الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جمال الشرق «عن قرب»

جمال الشرق «عن قرب»
6 أكتوبر 2010 20:30
عندما يجتمع فنانون، نتساءل: هل كانت المصادفة هي السبب وراء هذا التجمع، أم أن هناك رؤية مشتركة استدعت ذلك، وماذا سيقدم هذا الالتقاء من مفاهيم ترفد ساحة الفن بأسلوب أو تناول جديدين؟ هناك تجمعات تحمل أسماء هي بمثابة إشارة دلالية على ما يريده أعضاء هذا التجمع ضمن هدف يؤمن ويشترك به الجميع، أي بمعنى آخر أن هناك اتفاقاً ضمنياً على هذا العنوان/ اللافتة. كل ذلك يأتي لترسيخ الأسلوب الذي من خلال معرفته يمكن تأويل هذه الأعمال بغض النظر عن قناعات كل فنان ضمن الجماعة بأسلوبه الفني الخاص وبالمدرسة التي ينتمي أو يمثلها في أعماله الفنية. في كثير من مفاصل الإبداع التشكيلي ـ بصورة خاصة ـ رأينا أن الجماعات تخلق نفسها، بل وفي أحيان كثيرة تصدر بيانات فنية، وأدل على ذلك البيانات السريالية والبيانات التكعيبية وبيانات جماعات الفن الحديث في أغلب ساحات الفن التشكيلي العربي، وربما كانت بعض هذه البيانات قد شملت مختلف صنوف الإبداع - شعراً أو تشكيلاً أو سينما - كما هو عليه البيان السريالي لدالي، لكن ما يتصل منه بالفن التشكيلي كان الأوضح والأكثر تأثيراً في المراحل الإبداعية التي تلت ظهور البيان السريالي. الأوضح في التجمعات والالتقاءات التشكيلية أن يصدر بيان عن المجموعة أو أن تتصدر كتيبهم الذي يعلن عن تجمعهم كلمة يشيرون فيها إلى دواعي اختيار عنوان معرضهم وأسباب اختيار تسمية هذه المجموعة، وهل أنها محكومة بأطر مفهومية أم أنه تجمع فني لا غير، وأعتقد أن هذه القضية صارت ضرورة في الاشتغال الفني. كانت هذه المقدمة في سياق أو على ضوء معرض أقيم مؤخراً في أبوظبي بضيافة هيئة أبوظبي للثقافة والتراث لمجموعة من الفنانين أطلقوا على أنفسهم مجموعة “فنان” fanaan وحمل المعرض عنوان “عن قرب” upclose 9 فنانين من جنسيات متعددة يقيمون في أبوظبي قدموا 59 عملاً فنياً، حيث كانت المدينة “أبوظبي” سبباً أولياً لتجمعهم ثم كان حبهم للمدينة وتماهيهم مع عوالمها وتأثرهم بثقافتها وقيم وأخلاقيات أهلها كلها أسباب لهذا الالتقاء الذي توج برؤية مشتركة جمعتهم مع البعض فأطلقوا على أنفسهم “مجموعة فنان”. توزعت الأعمال بين التشكيل والنحت على البرونز، وقدم في التشكيل 8 منهم رؤية في أغلبها ملامح شرقية ومستقاة من مدينة أبوظبي ومن الصحراء والبحر والنخلة والتماع الأفق في عوالمها الطبيعية. قدمت جانين عبيني 7 أعمال واميلي جوردن 5 أعمال وداكشا بولسارا 10 أعمال وأيوين بوشل 6 أعمال وكريتش 9 أعمال ونينا راي 10 أعمال وجنيفر سايمون 5 أعمال وجوليا عبيني 5 أعمال، أما في النحت فقد قدمت ليندا استيفانيان (2) منحوتتين بالبرونز والحديد. في معرضهم “عن قرب”، نفذت الأعمال بمختلف المواد الداخلة في الفن ومنها “المكس ميديا” والحبر والألوان المائية على الورق والاستيل والورق والحرير والقطن المنفذ يدوياً و”الاكرليك” والزيت على “الجمفاص”. حملت عناوين اللوحات والمنحوتتين أسماء تلخص ما يدور في العمل الفني، وكأن الأسماء هي تعبير لغوي عن رؤية الفنان أو دواعي اللوحة منها ما يدل على حس واقعي صرف وهي “بين 3 أبواب” و”مع الألماس” و”سيتي سكيب” و”الزهور في أبوظبي” و”الجزيرة” وبعضها ترى فيه حساً إيحائياً مثل “الحب” و”السعادة” و”الكذب”. إنجازات مدينة تطالعنا البريطانية جنيفر سايمون والتي تعيش في الإمارات منذ عام 2000 برصد حركة زمن كامل في أبوظبي، وهي تصور إنجازات هذه المدينة، بل الإمارات كلها حين أنشأ ثقافتها ورسخ وجودها الحقيقي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله حين تسابق مع الزمن.. وقد رمزت للزمن بالساعة إلى الزمن الآتي. تناولت جنيفر سايمون القباب والبحر والخيل البيضاء والقلاع والتشكلات الشرقية والغربية للأبنية في امتزاج واضح لعوالم عاشتها في فترات مختلفة من حياتها، حيث ترعرعت في أستراليا بعد أن ولدت في بريطانيا وتعيش الآن في الإمارات، وكان أول ظهور لها في المشهد الفني في أبوظبي عام 2007 مع معرضها الفردي الناجح “مناظر الحياة”، ومنذ ذلك الحين وهي تشارك في المعارض الجماعية. المدينة الحضارية هو عالمها والألوان الغامقة المتألقة هي لمساتها، وهي في كل ذلك تنقل المدينة وناسها بإلهام واضح وفي تصوير لإبداعات البشر في خلق مدنهم، وفي لوحاتها الـ (5) التي تخصصت بها في جلب التراث المديني كان العامل الأساسي الذي جعلها تنحو هذا المنحى هو ولعها بالقباب والمآذن الشرقية والأبواب والشبابيك والبحر غير أنها لم تنس أن تعشق كل ذلك بعوالم طفولتها، حيث “الباص الأحمر ذي الطابقين” الذي يجوب شوارع لندن. جنيفر سايمون تقرأ مرحلة مهمة في حياة أبوظبي وترمز لها بقارب ذاهب إلى الشمس، وقد حمل صورة الشيخ زايد رحمه الله في إشارة إلى الإبحار نحو المستقبل، كذلك في لوحاتها الأخرى الأربع التي حملت تركيبة من الرموز خاصة لوحتها التي خطت تحتها كلمة “أبوظبي” بـ”الإنجليزية”، وفي وسطها السفلي رسمت ساعة بيضاء تشير إلى زمن محدد، ويقف عند الساعة الشيخ زايد -رحمه الله- وحوله أناس من شعوب الأرض المختلفة في اصطفاف إنساني، وبالطبع تتحول اللوحة هنا إلى معنى شامل وإلى ألوان مفتوحة على اشتغالات وسحر الشعوب بألوانها. في هذه اللوحة، ترى الإنسان الأسمر والأبيض والشرقي والغربي والرجل والمرأة والطفل والشيخ، والعامل والعالم كلهم يقفون خلف الشيخ زايد رحمه الله، وهو يتطلع إلى الزمن الآتي، بحس إنساني وبشمولية أخاذة وبرموز شفيفة لا تحتاج إلى كثير من التأويل. ولم تنس جنيفر سايمون أن توشح لوحتها بطغيان اللون الأخضر في أسفلها مع إشارات دلالية على صفاء لوني أزرق يشير إلى سماء التسامح التي غرسها الشيخ زايد -رحمه الله- بين الناس على أرض الإمارات. وأعتقد أن قراءة عناوين لوحات جنيفر سايمون، وهي “الحب” و”مكتشف الطريق” و”مع الألماس” و”المدينة التي ولدت فيها” تؤكد أن روح التسامح وعشق سايمون إلى المدن ورؤيتها الثاقبة قد جعلاها تتجه إلى هذا النمط من التشكيل. الأشكال التقليدية أما التشكيلة البريطانية الأخرى وهي جانين عبيني المتخصصة بفن النسيج، فقد تناولت الطبيعة في إطار فن النسيج على القماش ولم تبتعد عن طبيعة الإمارات أيضاً في استلهام واقعي لثقافة شعبها. والنسيج لدى جانين عبيني مصحوب بأشكاله التقليدية التي عادة ما يتكون منها وهو الاعتماد على المربع والمستطيل والمثلث ضمن تداخل تصويري بارع من أجل خلق شكل يضم كل هذه الأشكال، إلا أنه يمتلك شكله الخاص. استخدمت جانين رموز المنطقة، بل الإمارات تحديداً، وهي شكل سعف النخيل ضمن توزيع لوني يضم الأخضر والبرتقالي والبني في إطار توزيعي لم يخرج إلى العشوائية، بل كان محسوباً بدقة، كما أن الخطوط لديها تمثل دلالة ممتزجة باللون، تشكل من خلالها جسراً بين رؤى مختلفة، في استغلال كامل لفضاء اللوحة معبرة عن بعد تجريدي غير منظور يتحكم في الشكل لديها. الفنانة الثالثة ايميلي جوردن الأميركية المولد التي شكلت من النحت جسد اللوحة، حيث استغلت مجموعة من الدهانات الاكريليكية الممزوجة مع البارافين والمواد الصبغية والأوراق الذهبية والفضية لتشكيل لوحتها التي طعمتها بالنحاسيات. يحقق هذا النموذج عن الفن المعاصر تعمقاً بصرياً ملحوظاً في اللوحة له تأثير قوي وفوري لإبهار وإثارة المشاهد والتي غالباً ما تكون من الأشكال الحسية والألوان والتصميمات في الفن العربي والمغربي، حيث نرى الأبواق المقوسة والتمائم المعلقة والقباب والخناجر الشرقية، كما أن أميلي جوردن لم تبتعد عن تصوير المدن في لوحتها “سيتي سكيب 2010” بحجم 50 * 160سم. تعترف جوردن بانبهارها بالأشكال الحسية والألوان والتصميمات في الفن شرقياً وغربياً إلا أن الأبواب والشبابيك الشرقية - المغربية خاصة - تتصدر لوحاتها في فضاء زخرفي واضح فيه استعادة لفن إسلامي وتأثر به كما به كثير من رموز الموروث المحلي الإماراتي. المهنة والفن أما الفنانة البريطانية داكشا بولسارا، فقد تمثلت عالم مهنتها كعالمة وطبيبة في سماء لوحاتها، حيث تستخدم الألوان المائية ضمن احتفال كبير بالتجريد، إذ نرى العلم والطبيعة - البشرية تحديداً - مركزين في مختلف لوحاتها، كما تبدو علامات الاستقرار الداخلي والتوازن هاجساً لديها. الدم والنزيف هما وسيلتا رؤيتها لإنقاذ البشر في صالات المستشفيات وفي فضاء لوحتها، إذ إن اهتمامها بهذه العوالم متأت من فعل وظرف شخصي حاولت أن تجعله فناً، حيث قطرات الدم تتساقط من أعلى اللوحة في تراكم يحمل احمراراً شفيفاً وخوفاً إنسانياً من الموت والدم. ألوين بوشل الجنوب أفريقي يقترب من داكشا بولسارا كونه طبيباً أيضاً وفناناً، يشتغل بالزيت والاكرليك والوسائل المختلطة بالحبر. يهتم ألوين بالشخصية التي لا يتركها مرسومة وحدها بل يجاورها جزء من عالمها، القطط لديه سوداء وكثيرة في اللوحة وتقفز في كل الأماكن، والشخصية متعددة، الواقعية منها والإطارية المعلقة على الجدران، واستخدام الكرسي يبدو طريقة ثابتة في لوحة الوين بوشل الذي يؤمن أن “الفن مثل الطب، رحلة مع التحديات والقضايا التي تحتاج إلى مواجهتها وحلها، فالطب يتطلب تفكيراً موضوعياً ومنطقياً يستند إلى المعرفة، أما الفن فهو يتطلب التحرر من المنطق وبحاجة إلى الفكر الخلاق”. الجسد لدى بوشل “امرأة أو رجل” تتشابه ملامحه ورغباته وتكتسب من بعضه البعض الإمتاع والاهتمام والتأثر، والعاطفة هي واحدة إزاء الذات والآخر والحيوان فالحياة قيمة لديه. القاهرة الوطني للشباب للفسيفساء” في سنة تخرجها نفسها. ثقافة لونية وفي قراءتنا هذه لا بد أن نشخص أعمال الهندية “نيناراي” التي لم تنفصل عن بنية ثقافتها الاجتماعية والموروثية، وكما هو معروف أن ثمة ثقافة لونية تمتلكها البنية الاجتماعية الهندية، حيث الحب العارم للألوان، كما أنها تستوحي لوحاتها من الناس والأماكن المألوفين، فما بين الشرق والغرب يتأرجح عالمها، حيث الشكل والأفكار تمتزج بالألوان الضاجة، وضمن عالم خيالي يتسم بالغرابة والإلفة، فالغموض والسكينة والجمال هي ما يتشكل من عالم نيناراي، بالإضافة إلى فلسفة اللون لديها، حيث المعنى ينبثق من عمق اللون وفلسفته. ويشكل فن البريطانية جولي عبيني الأردنية الأصل امتزاجاً بين فن الشرق بالغرب، حيث الانطباعات لديها إزاء الواقع تنهال منها رؤى حالمة إزاء المكان التاريخي الذي أدهشت به في دولة الإمارات وتراثها. يمتزج لديها الفحم بالحبر والمعجون بالطلاء والتصوير الفوتوغرافي في استخدام بارع للتقنية الرقمية في تكوين لوحة فنية فريدة. وأخيراً، نرى في منحوتات ليندا استيفانيان الإيرانية الإمينية الأصل تجليات ميادين الفن في كل حركة من معدنها الذي يشي برموز جميلة. لقد استفادت ليندا من فنون النحت الإيرانية وكبر لديها هذا الهم في أبوظبي التي جاءتها عام 2006، حيث عرضت أعمالها النحتية التي تعبر عن رقة في الروح وعن أناشيد للسلام والفكر والكون. ليندا تطوع البرونز لتكشف عن صنعة بارعة، فالمعدن يرق بين يديها. في عمليها وفرة من الديناميكية والجمالية وهما منحوتتان تحملان عنواناً واحداً هو “الوطن الأم” اختارت لهما الفولاذ الذي لا يصدأ والورق، وهما يرمزان أولاً لأم إماراتية فاتحة يديها بالدعاء إلى الله وقد لبس البرقع على وجهها، وقد أهدت ليندا هذا العمل للأمهات كافة في الإمارات. وفي العمل الثاني “الوطن الأم”، أيضاً تستوحي فكرته من تراث أرمينيا، حيث يمثل الشكل الرمزي والعصري للأم الأرمينية في حالة تمثل تأملي وهي واقفة تصلي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©