الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجارب من التشكيل في أميركا اللاتينية

تجارب من التشكيل في أميركا اللاتينية
18 فبراير 2009 22:54
تكاد تجارب الفن التشكيلي في أميركا اللاتينية أن تكون مجهولة في عالمنا العربي وفي صالات العرض العربية، فنادرا ما تبادر صالة عرض عربية إلى إقامة معرض لواحد من فناني تلك القارة، رغم ما تنطوي عليه تجارب فنانيها من خصوصية على المستويين التقني والموضوعي، وهناك أسماء وتجارب مهمة من ذلك العالم، وهي تجارب تفيد من تراث غني لشعوب تلك المنطقة وتفاعلها مع تجارب عالمية· في إطار نشاطه وإسهاماته الفنية المعروفة استضاف جاليري أوبرا في دبي مؤخرا معرضا تشكيليا بعنوان ''لمسات لاتينية: الفن المعاصر في أميركا اللاتينية''، وشارك في المعرض اثنا عشر فنانا من دول أميركا اللاتينية، حيث نشاهد في المعرض عددا كبيرا من الأعمال من بينها تبرز لوحات الفنان الكولومبي الشهير فرناندو بوتيرو، ومنحوتات الفنان البرازيلي روميرو بريتو، وويلفردو لام، إضافة إلى كل من روبيرتو متى وفيديريكو يوريب وأنتونيو سيغوي ودييغو ماسي وأحمد غومز وماركو غويرا وروبن بيرلاند ولورا فرناند وغوليرمو مونوز· من بين أعمال المعرض تبرز لوحات ومنحوتات فرناندو بوتيرو ذات الضخامة المعروفة في أعمال هذا الفنان الساخر، وكان بوتيرو قد اشتهر في عالمنا العربي بأعمال جسد فيها جرائم أميركا في سجن أبو غريب، فهو يقدّم في أعماله أشكالاً ضخمة لهياكل بشريّة بتكوينات غريبة وساخرة، كما يسعى في عمله إلى تجسيد رموز السلطتين السياسية والدينية إضافة إلى العسكرية بأسلوبه الساخر واللاذع· وكانت الأعمال التي رسمها الفنان بوتيرو المولود في كولومبيا 1932 حول فضيحة أبو غريب تعتبر هي الأولى من نوعها في العالم التي عالجت الموضوع، ولم تكن موضوعتها مجرد صرخة في وجه الاحتلال الأميركي والتعذيب الذي مارسه الجنود الأميركيون فحسب، بل كانت كذلك صرخة احتجاج على كل ممارسات التعذيب التي حدثت والتي ستحدث في سجون العالم كله كما قال هو نفسه في حينها· وفي هذا المعرض يقدم بوتيرو عددا من اللوحات والمنحوتات البرونزية التي تتناول هموم الإنسان وقضاياه في العالم كله، فهو في بعض منحوتاته يجسد ملامح البؤس الشديد للأفارقة، مع إبراز دور الأمومة في حماية الأطفال· أما لوحاته المشغولة بالزيت على الكانفاس فهي في الغالب تبرز المرأة في مشاهد من الحياة اليومية، ويبرز فيها الكثير من تفاصيل جسدها، وكذلك الأمر مع الرجل كما يمكن أن نرى في لوحة مصارع الثيران· أما الفنان التشيلي روميرو بريتو والمعروف بأنه من صمم الهرم المنصوب في ساحة هايد بارك في لندن وبلغ ارتفاعه 5ر13 متر، فهو يميل في أعماله التي يشهدها المعرض إلى الرسم بالأكريليك وبالزيت على الخشب والقماش، مصورا مناخات من الفرح والبهجة بألوانه الزاهية، ففي إحدى لوحاته يجسد فتاة راقصة مزدهية بردائها الملون النابض بالحياة، وهناك نماذج أخرى جريئة وتحمل رسالة دائمة بالأمل· وهو يستخدم في ذلك تقنيات الرسم والغرافيتي، من خلال ألوان مضيئة وإيقاعات لونية بتكوينات يغلب عليها الطابع الهندسي· تبرز في المعرض أيضا أعمال الفنان الكوبي ويلفردو لام (1902- 1982) بنزوعه السوريالي المتأثر بسلفادور دالي، رغم توجهاته للاهتمام بالموروث من جهة، والانطلاق نحو الفن الأفريقي بأقنعته المعروفة، والشمس الصينية والرموز الهندية، وهو بذلك يتداخل مع ما يعرف بالسوريالية الكوبية والكاريبية· وقريبا من هذه التجربة تأتي تجربة الثنائي ماركو غويرا وياسمين ألاوي اللذين يستلهمان عالم ألف ليلة وليلة في عمل ينحو نحو السوريالية وعوالمها التخييلية حيث الجسد عموما والوجه خصوصا يبدو مساحة للرسومات التي تنتمي إلى عالم الزخرفة والتلوين واستخدامات مادة الحناء· وفي سياق مقارب من العمل السوريالي تأتي أعمال الفنان التشيلي روبيرتو متى (1911-2002) الذي يعتبر أحد أصحاب التجارب المهمة في الموجة الثانية من السورياليين، وهو رسام ومعماري يبني عمله مستخدما ما أمكن من الأدوات لأداء المعنى الذي يريد، متبنيا هموما وقضايا وحوادث راهنة في أشكال طبيعية· أما الكولومبي فيدريكو يوريب المتنقل في دراسته وتجربته بين نيويورك ومكسيكو وروسيا وبريطانيا فهو يتميز بتجربة تقوم في إطار ما يدعى (البوب آرت) حيث يلجأ إلى استخدام المواد والموضوعات اليومية، مستندا في ذلك إلى التاريخ والتقاليد الكلاسيكية للفن، محاولا استخراج المعنى من خلال التقنيات الفنية الحديثة، مرتكزا إلى احتفاء خاص بالحياة والجمال والحب، وطريقه إلى ذلك الدهشة· ويعتمد الفنان دييغو ماسي (من الأوراجوي) إيقاع اللون والتشكيل بين اللونين البني والأسود، لخلق تشكيلات تجريدية حرة، فتظهر في عمله تكوينات أقرب إلى النمور لكنها مجردة من ملامحها الأساسية· وبينما يكتفي ماسي بلونين أساسيين في عمله، تضج لوحة الفنان روبن بيرلاند بالألوان والأشكال والاشتغال على الإضاءة المعبرة عن مشاعر جياشة حيال ما يدور من حول الفنان ويعكس واقعه وواقعيته المعبرتين عن رؤيته للمشهد الطبيعي في منطقته وفي عالمه· الفنانة الأرجنتينية المقيمة في جدة لاورا فرنانديز دي نازير تعتمد في عملها على خليط من التقنيات، فهي تستخدم الألوان والكولاج في إيقاع لوني يبرز اللون الترابي الصحراوي الذي يحيط بها، وتحاول المزج بين مواد مختلفة من الألوان والخطوط والورق لخلق التوازن النهائي في لوحتها، حيث أن هذه اللوحة تطرح الكثير من الأسئلة محاولة إيجاد أجوبة عليها· وأخيرا نقف مع عمل الفنان التشيلي غوليرمو مونيز فيرا (مواليد 1956) الذي درس الفن في سانتياغو قبل أن ينتقل ليستقر في مدريد متأثرا بالفن الأسباني، ومحاولا أن يخط طريقه في رسم البورتريهات لكبار الشخصيات، وهو هنا في هذا المعرض يقدم عملا يجسد فيه تمثالا مقطوع الرأس وملتفا بعباءة مضمومة على جسد التمثال الذي تبدو معالمه شديدة التحديد في اللوحة، بما يوحي بالجمود والصمت ربما· مباراة فنية بين الأجيال زين ابراهيم بمناسبة مرور مئة عام على إنشاء كلية الفنون الجميلة في مصر احتضنت قاعات قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية معرضا ضم إبداعات 215 من الرواد والمعاصرين والشباب· ومثلت الاعمال كل أشكال الفنون من تصوير ونحت وحفر ورسم، مؤكدة تواصل الاجيال عبر المئات من الذين تخرجوا في كلية الفنون الجميلة ابتداء من محمود مختار وراغب عياد ومحمد حسن ويوسف كامل وانتهاء بأحمد نوار ومحمد الطراوي وسامي رافع وهند عدنان وابراهيم الدسوقي· وقال وزير الثقافة المصري فاروق حسني ان مصر ظلت شغله الشاغل وهمه الدائم، وظل التاريخ يزرع في قلبه عشقا، وصنوف الفنون تأخذه الى خيال رحب لنظرة معاصرة فمن المتحف الكبير الى القاهرة التاريخية ثم الى مئة عام من الفنون، قرن مضى وقرن حان وقته ورموز نحتفي بها تؤرخ لإبداعاتنا من خلال لوحات وتماثيل وجماعات فنية تربينا على أفكارها فجاء هذا المعرض ليؤكد اننا على الدرب ونحاول ان نكون أكثر حبا وولاء لفن وثقافة مصر· وقال محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة ان احتفال مصر بمئة عام على إنشاء كلية الفنون الجميلة يؤكد اننا نطلق نوبة صحيان للعالم بأننا لم نغب عن شعار التنوير الذي ترفعه الشعوب بل اننا من رواد هذا التنوير ومؤسسيه حين أقمنا هذا الصرح الحضاري الذي أهدى الينا محمود مختار وراغب عياد ويوسف كامل واحمد صبري وباكورة رواد الفن المصري· وقال د·محمد المكاوي عميد كلية الفنون الجميلة إن مدرسة الفنون الجميلة التي أسسها الامير يوسف كمال أحد ابناء العائلة المالكة عام 1908 كانت تهدف الى ان تكون منارة ولبنة للإبداع من خلال الفنون التشكيلية المختلفة، وقد أسهمت الكلية في تعميق القيم الجمالية وتنمية الذوق والحس الفني التشكيلي في وجدان الشعب العربي حيث قاد رواد المبدعين من أبناء الكلية الحركة الفنية التشكيلية وظهرت لمساتهم في مجالات إبداعية عديدة في كل المنطقة العربية واسهمت الفنون الجميلة في ضرب المثل الرائع للعمل الجماعي الذي أظهر تفردا في الانتماء والحب وروح الفريق· وقال الفنان التشكيلي صبري منصور قومسيير المعرض ان الفنون الجميلة احتلت ركنا اساسيا في حضارة المصريين القدماء فمن خلالها عبروا عن طقوسهم في الحياة أو الموت ولم يبق من آثار تلك الحضارة غير هذه الفنون لتكون خير شاهد على ايمان المصريين بالفنون الجميلة ولكن بفعل الغزو الاجنبي من كل الاتجاهات طمست هوية هذا المجتمع وقضى على قدراته الابداعية وانصرف المصريون الى ممارسة الحرف البسيطة ليشبعوا ما بقي لديهم من حب ورغبة في الابداع الفني· وأضاف انه مع مطلع القرن العشرين بدأت النخبة المثقفة تتولى الدعوة لنهضة حديثة وظهرت إشارات لافتة لأهمية الفنون الجميلة في شكلها الحديث وجدواها في رقي الفرد والامة باعتبارها ارقى من لغة التخاطب ووسيلة للتواصل اسمى وأرفع منزلة وهكذا أنشئت مدرسة الفنون الجميلة عام 1908 لتواكب الدعوة الى انتقال المصريين الى مجتمع عصري· وفي رصده لمسيرة الفنون الجميلة في مصر قال الناقد الفني صبحي الشاروني انه عند افتتاح مدرسة الفنون الجميلة منذ مئة عام كان هدف أمراء الاسرة الملكية والاغنياء الذين أسسوا المدرسة خلق جيل من الفنانين المصريين يحل محل الاجانب في تزيين قصورهم بالاسلوب الكلاسيكي الغربي ولكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح بسبب قيام ثورة 1919 التي رفعت شعار الاحياء وعودة الروح للمجد الفرعوني القديم وكان هذا أول اتجاه الى الاصالة في الفن المصري وظهر ذلك جليا في أعمال الفنانين الرواد امثال محمود مختار ومحمود سعيد ومحمد ناجي· وأضاف ان الجيل الثاني من الفنانين سار على نفس الدرب حتى بدأ التمرد على الفن الاكاديمي من منتصف الثلاثينات من القرن الماضي وتغير وجه القضية الفنية المطروحة من الفرعونية أو الاكاديمية الى صراع بين الاتجاهات الغربية الحديثة في الفن وتبنى هذه القضية فنانو الجيل الثالث الى ان برزت في نهاية الاربعينيات قضية جديدة قسمت المثقفين الى نصفين احدهما يناصر الفن للفن والاخر ينادي بضرورة التعبير عن قضايا الشعب والوقوف الى جانب الجماهير ومشاكلها وهو ما ظهر في الخمسينيات وبالذات أيام العدوان الثلاثي على مصر واستمرت نفس القضية حتى نهاية السبعينيات· وأوضح الشاروني انه بقدوم السبعينيات ظهرت قضية الالتفات الى التراث وبرزت فكرة الاصالة والمعاصرة بمعنى التعرف على حدود استلهامنا من التراث لنثبت أصالتنا وحدود استفادتنا من خبرات الفن الاوروبي لنعايش عصرنا وفي الثمانينيات ظهرت قضية المصرية والفن في مواجهة الاغتراب وإبراز الفن لقوميتنا وقضايانا وفي أواخر الثمانينيات هجر شباب الفنانين الرسم والنحت واتجهوا الى ميادين اخرى وسادت الاتجاهات الحديثة مثل العمل الفني المركب وفن الحداثة والاعمال التجريدية وهو ما زاد الفجوة بين الفن التشكيلي وجمهوره وعمق الهوة بين الفنانين والحياة العامة ولكن الامر الذي غاب عن ممارسي الفنون الجميلة تماما هو الاهتمام بالدور الاجتماعي والسياسي للفنون برغم انه كان دورا ملازما لها طوال تاريخها وأدى غياب هذا الدور الى تحول أعمال الرسامين والنحاتين الى تصميمات فى خدمة الفن التطبيقي الذي يتركز مضمونه على المنفعة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©