الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة الوعي

عودة الوعي
9 يوليو 2006 01:22
سعاد جواد: suad-jawad@hotmail.com: شاب في الثانية والثلاثين من عمره، مطلق ولديه طفل واحد في حضانة أمه، موظف ثانوي، جميل الشكل، بهي الطلعة، خفيف الدم، يرغب بالزواج من فتاة جميلة مرحة ذات خلق ودين تقدر الحياة الزوجية· أعدت قراءة الورقة عدة مرات، هل نسيت شيئاً؟ هل تحتاج إلى المزيد من الإضافات؟ يبدو أن هذه الكلمات تكفي وتفي بالغرض المطلوب، طويت الصفحة ودسستها في يد الخاطبة مزودة بأرقام هواتفي· ابتسمت المرأة وقالت بثقة: سأزوجك بأسرع مما تتخيل، فطالبات الزواج كثر، وأنت شاب لا يمكن رفضك، سأتصل بك في أقرب وقت لأزودك بمجموعة من العناوين التي ستقودك لمشاهدة واختيار من ترضاها لنفسك، فأنا أشترط المشاهدة المباشرة حتى لا تقع مشاكل· قلت لها: أمر طيب، جزاك الله خيراً، ثم انصرفت· كنت مرتبكاً بعض الشيء، لا أدري لم لجأت إلى الخاطبة؟ ربما لأنني فشلت في زواجي الأول الذي اعتمدت فيه على أهلي في الاختيار، أصبح الأمر كعقدة نفسية، أردت أن أعتمد على نفسي في الاختيار، عندما صعب الأمر علي قررت اللجوء إلى الخاطبة، فماذا يضيرني لو جربت هذه الطريقة التي كانت معتمدة في الماضي؟ لقد نجحت مع غيري وربما تنجح معي أيضاً بإذن الله· بعد يومين اتصلت بي الخاطبة ودعتني لزياتها في بيتها، عندما ذهبت أعطتني ورقة تحمل اسماء وعناوين مختلفة، وقالت لي: هذه أربعة خيارات هي أفضل ما لدي، كلهن فتيات جميلات ومن عائلات معروفة، فاختر من شئت منهن، وأعلمني باختيارك لأنني أحب أن أكون في الصورة أولاً بأول· شكرت المرأة وانصرفت وأنا أحمل معي تلك القائمة اللطيفة يملؤني الشعور الطيب، وبدأت جولتي بين تلك الخيارات· الشيطان الصغير مطلقة في الثانية والعشرين، جميلة لديها طفل صغير في الرابعة من عمره، ماذا يضر؟ انه مجرد طفل سأعتبره كابني الذي حرمت منه، المهم أن تعجبني المرأة· حددنا موعداً للقاء، ذهبت وشاهدتها، فوجدتها جميلة ورقيقة، تفاءلت وانشرح صدري، فالأمور تبشر بالخير· لم تمضِ سوى عشر دقائق حتى انطلق إعصار غير متوقع، أصوات وقرقعات سبقت دخوله، انه طفلها، ولد صغير ولكنه يشبه صغار الشياطين، لا يمشي على الأرض، بل يقفز مثل القردة ليرتطم بالأشياء من حوله، يرتدي على رأسه قبعة لها قرنان، ويربط حول عنقه عباءة تطير خلفه كلما تحرك، يتحزم بحزام مزود بأسلحة بلاستيكية، حافي القدمين، يطلق ضجيجاً غير عادي· قالوا له سلِّم على عمك، فانطلق نحوي كالصاروخ، مددت يدي لأتحاشى ارتطامه بي، ولكنه استطاع أن يحقق تصادماً أسقط العقال والغترة من فوق رأسي، دفعته بيدي وقمت لإصلاح مظهري، لا أدري كيف أسرع بإحضار كرة كبيرة و''شاتها'' نحوي بقوة خارقة لا تتوفر لمخلوق صغير مثله، آخ··· ما هذا، يا الهي·· لقد آلمني بشدة، الجميع يعتذر لسوء تصرف الولد ولكن لا أحد يفكر بمعاقبته، تمنيت لو أنني استطعت الامساك به لأربطه من يديه ورجليه وأعلقه لفترة حتى يتأدب، ولكن ما شأني أنا؟ بقيت ساكتاً والغيظ يملؤني نحو ذلك الشيطان الصغير· جلس أمامي وهو ينظر إلي بعينين ينطلق منهما الشرر، وأنا خائف ومتوجس، لا أدري بم يفكر وما هي خطوته التالية؟! سمعت صوت المرأة وهي تقول: شرطي الوحيد هو عدم الإنجاب، بصراحة أريد أن أتفرغ لتربية ابني، قلت لها: ونعم التربية، بالفعل أنا أحترم شرطك، فمن تنجب هذا النوع من المخلوقات، الأفضل لها ألا تفكر في الإنجاب مرة أخرى· ألقيت كلماتي وفررت من المكان وأنا أتلفت من حولي خوفاً من ذلك المخلوق المرعب· البحث عن معيل فتاة لم يسبق لها الزواج، في العشرين من عمرها بيضاء جميلة على دين وخلق· ذهبت لمشاهدتها، فكانت جميلة ورقيقة جداً، سألتها عن دراستها فقالت: انهيت الثانوية بتفوق ولكني لم أدخل الجامعة بسبب الظروف التي حصلت للعائلة، فقد توفي والدي وقد كان المعيل الوحيد لنا، لم يترك لنا شيئاً سوى هذا البيت المتواضع، نعيش على مساعدة الشؤون البسيطة انا ووالدتي وأخوتي الثمانية، أنا اكبرهم، فكرت بالزواج من رجل يعينني على مسؤولية عائلتي، شرط أن يعيش معنا في هذا البيت أو يأخذنا جميعاً لنعيش معه· لحظات وجاء أفراد العائلة كلهم، طابور من الأولاد والبنات تبدو عليهم علامات البؤس والفقر الشديد· فكرت قليلاً، هل أستطيع أن أتحمل مثل هذه المسؤولية الكبيرة؟ هل يمكنني السكن معهم في هذا البيت القديم الذي أكلته الرطوبة وعشعشت أوكار الصراصير والحشرات بين جدرانه؟ ام هل آخذ كل هؤلاء الناس إلى شقتي الصغيرة؟ هذا أمر غير منطقي، هذا ليس زواجاً، انه عقد لأعمال شاقة مؤبدة لا تنتهي مدى الحياة، ربما أتعاطف انسانياً مع هذه العائلة التي تبدو عليها ملامح الطيبة ولكن بصراحة فإن الحمل ثقيل ولست مؤهلاً لتحمله، فأنا مجرد شاب يحلم بأسرة صغيرة· أخذتني الأفكار وكنت أجلس وسطهم غارقاً في صمت عميق، تنبهت إلى نفسي واستدركت وضعي الحرج، فالعيون كلها مصوبة نحوي، لقد فقدوا معيلهم الوحيد وهم يبحثون عن معيل جديد يتحمل مسؤوليتهم، اتخذت قراري ونهضت من مكاني وأنا أعتذر ببعض الكلمات التي لم أعد اتذكرها، سلمت على أفراد العائلة بحرارة ودعوت لهم بالتوفيق وانطلقت إلى غير رجعة· الغنى الآفل فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، وليست أصغر كما هو مدون في الورقة، من عائلة غنية، جميلة ورشيقة، شيء رائع ولكن ماذا ستكون العلة هذه المرة؟ الأفضل ان لا اكون متشائماً، فالبنت لم يسبق لها الزواج وهي جميلة وغنية، أعتقد بأن الأمور ستكون طيبة إن شاء الله· ذهبت إلى منزلهم، فيلا فخمة، أثاث فخم ولكنه قديم، جاء والد الفتاة وأخواها، تبدو عليهم مظاهر الغنى ولكن!! لا أدري لم شعرت بأن الأشياء كلها قديمة، الساعات التي يرتدونها كلها ماركات عالمية ولكنها موديلات قديمة للغاية، حتى السيارات التي تقف في الكراج كلها موديلات قديمة، فما شأن هذه العائلة؟ هل تعتز بالموروثات القديمة أم ماذا؟ لست من النوع الذي يحب المظاهر، ولكنني راغب في معرفة التفاصيل التي تقف وراءهم، من حقي ان اعرف كل شيء عن الناس الذين سأناسبهم، التفاصيل مهمة جداً بالنسبة لي· جاءت الفتاة، إنها في الثامنة والعشرين من عمرها، لا بأس بجمالها، تحدث والد الفتاة عن تجارته وصار يلعن تقلبات السوق، فأدركت بأنه ربما تعرض لخسارة وأن المال قد ولى إلى غير رجعة، ثم بدأ بالتحدث عن البنوك وسوء تعاملها مع زبائنها القدامى في حالة تعرضهم للأزمات، فأدركت بأن لديه ديونا ومشاكل مالية معقدة، تحدث الأخ الكبير عن عرسه وعن الفندق الضخم الذي كانوا من أفضل زبائنه وعن محلات المجوهرات التي كانوا يتعاملون معها، الحديث كله كان مغلفاً بغلاف واحد، هو ما كانوا يعيشونه في الماضي ويرغبون بتجديده من خلال هذا الزواج· تحدثت البنت عن النوادي التي كانت ترتادها وهي في أشد الشوق للعودة إليها، وعن السفر عبر دول العالم المختلفة والذي حرمت منه لفترة طويلة، سألتها عن شهادتها فأخبرتني بأنها لم تكمل دراستها، لماذا تفكر بالحصول على الشهادة وهي لا تحب أن تعمل؟ انها تفكر في زوج ينفق عليها ويعيد أمجادها الماضية ويدفع مصاريف النوادي وصالونات التجميل ويطير بها سنوياً إلى أجمل منتجعات السياحة في العالم· ابتسمت ببرود وقلت لهم: انا مجرد موظف بسيط، راتبي لا يكفي لتحقيق كل تلك الأحلام، أريد امرأة تقنع بالعيش معي بلا مشاريع مادية تفوق طاقتي، ''لوت الفتاة بوزها'' وانصرفت بلا استئذان، فقمت للسلام والانصراف وأنا في غاية الارتباك· المعقدة في الثلاثين من عمرها، جميلة الملامح، مطلقة بلا أطفال، نظرت إليها متفحصاً تلك الهالة الملتفة حول عينيها، نظراتها كانت مخيفة وغامضة، سألتها عن تجربتها السابقة، فالتمعت عيناها وهي تبحلق بي باستغراب، ثم انطفأ البريق وحلت محله الدموع، انكمشت على نفسها وتنهدت وهي تقول: لقد دمرتني تلك التجربة، خرجت منها بأمراض نفسية لا حصر لها، اصبحت مدمنة على عيادات الأطباء النفسيين بلا فائدة تذكر، كان إنساناً منحرفاً حقيراً، ضربني، أهانني، حطم معنوياتي بلا سبب معقول، لقد كرهته وتخلصت منه بمعجزة وبالطبع لم أفكر بالزواج مرة أخرى، ولكن الأطباء نصحوني بالتفكير الإيجابي وإعادة التجربة مرة اخرى لعلها تسهم في علاجي· لا أريد خداعك فأنت مطالب بأن تصحح الصورة المشوهة التي كونتها عن الرجال· أرجو ان تكون قد أدركت وضعي بالضبط· قلت لها: نعم بالتأكيد، أدركت كل شيء، فأنت امرأة تكره الرجال ومعقدة منهم، وستقع علي مهمة شاقة هي إصلاح ما أفسده زوجك الأول، وإن فشلت فإن ذلك سيكون إضافة سيئة لي ولك وإن نجحت فانها المعجزة، للأسف انا لا أؤمن بالمعجزات في هذا الزمن، ولا أملك قدرات خارقة تشفيك من أمراضك النفسية وتزيل عنك العقد التي تراكمت عليك· اعتذرت بلطف وانصرفت مسرعاً وأنا اتنفس الصعداء من تلك الكآبة التي انتابتني بعد لقاء تلك المرأة· ذات الحظ السيئ أرملة في الخامسة والعشرين، ثرية وجميلة جداً، انه عرض مغر، لا أدري ماذا يخفي خلفه، ذهبت للقائها والفضول يملؤني، كيف سيكون الحال؟ وما هي المفاجأة التي تنتظرني؟ وهل سيكون ختامها مسك كما يقولون ام ماذا؟ فيلا فخمة وسيارات فارهة وخدم وحشم، هل أنا في حلم أو علم؟ مثل هؤلاء الناس، هل يحتاجون إلى الخاطبة؟ شيء عجيب يخفي وراءه سر غريب· رحب بي الأهل، انهم غاية في اللطف، الخادمات توالين في إحضار ما لذ وطاب، ثم جاءت المرأة، جمال أخاذ، رقة واضحة، هل هذا معقول؟ يبدو انني محظوظ جداً فالختام سيكون مسكاً بإذن الله· بدأ الحديث عني، ما عندي ما أخفيه، موظف مطلق، لدي ولد واحد في حضانة أمه· جاء دور الحديث عنها، والدها أدار دفة الحديث، قائلاً: كما تراها شابة جميلة لا ينقصها شيء اطلاقاً ولكن حظها عاثر، مسكينة، تزوجت من رجل ثري وهي في التاسعة عشرة من عمرها وترملت بعد سنة واحدة، فقد تعرض الرجل لحادث أثناء احدى رحلاته البحرية في قاربه الخاص، ورثت عنه الكثير، الحزن مزقها، ولكنها صغيرة، والحي أبقى من الميت، فتزوجت رجلاً دبلوماسياً معروفاً، سعدت به كثيراً وسعد بها ولكن بعد سنة واحدة أصيب الرجل بأزمة قلبية ومات، صدمت البنت ولكن الحياة لا بد أن تستمر، فتزوجت للمرة الثالثة من رجل ذي منصب كبير، في رحلة شهر العسل تعرض الرجل لحادث غريب فمات في الغربة وعادت المسكينة لوحدها، ألا تتفق معي بأنها سيئة الحظ؟ انها في الخامسة والعشرين وقد لاقت كل تلك الفواجع المؤلمة· بلعت ريقي وصرت اتنفس بصعوبة، لقد شعرت بالانقباض ولكنني تمالكت نفسي وبقيت محافظاً على هدوئي والأفكار تعصف بي، يا الهي ماذا سيكون مصيري لو تزوجتها؟ وكم سأعيش بعد الزواج؟ اعتذرت بلطافة وانصرفت وأنا في وضع نفسي صعب· القرار الأخير بعد كل ما مررت به في تلك التجربة قررت أن اعيد النظر في حياتي، في مشكلتي السابقة التي قادتني إلى الطلاق، قلبت الأمور جيداً فوجدت بأن أم ابني هي أفضل من كل من شاهدتهن، إن أخطاءها بسيطة ويمكنني التعايش معها بجهد بسيط، تذكرت ابني ومدى حاجته لوجودي في حياته، أدركت بأن حياتي الزوجية السابقة لم تكن سيئة للغاية وانما كانت تحتاج لقليل من الجهد والإصلاح· اتخذت قراري بالعودة إلى أم ابني وإبداء الأسف لذلك القرار السريع بالطلاق، فالحياة الزوجية تستحق الصبر والانسان لا يعرف قيمة ما لديه إلا إذا حرم منه، أتمنى ان يوفقني ربي لما أنا مقدم عليه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©