الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا.. ومأزق السياسات الاستخباراتية

24 يوليو 2014 01:52
وصلتُ إلى برلين الأسبوع الماضي على أمل رؤية شيء نادر: بلد مزدهر، ومحكوم بشكل جيد، وسعيد أيضاً، كيف لا وألمانيا تُوجت للتو بطلة للعالم في كرة القدم. فوجدتُ أن ألمانيا هي كل هذه الأشياء، والألمان يدركون ذلك جيداً؛ فما عليهم سوى أن ينظروا حولهم ليلاحظوا أن اقتصادهم أقوى وأن حكومتهم أكثر فعالية مقارنة مع جيرانهم. أما مستشارتهم، أنجيلا ميركل، التي تعتبر حليفاً أساسياً لأوباما في الأزمات من أوكرانيا إلى إيران، فهي «إمبراطورة أوروبا غير المتوجة»، حسب تعبير «جوزيف جوف»، ناشر صحيفة «داي زيت» الأسبوعية. ولكنني وجدتُ أيضاً ألمانيا قلقة بسبب مكانتها في العالم، خاصة بعد القبض على مسؤول متوسط المستوى في جهاز الاستخبارات الألماني كان يسرق وثائق سرية لحساب وكالة الاستخبارات الأميركية الـ«سي. آي. إيه». فالرسالة التي تلقاها الكثير من الألمان من فضيحة التجسس الأخيرة - التي تأتي بعد أقل من عام على الكشف عن تنصت وكالة الأمن القومي الأميركية على مكالمات ميركل الهاتفية - هي أنهم مهما كانوا ناجحين وموثوقين كحلفاء، فإنهم ما زالوا لا يحظون باحترام كبير من الولايات المتحدة. كما كشفت الوثائق التي سرّبها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، أن هذه الأخيرة تمنح ألمانيا إمكانية أقل للوصول إلى خلاصاتها مقارنة مع فرنسا أو هولندا أو النرويج. ومثلما عبّرت ميركل عن ذلك جيداً، فـ«هذه ليست علاقة مبنية على الثقة». وفي هذا السياق، قال لي مالت ليمينج، وهو محرر بصحيفة «دير تاجشبيجل» الصادرة في برلين: «ينبغي أن يفهم الأميركيون عمق الإهانة التي شعر بها الألمان»، مضيفاً «إنه شعور بالإهانة من دون القدرة على الرد. . . وهذا يذكّرني بأن الأميركيين والألمان لا يفهمون بعضهما بعضاً جيداً مثلما كنا نعتقد». ويُعتبر التجسس الأميركي مثيراً لحنق ألمانيا بشكل خاص، لأنها تعرف أن الولايات المتحدة لا تتجسس على أوثق حلفائها الناطقين بالانجليزية: بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلاند، وذلك لأن هذه البلدان منخرطة في ميثاق استخبارات يعرف باسم «العيون الخمس» تقوم فيه بتقاسم المعلومات وحراسة بعضها بعضاً. وقد عُرضت على ألمانيا العضوية في نادي «العيون الخمس»، ولكنها كانت دائماً تجد رسوم الانخراط باهظة جداً: جهاز استخبارات أكبر بكثير يستطيع الاشتغال على مستوى الـ«سي آي إيه» الأميركية نفسه و«إم آي 5» البريطاني. ولذلك، فإن ألمانيا عالقة في مأزق بخصوص السياسة الاستخباراتية: ذلك أنها تريد أن تكون حليفاً للولايات المتحدة، ولكنها لا تريد أن تلتزم بالقواعد نفسها. وهذا يعزى جزئياً إلى حقيقة أن بعد قرابة 70 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، مازال الألمان يشعرون بالانزعاج والتوتر. وفي هذا السياق، يقول كارستن فويجت، من زعماء السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا: «إن الألمان لا يريدون دوراً أكبر في العالم»، مضيفاً «إننا ما زلنا نشعر بالانزعاج والتوتر عندما تكون بلدان أخرى مستاءة منا». والواقع أن لا شيء من هذا يهدد جوهر التحالف الأميركي- الألماني – ليس بعد، على كل حال. فميركل كانت وما زالت شريكاً قوياً لأوباما في دعم العقوبات ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رغم اعتماد ألمانيا على الغاز والنفط الروسيين. كما وجد استطلاع للرأي أفرج عنه «مركز بيو» المستقل الأسبوع الماضي، أن 51 في المئة من الألمان ما زالوا يقولون إن لديهم رأياً إيجابياً عن الولايات المتحدة؛ وهو ما يمثل انخفاضاً كبيراً من 64 في المئة في 2009 (عندما كانت رئاسة أوباما جديدة في بدايتها)؛ ولكنه يظل مع ذلك أعلى من الـ30 في المئة التي سجلت تحت جورج دبليو. بوش في 2007. بيد أن استطلاعاً آخر للرأي من قبل مجلة «دير شبيجل» الألمانية وجد أن 57 في المئة من الألمان يريدون من حكومتهم أن تنتهج سياسة خارجية أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة. الأمر المحزن هو أنه لم تكن ثمة حاجة لحدوث هذه الأزمة. وفي هذا الصدد، يقول جون كورنبلام، الذي كان سفير أميركا في ألمانيا خلال إدارة كلينتون: «لقد أفسد الأميركيون الأمر كلياً». ويرى كورنبلام أن المشكلة هي أنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، رفعت أجهزة الاستخبارات الأميركية معظم القيود التي كانت تلتزم بها في السابق بخصوص جمع المعلومات الاستخباراتية عن ألمانيا إذ يقول: «الأكيد أننا ما كنا لنقوم بذلك أبداً قبل 11 سبتمبر». ولكن أجهزة الاستخبارات الأميركية لم تُخضع مشاريعها في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر لحسابات الربح والتكلفة، كما يقول؛ حيث كان يبدو أن التهديد الإرهابي يبرر اتخاذ تدابير قصوى، بغض النظر عن الكلفة. ولكن، ماذا الآن؟ المسؤولون على الجانبين يقولون إنهم يريدون إصلاح العلاقات. وفي هذا السياق، اتصل أوباما بميركل هاتفياً؛ وعرض مدير الـ«سي آي إيه» جون برينان زيارة برلين. ولكن الولايات المتحدة لم تعرض على الألمان ما ترغب فيه برلين حقاً: اتفاقية حول «عدم التجسس» تضمن لألمانيا ألا تكون هدفاً للتجسس الأميركي. ولعل الشيء العقلاني الذي يجدر بواشنطن أن تفعله الآن هو فرض قيود طوعية على أنشطتها التجسسية ضد أهم حليف لها في أوروبا، خاصة في وقت أثبتت فيه تلك الأنشطة أنها تأتي بنتائج جد سلبية عندما يتم كشفها. غير أنه على الولايات المتحدة أيضاً أن تتعلم درساً أكبر: إن التحالفات تحتاج للعناية المستمرة، ولا ينبغي أبداً اعتبارها من المسلَّمات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©