الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شفرة دافنشي بين طه حسين ودان براون

شفرة دافنشي بين طه حسين ودان براون
9 يوليو 2006 01:36
عادل علي: مثل العاصفة التي هبت في وجه طه حسين عند صدور كتابه ''في الأدب الجاهلي'' في ثلاثينيات القرن الماضي، أثار كتاب دان براون ''شفرة دافنشي'' وبعده الفيلم المأخوذ عن الرواية، عاصفة لما تهدأ بعد في العديد من دول العالم· إلى هنا تنتهي أوجه الشبه بين الكاتب العربي والمؤلف الأميركي· لكن لماذا وضع طه حسين ودان براون في سياق واحد، حتى ولو كان قليل الاتساق؟ لأن الاثنين قاربا القارّ من التاريخ الديني، وصولا إلى المعتقدي، وإن اختلفت أدواتهما وتباينت منطلقاتهما وغاياتهما· شكك طه حسين بمصادر الأدب الجاهلي، مستعيراً من الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت منهجه الفكري، مدغماً مشروعه حمولة تشي بمقاربة النص الديني بنفس الطريقة· واذا كان منهج الشك، الديكارتي أو غيره هو منهج علمي، فإن علميته أضيق من أن تتسع لهالة الدين ومسلماته ونصوصه، ومن هنا نال طه حسين ما ناله من نقد بلغ حد الإدانة· دان براون كفى نفسه عناء اللجوء الى المناهج العلمية التشكيكية، لأنه في الأصل لم يشكك برواية دينية بعينها· هو ''خلق'' رواية موازية للرواية التاريخية الرسمية، متهماً أصحاب الرواية الرسمية ومؤسساتها بطمس الرواية ''الحقيقية'' كما حكاها· والواضح أن مشروع المؤلف المسيحي كان أسهل من مشروع الكاتب المسلم، لسبب بسيط هو أن طه حسين لم يكن أمامه غير الأدب متكأً يبني عليه مقارباته· أما دان براون فإنه اتكأ على خلطة عجيبة من أدوات النقد التشكيلي وعلوم الطبيعة والسير الذاتية لفنانين ورجالات عاشوا بعد السيد المسيح بقرون، إضافة الى حبكة بوليسية منحت عمله الكتابي و (المرئي) بعداً لاهثاً· خلفية لاهوتية استفاد مؤلف ''شفرة دافنشي'' من سجال لاهوتي مسيحي عمره من عمر نشوء المؤسسة الكنيسية· فقد انقسمت الكنيسة المسيحية أيديولوجياً الى كنيستين: غربية وشرقية، منذ انعقاد مجمع خلقيدونية (رابع المجامع المسكونية، عُقِد عام 451 م بدعوة من امبراطور الشرق مارقيانوس بطلبٍ من البابا لاون الأول، وذلك لإصلاح ما ورد في مجمع أفسس المنعقد عام 449 م)، حيث بحث طبيعة السيد المسيح هل هي لاهوتية كاملة أم لاهوتية وناسوتية· اعتمدت الكنيسة الكاثوليكية الغربية مفهوم الطبيعة اللاهوتية الواحدة للسيد المسيح، وقالت الكنائس الشرقية بالطبيعتين معاً· هذا الخلاف الأيديولوجي، وما رافقه من انقسامات وصراعات دموية أحياناً، يشكل خلفية العمل الروائي لدان براون· فحبكة الرواية عنده تقوم على أن السيد المسيح (الإنسان) تزوج وأنجب، وآخر نسله فتاة فرنسية تدعى ''صوفي'' خبيرة في فك الشفرة، وتعمل في خدمة الشرطة الفرنسية· والأكثر إثارة من كل ذلك هو الجزم بأن السيد المسيح تزوج من مريم المجدلية الخاطئة بحسب إجماع المسيحيين· الواقعي والخيالي القضية التي جاءت الرواية المكتوبة لتقدم نفسها كوثيقة علمية وتاريخية عليها، تحولت مع العمل السينمائي الذي حمل الاسم نفسه ُّوم لفًّمَكى كُلم الى عمل خيالي بحسب وصف المخرج رون هاوارد، في محاولة تبرير لفيلمه أمام الانتقادات القاسية· لكن هذا المخرج الذي يتقدم مخرجي الصف الأول في السينما الأميركية من خلال فيلميه الذائعين ''العقل الجميل'' و''الرجل السندريلا''، حاول الحفاظ على تفاصيل الرواية الأصلية الواقعة في 500 صفحة، ليقدمها في شريط قارب طوله ساعتين ونصف الساعة، وهو ما أوهنه· فتعدد الشخصيات وتشابك الأحداث، جعل المشاهد الذي لم يقرأ الرواية الأصلية أمام شريط بوليسي فيه الكثير من المطاردات وعمليات القتل والحبكات التآمرية ليتبلغ في السياق وفي الختام رسالة الفيلم / الرواية، التي قدمت نفسها في كثير من الأحيان بصيغة خطابية نافرة، وبحوارات وشروح مستلة من النصوص الدينية· أحداث ورموز تدور حبكة الرواية حول عالم سري يجمع أتباع الكنيسة الكاثوليكية، يقيم جداراً من القداسة حول ما تعتبره واقعة زواج السيد المسيح وإنجابه· ينطلق المشهد الأول من حادثة مقتل جاك سونيير مدير متحف اللوفر· وسرعان ما تظهر شخصية البروفيسور روبرت لانغدون (توم هانكس) المتخصص في تاريخ الأديان وعلم الشفرات الذي تشتبه فيه الشرطة، لأن سونيير كان قد كتب اسمه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة· ثم تستعين الشرطة بـ ''صوفي'' (أودري توتو) خبيرة فك الشفرة، إلا أننا سرعان ما نعرف أن القتيل هو جدها· ثم يتضح أنها فقدت أسرتها في حادث سيارة ونشأت في كنف الجد، لنكتشف لاحقا أنه لم يكن جدها وأنها ليست ''صوفي'' بل فتاة أخرى من نسل السيد المسيح! يهرب لانغدون من اللوفر بمساعدة صوفي بعد أن تحصل على مفتاح لحساب الجد في بنك زيوريخ السويسري، ويستخرجان من ودائع البنك صندوقاً يعتقد أنه يؤدي إلى صندوق يحوي وثائق وأسراراً تاريخية تعود إلى جمعية سيون الدينية، وهي جمعية سرية مسيحية تأسست عام 1099 يرأسها ''سيون''· يهرب لانغدون ـ الذي يجد الأدلة تحيط به ـ إلى صديقه السير ''لاي تيبينغ'' وهو مؤرخ بريطاني يقضي سنوات طويلة في البحث في تاريخ فرسان الهيكل ومحاولة الحصول على وثائقهم وآثارهم· ويتبين في النهاية أن تيبينغ هو المحرك الرئيسي للأحداث التآمرية· وجمعية سيون محور الرواية، هي بحسب ما كشفت مكتبة باريس الوطنية عام 1975 من مخطوطات ووثائق سرية لها، كان من بين أعضائها ليوناردو دافنشي وغيره من الأسماء الشهيرة مثل إسحق نيوتن وفيكتور هوغو· ويعتقد ''السيونيون'' أن المسيحية دخلت منعطفاً تاريخياً عندما تنصر الإمبراطور قسطنطين، وأدخل تعديلات خطيرة على المسيحية، مخالفة لسياقها وانتمائها الأصلي لسلسلة الديانات والرسل من قبيل ألوهية المسيح، وأن المسيحية الحالية هي مسيحية من صنع قسطنطين، وأن المسيحية الحقيقة هي ما يؤمن به هؤلاء ''السيونيون''· والسيونية التي تعرض لها الرواية تبدو مزيجاً من الوثنية والمسيحية· الفن والتاريخ وقد بدأت فكرة رواية ''شفرة دافنشي'' عند قيام دان براون بدراسة الفن في جامعة أشبيلية في أسبانيا حيث تعلم بعض ألغاز لوحات ليوناردو دافنشي··· ومن هنا يمزج في روايته بين تاريخ الفن والأساطير· كما اعتمد في كثير من معلوماته على قسم دراسة اللوحات وإدارة التوثيق بمتحف اللوفر وجمعية لندن للسجلات، ومجموعة الوثائق في دير ويستمينسير، واتحاد العلماء الأميركيين وأيضا كتاب ـ محاط بالشك ـ بعنوان ''دم مقدس··· كأس مقدسة''· ومن الأفكار ذات المنحى الفلسفي، يؤكد المؤلف إهدار الكنيسة لدور المرأة حين حولت العالم من الوثنية المؤنثة إلى المسيحية الذكورية (···) ولتأكيد هذه الفكرة يقدم دان براون قراءة جمالية في لوحة ''الموناليزا'' تعكس بوضوح إيمان ليوناردو دافنشي بالتوازن بين الذكر والأنثى· ومثلها القراءة التي يقدمها للوحة ''العشاء الأخير'' باعتبارها المفتاح ''الكودي'' لأحداث الرواية وإسقاطاتها· جاء العرض الأول للفيلم في افتتاح الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان كان السينمائي، مناسبة لتجديد الهجوم على الرواية التي بيع منها حتى الآن أكثر من 40 مليون نسخة بـ 50 لغة· ويبدو أن النقاد الذين وقفوا من الرواية المكتوبة على الحياد، تخلوا عن هذا الموقف بعدما شاهدوا الفيلم المصاب بالتطويل والترهل والمبالغة الدرامية· وعلى الرغم من أن المخرج أضاف لمحة واقعية إلى الفيلم من خلال التصوير في مواقع حقيقية مثل متحف اللوفر وقصر فيليت وكاتدرائية ويستمنستر، إلا أن واقعية الأماكن لم تمنح حضورها لخيالية الأحداث التاريخية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©