجهود المبذولة لاستيعاب رغبات الرئيس ترامب المتقلبة أثبتت أنها لا قيمة لها ولا ينبغي الاستمرار فيها، فهي ليست مفيدة للمكسيك أو للولايات المتحدة. وإذا كنا نتذكر، فقد كانت احتمالات التوصل إلى اتفاق تبادل منفعة بشأن الموضوعات المدرجة على أجندة الرئيس ترامب بشأن المكسيك دائماً ضئيلة، على اعتبار أن مطالبه تتحدى الحصافة القانونية والاقتصادية طوال الوقت. وعلى سبيل المثال، فإن طموح الرئيس ترامب لإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) ينبع من فكرة غير صحيحة مفادها أن الميزان التجاري بين الدولتين يؤدي إلى مزايا مكسيكية في صلب اتفاقية «نافتا»، وأن الميزان التجاري، إذا كان إيجابياً لصالح المكسيك، يعني الانتقال الأوتوماتيكي للوظائف من الولايات المتحدة إلى شريكتها الجنوبية، بيد أن كلا المفهومين خطأ. وبالقدر نفسه من الخطأ كان فشل الرئيس ترامب في إدراك كيف أن نظم النقل الحديثة وتكنولوجيا المعلومات قد غيّرت التجارة الدولية، فهذا التقدم خلق سلاسل توريد متطورة قادرة على توصيل المنتجات والخدمات، بما في ذلك الجديد منها، بأسعار منخفضة، ونظراً لقدرتها التكنولوجية والتجارية المذهلة، كانت الولايات المتحدة هي المستفيد الرئيس من هذه الوسيلة الجديدة من تنظيم الإنتاج والتجارة الدولية، والكثير من الشركات الأميركية باتت قادرة على التنافس حول العالم بنجاح مع الشركات الأوروبية والآسيوية، وبذلك تستطيع أن تقدم وظائف جيدة ذات رواتب عالية، وتحديداً لأنها أصبحت حرة في تطوير روابط مع نظيراتها من سلاسل التوريد في أماكن مثل المكسيك – والفضل يعود في هذه الحالة إلى اتفاقية نافتا. ولهذا السبب كان يجب أن يكون واضحاً منذ البداية استحالة استيعاب هدف الرئيس ترامب فيما يتعلق بموازنة الميزان التجاري مع المكسيك من خلال تعديل اتفاقية «نافتا» وحدها، وإذا ظل الرئيس ترامب مهووساً بهذا الهدف العنيد، يجب أن تفهم المكسيك هذا كرغبة في قتل اتفاقية «نافتا»، وهو بالطبع أمر لديه القدرة القانونية للقيام به. وسيكون مضيعة للوقت بالنسبة للحكومة المكسيكية أن تلعب لعبة تعديل نافتا مع إدارة ترامب. وإذا قدمت الحكومة الأميركية أجندة واضحة وجادة للنقاط المتعلقة باتفاقية «نافتا»، وتتسق مع مصالح البلدين، ففي هذه الحالة فقط يتعين على السلطات المكسيكية التحرك لاستئناف الحوار. الإدارة المكسيكية الحالية، التي أطلقت بنجاح إصلاحات اقتصادية طموحة بشكل لا يصدق في سنواتها الأولى، يجب أن تعود إلى هذا الدافع الإصلاحي. وإلغاء اتفاقية نافتا، الذي سيكون مدمراً ومكلفاً على المدى القصير، يمكن تعويضه بحزمة من السياسات السليمة. وبالطبع، كما هدد، فإن الرئيس ترامب ربما يتمنى الذهاب لأبعد من إلغاء نافتا، وأن يحاول فرض قيود إضافية على التجارة مع المكسيك. ويجب أن تكون بلادي مستعدة لاستخدام كل الأدوات القانونية الممكنة، لا سيما تلك التي تقدمها منظمة التجارة العالمية، لمواجهة أي إجراءات تعسفية وغير قانونية، وربما ينظر الرئيس ترامب حتى في انسحاب الولايات المتحدة من التحكيم المركزي للمنازعات التجارية الدولية، وعند هذه النقطة فإن القضية المكسيكية ستصبح مشكلة عالمية ينبغي مواجهتها من قبل المجتمع الدولي بأسره. أما بالنسبة للجدار الحدودي الذي يريد الرئيس ترامب تشييده: فمن الواضح أنه ليس هناك سوى القليل يمكن أن تقوم به الحكومة المكسيكية لتشجيع سياسات هجرة أميركية أكثر استنارة، وهذه مسألة داخلية، على الرغم من عواقبها بالنسبة لدول أخرى، من بينها المكسيك. *أستاذ الاقتصاد والسياسة الدولية في جامعة يل ورئيس المكسيك من 1994 – 2000. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©