الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

لا يجوز نزع الشرعية عن الدول الوطنية لأنـــــها توافق مقاصد الشريعة

لا يجوز نزع الشرعية عن الدول الوطنية لأنـــــها توافق مقاصد الشريعة
19 ديسمبر 2016 13:10
إبراهيم سليم، عمر الأحمد (أبوظبي) أكد المشاركون في أعمال منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي يناقش الدولة الوطنية في الإسلام، أن راية الخلافة التي يحملها المتطرفون وهمية، ولا تقوم على أسس شرعية، وأبرز المشاركون مواطِن الجهل التي يستند إليها الغلاة، وعدم فهم النصوص بما أضر بالعالم الإسلامي، وأشاد المشاركون بالدور الكبير الذي تلعبه الإمارات في تصحيح المفاهيم والسعي لإقرار الأمن والسلام في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وآن الإسلام يقود أكبر حرب في تاريخه ضد فكر التشدد والغلو، موضحين أن الإسلام ودعوته منذ البداية خاض حروباً ضروساً اختلفت مسمياتها وأشكالها، إلا أن التطرف والغلو في الفكر كان أشدها، كما أن الخلافة صيغة حكم غير ملزمة للمسلمين. وناقش المنتدى محاور عدة، مؤكداً ضرورة وقوف علماء الأمة وقفة قوية لمواجهة هذه التيارات؛ لأنهم يحملون على عواتقهم مسؤولية كبيرة تجاه التصدي للغلو والتطرف، من منطلق الأمانة التي يحملونها، وضرورة الالتزام علماء الأمة ودعاتها بالمنهج الوسطي في شؤون حياتهم كلها، فلا إفراط ولا تفريط، وعليهم إبراز مبادئ الإسلام وخصائصه وسماته؛ لأن غياب الوسطية والصبر والحلم في الدعوة إلى الله، واستخدام الأساليب الحكيمة فيها من أهم أسباب انتشار الغلو والتطرف في المجتمعات. وشهد المنتدى، الذي يعقد على مدار يومين برعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، حضوراً كثيفاً من الفقهاء والعلماء. وافتتح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة، فعاليات الملتقى الثالث لمنتدى تعزيز السلم، صباح أمس، بفندق «جميرا أبراج الاتحاد» في أبوظبي، مؤكداً أن أفكار منتدى تعزيز السلم هي في صميم نهج دولة الإمارات منذ تأسيسها. وقال معاليه: من حسن الطالع «أنكم اتخذتم، شعاراً طيباً، لهذا الملتقى، هو (دروب السلام، من أبوظبي تبدأ)». وقال: «إن الإمارات، ذات المكانة المرموقة في مسيرة الأمة والعالم، حريصة، على دعم قدرات المجتمعات المسلمة؛ لمواجهة كل التحديات. إننا ولله الحمد، في الإمارات، إنما نمثل، دولة وطنية ناجحة، بكل المقاييس، هي الآن، في نظر الجميع، النموذج العالمي المرموق، لا نقول فقط، في البناء والاستقرار، بل وأيضاً، في الازدهار والرخاء». وقال معاليه: «نحن بحمد الله، دولة وطنية موحدة: قوية بمؤسساتها، وتشريعاتها، تعتز وتفخر، بنظامها، وقادتها، تهتم كثيراً، بأبنائها وبناتها. إنها الدولة، التي تتسم وبحق، بالتلاحم القوي، بين الشعب والقيادة، بل والحرص الجماعي.. المتماسك والمتين، على أن نكون معاً ودائماً، وطنا للحكمة والسلام. وطناً، يدعم الأشقاء، ويسعى دائماً، إلى استمرارية تقدم وتطور الأمة، في المجالات كافة». قادة يتسمون بالحكمة وأضاف معالي الشيخ نهيان بن مبارك: «من نعم الله على هذه الدولة الوطنية الرائدة، أن قيض لها قادة أكفاء، يتسمون بالحكمة، وبعد النظر، بدءاً، من مؤسس الدولة، المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - عليه رحمة الله ورضوانه، وامتداداً، إلى خير خلف لخير سلف، صاحب السمو الوالد، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، واستمراراً، بإخوانه الكرام، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات». وقال معاليه: «إننا في الإمارات، نعرف طريقنا بوضوح، في أن القيادة الناجحة، هي أهم المتطلبات، لبناء الدولة الوطنية، على أسس ثابتة ومتينة. القيادة الناجحة، متطلب ضروري، لتحقيق مشروعية الدولة الوطنية، وتمكينها في الوقت نفسه، من العمل المثمر والنافع، في سبيل تحقيق النجاح والتقدم، والقدرة على التنافس الناجح، في المضمار العالمي، للأمة كلها». وختم معالي الشيخ نهيان كلمته بالقول: «إن وجودكم معنا في مجتمع الإمارات، هذا المجتمع، الذي يقوم على التسامح والتعايش بين الجميع، إنما هو أيضاً، تذكرة بأن الدولة الوطنية القوية، في المجتمع الإسلامي، هي تلك الدولة القادرة على التعامل الناجح مع التعدد والتنوع في الثقافات والحضارات». وأضاف: «إننا نعتز غاية الاعتزاز، بأن المجتمعات الإسلامية، على مر العصور، كانت مجتمعات متنوعة، في الأجناس والأعراق، وأن عبقرية الدين الحنيف، قد جعلت من هذا التنوع، مصدر قوة خلاقة وإيجابية، بل وكذلك، جعلت منها أيضاً نبع حضارة خالدة ومتجددة، قادرة تماماً على الإسهام الفاعل في مسيرة البشرية، دون تشدد أو تعصب، ودون تحيز أو إسراف». مفهوم الخلافة من جهته، أكد معالي الشيخ عبدالله بن بيه أن دولة الخلافة صيغة حكم غير ملزمة، موضحاً بالتأصيل العلمي أن بعض المفاهيم ولدت في القرن الماضي بغير ضبط علمي، فالمفهوم تارة يؤصله العلماء ويضعونه كمفهوم، لكنه أحياناً يُلقى بالساحة من خلال أناس، ليست لديهم خلفيات علمية منضبطة. وأضاف: نحن نعالج اليوم موضوعاً مهماً متفجراً، وهو موضوع الدولة الوطنية، وأن بعض المفاهيم ولدت بالقرن الماضي، لكن هذه المفاهيم نشأت بغير ضبط علمي، فالمفهوم يؤصله العلماء أو الفلسفة، ويضعونه كمفهوم، ولكنه يُلقى أحياناً بالساحة من طرف أناس خلفياتهم العلمية ليست منضبطة. كلام حق أريد به باطل وقال ابن بيه في القرن الماضي «الرابع عشر الهجري والقرن العشرين الميلادي»، ألقيت بالساحة مفاهيم شتى، منها مفهوم «الدولة الإسلامية»، ومفهوم «الخلافة»، ضمن حمولة خاصة، ومنها مفهوم «الحاكمية» و«سيادة الشرع». إنه كلام جميل، لكنه كلام حق أريد به باطل، كما قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه. لكن ما هي المضامين الصحيحة لهذه المفاهيم، هل أن كل الدول الإسلامية هي خارج الشرعية والمشروعية؛ لأنها لم تنضم إلى كيان واحد نسميه الخلافة أو الإمامة، أو الإمارة أو سمها ما شئت! أو أنها لا تتفق مع رأي بعض الناس في تطبيق بعض الأحكام؟ أو لأنها مقصرة؟ أو لأسباب كثيرة أخرى. وأكد أنه لا يجوز نزع الشرعية عن الدول الوطنية، التي نشأت في هذا القرن، فهي موافقة لمقاصد الشريعة في النظام والانتظام وفي العمران البشري وفي المحافظة على الأمن والسلام والشعائر، لافتاً إلى أن مقاصد الشريعة كما نفهمها لا تهتم بالشكليات، إنما بالمضامين والمصالح البشرية. فالدين الإسلامي يحيل إلى مصالح العباد، فهذه الإحالة بين الديني والدنيوي جعلت أكثر الناس يخطئون، مشيراً إلى أن بعضهم يأخذ بظواهر النصوص وبعضهم الآخر يقول يجب ألا نغادر دار الدين لندخل في مجال آخر. دول أخرى في عهد الرسول نريد أن نصل بين الأطراف جميعاً وألا نيأس، وأن نقول لأولئك الذين يقتلون أنفسهم من أجل خلافة أو تصور أو تخيل.. لا وجود له أصلاً بالتاريخ، إنه في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، كانت توجد دولة أخرى على رأسها ملك مسلم، سماه رسول الله، صلى الله عليه وسلم. لم يأمره بالهجرة والمجيء إليه، فالنجاشي أصحمة، أسلم وأرسل بيعته للنبي، صلى الله عليه وسلم، لكن النبي، صلى الله عليه وسلم، تركه في ملكه هناك، في الحبشة. علماؤنا تجاوزوا هذا، ويذكرونه في باب الجنائز. إن الله تعالى أطلع نبيه غيباً على أن النجاشي مات، فقام وكبر أربع تكبيرات عليه، النجاشي هذا يحكم دولة غير مسلمة، وهو مطيع للنبي، صلى الله عليه وسلم، الذي زكاه ولم يأمره بالهجرة. وقال: إذا كانت هناك دولة أخرى يحكمها ملك مسلم في ذلك الوقت... هذا أمر عجيب!. ومثبت في الكتب الصحيحة. وبعد ذلك، في الممارسات التاريخية بعد القرن الأول، لم يجتمع المسلمون في دولة واحدة. وما عاب أحد ذلك. وأكد أن العلماء أبقوا على شرط أن يجتمع المسلمون، لكنهم محّصوه حتى أصبح من الشروط الكمالية أو ما سماه إمام الحرمين «الغاية القصوى المثالية»، وهي أن يجتمع الناس على متبوع واحد، لكن إذا تعذر ذلك اتبع كل قطر متبوعه. هناك أناس يقتلون أنفسهم وغيرهم اليوم، ويتجاوزون كل حدود الدين (النفس، العرض، الدين، المال، العقل)، كل ذلك يتجاوزونه من أجل ذلك الوهم، نريد أن نبين ذلك باجتماعنا هذا في هذا الفضاء المبارك فضاء التسامح والسلام فضاء المحبة والوئام. وأرجو أن نوفق ونصل إلى نتائج إيجابية من منطلقات النقل والعقل والنصوص والمقاصد، والتنزيلات فيما نسميه بتحقيق المناط. نموذج الإمارات وأشار إلى أنه لم يستثنِ أحداً من الدعوة لهذا المؤتمر، وزراء، مفكرون، علماء، فقهاء، فلاسفة، ليقولوا كلمتهم لمعالجة هذه الأمة، ولنطلعهم كذلك على النموذج الإماراتي، نموذج الوحدة الاختياري غير القسري، الذي نرجو أن يروج في هذا الزمان كنموذج، وغيره من النماذج التي يجب أن نحتفي بها، لا مجاملة ولكن إظهاراً للخير، كما نرجو استمرار تجربة دول الخليج؛ لأن هذا يحقق مقاصد الشريعة، الشريعة تحب الوحدة، وقد أظهرت التجارب أن الوحدة القسرية التي جاءت نتيجة الحروب في العالم الإسلامي أنها لن تكون ناجحة. وأشار معالي الشيخ ابن بيه إلى خطورة اعتبار جميع المسلمين إرهابيين؛ نظراً لأن أغلبهم هم ضحايا للإرهاب، وهم في الوقت عينه يحاربون الإرهابيين. وكذلك لأن هذه التهمة تضعف الجهود المبذولة لمحارب الإرهاب، موضحاً أن الأهداف أو المبررات التي تدفع بعض الأفراد إلى قتل أنفسهم، ليست لها أسس تاريخية أو مبررات شرعية، معتبراً أن مقاصد الشريعة لا تهتم بالشكليات، بل بالمضامين والمقاصد. إلى ذلك، رفع معالي الدكتور محمد مطر الكعبي، أسمى آيات الشكر والامتنان إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات، وإلى سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، راعي المنتدى على الرعاية الكريمة، والدعم الكبير للمنتدى وإنجاح مبادراته الدولية. وقال معالي الدكتور محمد مطر الكعبي: إن موضوع الدولة الوطنية ضمن مجموعة من محاور المهمة للمنتدى، تتنوع بين ما يتحدث عن تجربة الدولة في التاريخ الإسلامي، وعن موقع الدولة في نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وفي اجتهادات علماء المسلمين الذين تحدثوا عن مفهوم إسلامية الدولة، ومفهوم الدولة الوطنية في السياق المعاصر، وسيادة الدولة في سياق العولمة، وأهمية ضبط هذا المفهوم في تعزيز السلم بالمجتمعات المسلمة، وكذلك الحديث عن تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز السلم، ونشر ثقافة التسامح، وتقديم صورة مثلى للمجتمع المتعدد في مكوناته الدينية والعرقية والثقافية والتي تعيش في وئام وسلام». إعادة قراءة لتراثنا الفكري أشاد معالي الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري، بالدور الحيوي الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة لخدمة الدين الإسلامي والإنسانية، مشيراً إلى الجهود المباركة التي يقوم بها منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، مؤهلة للانطلاق بشكل أوسع لتعزيز السلم على مستوى العالم. وقال: «نحن بحاجة إلى إعادة قراءة لتراثنا الفكري قراءة واعية، يقوم بها أهل العلم والاختصاص لحل إشكاليات الحاضر، خاصة معضلات المواطنة، وتأصيل فقه العيش الإنساني المشترك، بما يتطلبه من تمكين غير المسلمين من أداء عباداتهم وحماية ممتلكاتهم، فأمن المواطنين لا يحتمل التقسيم أو المماطلة». من ناحيته، طالب معالي عمار ميرغني حسين، بضرورة إظهار الصورة الحقيقية للإسلام، باعتباره دين السلم والسلام، والأمن والأمان، والمحبة والإخاء، مضيفاً أن المواطنة والإنسانية هما القاسمان اللذان يجمعان البشر على اختلاف مشاربهم وأديانهم. عقد المواطنة وأكد معالي أحمد ولد أهل داود أن الدولة الحديثة تقوم على عقد المواطنة، وأن النظر دائماً يكون إلى المقاصد والمسميات، فما يتم تقييمه هو ما تحققه الدولة من إنجازات يطمح إليها المواطنون. أما الدكتور عبداللطيف هميم، فقال إن الخلافة ليست قضية مقدسة، وإنما هي شكل من أشكال الإدارة المنبثق من العقد الاجتماعي قبل ظهور نظرية روسو. المحاور الرئيسة وفي مستهل الجلسة الأولى، التي تلت الافتتاح عرض معالي الشيخ عبدالله بن بيه ورقة تأطيرية تضمنت المحاور الرئيسة في بحث، موضوع «الدولة الوطنية في المجتمعات المسلمة»، متناولاً علاقة الدولة بالدين، والرؤية الغربية لهذه العلاقة، ومن ثم مناقشة إسلامية الدولة من خلال ثلاث قضايا، تعلقت الأولى بالإحالة المتبادلة بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وتعلقت الثانية بسؤال هل الخلافة تعبدية أم مصلحية؟، والثالثة في إطار شرعي للقضيتين الأوليين، ولزاوية النظر إلى قضية الدولة الوطنية، وهو ما يتحقق بمركزية المصلحة في تدبير الشأن العام. وقال معاليه: «نجتمع لنؤكد أهمية السلم في هذه الحقبة، التي تتميز بوضع عالمي غير مسبوق يشهده العالم عموماً، والعالم الإسلامي خصوصاً، والعربي بشكل أخص، فالوضع الذي كان قائماً في الملتقى الأول والثاني، لا ينفك يتفاقم، بل اشتد أوار النزاعات، واستفحلت الخصومات، وصار القتل والقتال عملة وسلعة رائجة، فلا تسمع إلا مذبحة هنا، ومجزرة هناك، وانفجاراً في المشرق وآخر في الغرب، تذهب ضحيته الأرواح البريئة التي لم تجن جناية، ولم ترتكب جرماً. وتحقق معنى النبوءة: «لا يدري القاتل فيم قَتَلْ، ولا المقتول فيم قُتِلْ». وأضاف: «إن الواقع الذي نتعامل معه اليوم في العالم الإسلامي واقع مضطرب ومتجاذب بين ماضٍ في المجد والضد، وحاضر فيه الطموح والقلق، ومستقبل يلفّه الغموض والتوجس، ولا يلوح في أفقه رجاء ولا أمل. إلا أنه (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)». وقال: رأى مجلس الأمناء بسبب الأوضاع التي شهدتها المنطقة أن يكون مؤتمر المنتدى الثالث في مواجهة مفهوم لا يقل خطورة عن سابقيه من المفاهيم التي تعاملنا معها في ملتقياتنا السابقة، التي احتجنا في ما سبق إلى مراجعتها وضبطها على ضوء المتغيرات الواقعة في الزمان والمكان والإنسان، هذا المفهوم هو مفهوم الدولة والدولة الوطنية الذي نعتبره من المفاهيم المفجرة التي يجب تفكيكها وإعادة تركيبها؛ لأن البعض يتذرع به لتحقيق غايات يضفي عليها الشرعية من خلال نصوص مجتزأة من سياقاتها، ومن خلال إهمال فج لأدنى قواعد منهج الأحكام والمفاهيم التي أصل لها علماء المسلمين عبر الأزمنة المتوالية. بؤرة التجديد وأردف معاليه: «نحتاج اليوم إلى نظر كلي يلاحظ الواقع المستجد لتركيب الدليل مع تفاصيله وترتيب الأحكام على مقتضياتها، إن صنع الأداة التي هي هنا القاعدة أو المفهوم الكلي، هو أهم وسيلة لإنتاج فكر أو حكم في قضايا الواقع وفروع الشرع والقانون وتفاريع الحياة وشعابها؛ ولهذا فإن بؤرة التجديد ومنبت أرومته إنما تكون في صنع هذه المفاهيم صياغة مستقلة مبتكرة، أو مراجعة المفاهيم المعتمدة في المجالات المستهدفة وما يتولد عنه من الأحكام لتهذيبها وتشذيبها وعرضها من جديد على أصولها من جهة وعلى النتائج من جهة أخرى، مما قد يؤدي إلى تحويرها أو تغييرها أو تطويرها أو تعديلها وتبديلها، إن جل القضايا التي يتعامل معها الفقيه هي نوع من المجملات». التصدي للغلو والتطرف أكد فضيلة الأستاذ الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، أن الإسلام هو دين الله القويم، وصراطه المستقيم، واجهه الطغاة والظالمون بحرب ضروس، تعددت أشكالها، واختلفت أزمانها، غير أن هدفها واحد، يتمثل في محاولة إطفاء نوره، وعرقلة مسيره، موضحاً أن الإسلام ودعوته منذ البداية خاض حروباً ضروساً اختلفت مسمياتها وأشكالها، إلا أن التطرف والغلو في الفكر كان أشدها، واتخذ الغلاة والمتطرفين في ذلك طريقين متناقضين، أحدهما يقف في صف العداء المعلن للإسلام والتعصب ضده، والثاني يمثله بعض المسلمين الذين يقودهم الحرص المفرط، والتعصب الأعمى إلى حمل أفكار تضر الإسلام أكثر مما تنفعه، وتجر عليه الويلات الجسام، جراء الانغلاق، وقصر النظر، وضيق الأفق. وطالب، خلال كلمته في افتتاح الملتقي الثالث لمنتدي تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، أن يقف علماء الأمة وقفة قوية لمواجهة هذه التيارات؛ لأنهم يحملون على عواتقهم مسؤولية كبيرة تجاه التصدي للغلو والتطرف، وذلك من منطلق الأمانة التي يحملونها، فالذين يعملون لا يستوون مع غيرهم، والطامة الكبرى تقع إذا انخرط بعض العلماء في بوتقة المغالين والمتطرفين، سواء في الدعوة وأساليبها أم في الفتوى وتداعياتها، مشدداً على ضرورة الالتزام علماء الأمة ودعاتها بالمنهج الوسطي في شؤون حياتهم كلها، فلا إفراط ولا تفريط، فيجب عليهم أن يبرزوا مبادئ الإسلام وخصائصه وسماته. وقال إن غياب الوسطية والصبر والحلم في الدعوة إلى الله، واستخدام الأساليب الحكيمة فيها من أهم أسباب انتشار الغلو والتطرف في المجتمعات. وبيان مبدأ اليسر والسماحة في الإسلام من أهم الأمور التي تعالج ظاهرة الغلو والتطرف، ولا بد من تضافر جهود المسلمين جميعاً على مختلف مراكزهم ومسؤولياتهم، خاصة العلماء منهم على محاربة الغلو والتطرف بالتحذير الدائم منه، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يحملها المتطرفون، ويظنون أنهم يحسنون صنعاً بالعمل وفقها، ولا بد من إعلان المواقف الواضحة ضد التطرف والغلو، إلى جانب المطالبة برفع الظلم والقهر عن الناس؛ لأنهما من أبرز مسببات تلويث البيئة بالغلو والتطرف. أبرز المشاركين حضر المؤتمر حشد من المسؤولين محليين ودوليين، منهم أصحاب المعالي، الوزراء، الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي وزيرة الدولة للتسامح، ومحمد عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي، والدكتور محمد مطر الكعبي أمين عام منتدى تعزيز السلم، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري، وعمار ميرغني حسين وزير الأوقاف السوداني، وأحمد ولد أهل داود وزير الشؤون الإسلامية الموريتاني، والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، والدكتور عبد اللطيف هميم رئيس ديوان الوقف السني في العراق، والدكتور أحمد عبد العزيز الحداد كبير مفتي أوقاف دبي، وجمهرة كبيرة من العلماء والمفكرين والباحثين والإعلامين والمهتمين بتجديد الخطاب الإسلامي على مستوى العالم. وزير الأوقاف المصري: أسس المواطنة المتكافئة مكفولة لجميع المواطنين في الدولة الوطنية أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، في كلمته بالجلسة الافتتاحية بمنتدى تعزيز السلم بدولة الإمارات العربية المتحدة أن بيان مشروعية الدولة الوطنية بات أمرًا في غاية الأهمية في واقعنا المعاصر لسد جميع أبواب الشبهات في ذلك على المتطرفين، وأن أسس المواطنة المتكافئة مكفولة لجميع المواطنين على حد سواء في الدولة الوطنية. وأشار وزير الأوقاف المصري إلى أن أكثر التنظيمات والجماعات الدينية والأيدلوجية المتطرفة إما أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية أصلاً، أو أن ولاءها التنظيمي مقدم مرات ومرات على ولائها الوطني، فالفضاء التنظيمي لدى هذه الجماعات المتطرفة أرحب وأوسع وأهم مائة مرة ومرة من الدولة الوطنية لديهم. وشدد على أمرين مهمين:الأول: أن الإسلام لم يضع قالبا جامدا لنظام الحكم لا يمكن الخروج عنه، إنما وضع أسسا ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيدًا يقره الإسلام، وفي مقدمتها مدى تحقيق الحكم للعدل والمساواة وسعيه لتحقيق مصالح البلاد والعباد، ولا إشكال بعد ذلك في الأسماء أو المسميات، لأن العبرة بالمعاني والمضامين لا بالأسماء ولا بالمسميات، وإلا فإننا لطالما طالنا في بطون كتب التاريخ أن الخليفة العباسي الأول لقب بأبي عبد الله السفاح لكثرة ما سفك من الدماء، وكان يقتل على الهوية القبلية، وعندما أراد أن يعفو عن بعض بني أمية أنشده سديف بن ميمون: لا يغرنك ما ترى من خضوع...إن تحت الضلوع داء دويا فضع السيف وارفع السوط ...حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا وأضاف: الأمر الآخر: أننا في حاجة ملحة إلى إعادة قراءة تراثنا الفكري قراءة دقيقة واعية تفرق بين الثابت والمتغير، بين ما ناسب عصره وزمانه ومكانه من اجتهادات الفقهاء وما يتطلبه عصرنا ومستجداته من قراءة جديدة للنصوص يقوم بها أهل العلم والاختصاص بحل إشكاليات الحاضر، وبخاصة فيما يتصل بأحكام المواطنة، إلى جانب تأصيل فقه العيش الإنساني المشترك بما يتطلبه من تمكين غير المسلمين من أداء شعائرهم وحماية دور عبادتهم، وبيان أن أمن الأوطان والمواطنين لا يتجزأ بل إنه لا يتحمل التجزئة أو التصنيف، وقد ذكر الإمام ابن حزم (رحمه الله) أن من كان بيننا من غير المسلمين وجاء من يقصدونهم بسوء وجب علينا أن نخرج لحمايتهم بالسلاح وأن نموت دون ذلك، لا أن نستحل دماءهم أو أموالهم أو أعراضهم. وأرى أن لمن يعيشون مع المسلمين من غير المسلمين أن يبنوا بموافقة ولي الأمر ما تدعو إليه الحاجة من دور عبادتهم فإن عجزوا عن ذلك لضيق ذات اليد فلولي الأمر أن يبني لهم منها ما تقتضيه الحاجة وتقوم به، وما ذاك إلا لعظمة شريعتنا وسماحتها التي جاءت رحمة للعالمين، ونحن قادرون معًا على أن نصنع ونحقق شيئا هاما فهلُمّ نعمل معا لصالح ديننا وأمننا وحياتنا وصالح الإنسانية.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©