الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحولات العربية وسر التغيير

9 يوليو 2011 22:05
أحمد ناصر الفيلي كاتب عراقي بعد انحباس الزمن والاستعصاء التاريخي لحركة التغيير، بفعل عوامل عديدة، هبت رياح الربيع العربي، لتقلب الحسابات والتوقعات، مشيرة إلى بوادر تغير عميق الغور، تنشده المنطقة، كي تدخل طريقاً جديداً تجاه نهضتها المجتمعية. فقد سعى بعض شعوب المنطقة، عبر مسيرة تاريخية وطنية حافلة، إلى إجراء إصلاحات وتغييرات، ولكن الظروف الموضوعية الداخلية، والمناخ الدولي المهيمن آنذاك، أخرا تلك المساعي وأجبراها على التقهقر. وكان أن خسرت المنطقة بعض جهودها المجتمعية الجمة في المشاركة من أجل صناعة المستقبل، لتضيف إلى ماضيها المفوت قصة فرص تاريخية ضائعة أخرى. وفي أولى المحاولات، سعت الجماهير عبر مختلف قواها الوطنية، لفهم جذور التخلف وبلورة سيرورة تاريخية، من أجل بناء نهضة مدنية، تقود إلى بناء دول عصرية قائمة على مقومات أساسية، تتجاوز أجواء الماضي بكل مفاهيمها ومرتكزاتها الفكرية والاجتماعية والثقافية. وضمن معادلة الشد والجذب تحولت من جهة السلطة في بلدان الربيع العربي إلى مواجهة سلبية، فبدلا من أن تتجاوب النخب مع المطالب الجماهيرية، راحت تمارس القمع بحق شعوبها، وقادتها راديكاليتها العنفية المتشددة إلى استحضار كل المخزون التاريخي القمعي إلى الميدان، وكأنها تحارب عدواً خارجيّاً، فيما راحت ماكينتها الإعلامية تجيد حبك الأكاذيب، وتشويه الصور، بغية تزوير الواقع والوقائع، ومحاولة تزييف الوعي، فضلاً عن إشاعة ثقافة وفكرة المؤامرة ومخططاتها، لتوصم من خلال ذلك كل محاولة وطنية وجماهيرية مطالبة بتحسين الأوضاع، واصفة إياها بالعمالة للأجنبي والتمرد والعصيان. وقد حاولت بعض نظم بلدان الربيع العربي الفتك بشعوبها، ومحاولات تكييفها وفق قوالب السلطة، التي اعتمدت سياسات التعمية المدروسة لجعل الإنسان أسير دائرة ضيقة في فسحة حياة أضيق، وانعطفت الأمور باتجاهات خطيرة، عندما استخدمت السلطات سياسة تجويع الشعب، كما أشيع في العراق إبان عهده البائد، فضلاً عن خلق أزمات مفتعلة دراماتيكية تعمل كملهاة للشعب، وخاصة عند الأزمات أو الإقبال على أمر قد يثير حفيظة الشعب، من أجل مصادرة الإرادة الحرة، وبلورة اتجاهات الخنوع ضمن المشروع الاستبدادي المهيمن، وتجاوزت بعض تلك الأنظمة كثيراً، وتمادت في الضغط على شعوبها المقهورة، بشتى أنواع الحيل السياسية المكشوفة والمبطنة. والحقيقة أن تلك الأنظمة، حاولت إضافة مسحة عصرية تحديثية مزيفة لها من خلال دساتير استبداد مؤقتة شرعتها بعيدة عن مشاركة الشعب، وهي القاصرة عن استيعاب الحداثة ومفاهيمها. وهذه النظرة في العلاقة بين الدولة والمواطن ما دامت من ثوابت تلك الأنظمة تبقي الشعب دون تاريخ سياسي. وبالنتيجة أن تراكمات عقود عديدة، وتراجعات على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قد خلقت ترسبات نفسية وفكرية، وجروحاً وشروخاً عميقة في آدمية الإنسان في هذه المنطقة من العالم. إنه تكريس للتخلف، وبعث لما يمدهما من الرواسب التاريخية كأيديولوجيا يتيمة، بغية تجديد الدورة التاريخية للسبات المزمن. إن بعض الأنظمة في جمهوريات الربيع العربي، تواجه الآن زلازل الاحتجاجات السياسية التي صنعتها بأياديها، ولا تملك إزاءه أي مقاومة للصمود، حيث ولى عهد المعالجة بوسائلها المعروفة أو بالتغطية الخارجية، التي أضحت هي أيضاً نكتة ساخرة لن يسمح العالم بتكرارها كالماضي. إن تلك النخب الحاكمة، وسلطاتها الديكتاتورية، يغيب عن وعيها، أن بذور التحول كامنة في الأعماق، وقد وصلت ذروة نضجها، وهي كحتمية تاريخية، لابد لها من أن تحقق أهداف التغيير. ينشر بترتيب مع خدمة «مشروع منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©