الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا متعددة الثقافات

6 يوليو 2013 23:15
أروى إبراهيم باحثة بريطانية - مصرية في مجال السياسة والتنمية الاجتماعية عاد الجدل حول التعددية الثقافية للظهور في الغرب مجدداً بعد تفجيرات بوسطن الأخيرة واحتجاجات ستوكهولم. ويشعر كثيرون اليوم بأن كلامهم مبرر عندما يقولون إن التعددية الثقافية عبر أوروبا والغرب قد فشلت بشكل واضح. ولكن التاريخ أثبت غير ذلك. ويشكّل فهم التأثيرات الثقافية المتعددة في التاريخ الغربي وسيلة جيدة ليس فقط للحدّ من التوترات في مجتمعاته المعاصرة، وإنما كذلك لتشجيع المزيد من التفاهم والاحترام بين الغربيين والجاليات المهاجرة. ويُعرَف عن عصر النهضة الأوروبي، الذي بدأ في القرن الرابع عشر، أنه كان عصر الانشغال بالعلوم والتعلّم والاختراع. ولكن الشغف بالمزيد من المعرفة، بعيداً عن التفسيرات الدينية للعالم، لم يصل الأوروبيين إلا في القرن الثامن عشر عندما روّج فلاسفة متنورون مثل فولتير ولوك وهوبز أفكاراً تنويرية وتجديدية. وقد أكدت أفكارهم، التي ارتكزت على الفكرين اليوناني والإسلامي، أن الحرب والأمراض والفقر والجهل يمكن الحدّ منها من خلال بناء مجتمعات العلم المعرفة. وقبل ذلك، ومنذ القرن السابع، أعطى الخلفاء والأمراء فيما يُعرف اليوم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا أولوية لبناء مجتمع المعرفة والعلم. كما انتشرت الثقافة العامة بين الجمهور العريض، وتطورت المكتبات الخاصة والعامة، بل إن بعض التقاليد الأوروبية في هذا المجال مثل الصالونات الأدبية والتجمعات الاجتماعية الثقافية، فقد جرى في الواقع اقتباسها من دواوين الخلفاء المسلمين. وكذلك تأثرت الفضاءات الأدبية مثل الشعر والرواية والرومانسية والشهامة بالمؤلفين المسلمين مثل ابن طفيل في الأندلس، الذي أثر على رواية دانيال ديفو الكلاسيكية «روبنسون كروزو». وكانت الثقافة تاريخياً مفهوماً مستمر التطور بين الحضارات البشرية، وقد استخدمت للربط بين الناس وليس لتفريقهم، ويستمر تطورها من خلال تبادل الآراء والقيم والعادات. وتتكون الثقافة الأوروبية والغربية من تجميع من قرون من التبادل بين الشعوب المختلفة والحضارات المتنوعة. وتعرَّف الثقافة بشكل أكثر دقة بأنها تبادل للقيم بين الحضارات، بدلاً من كونها مجموعات من القيم العربية والبريطانية والسويدية والأميركية. ومن الغريب أن تستخدم التعددية الثقافية ككبش فداء ويلقى اللوم عليها بسبب تفشي مشاكل مثل الفقر وارتفاع معدلات الجريمة والبطالة والتطرف. ومن المزعج رؤية بعض صانعي السياسة والمحللين يقترحون تعريفاً أكثر صرامة للهوية الأوروبية، أو يصبحون أقل تسامحاً تجاه التعدد الثقافي والاختلاف. إنني مقتنعة بأن من المهم بالنسبة لمجتمعات أوروبا المعاصرة، والغربية على نطاق أوسع، أن تدرك أن المجتمعات والثقافات تنمو باستمرار وتتفاعل داخلها روافد متعددة، بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية. ويجب علينا ألا نرضخ للضغوط المناهضة للتعددية الثقافية من خلال الزعم بأن قبول الأقليات العرقية في المجتمعات الغربية سيغيرها، لأنها ستتغير في جميع الحالات. وتفترض هذه المزاعم أن الثقافة الغربية تطورت بمعزل، ودون تبادلات مع ثقافات أخرى، وأنه يمكن تعريفها واقتصارها ضمن نطاق ثقافي محدد وضيق، للحفاظ على مجموعة ثابتة من القيم. ونفس هذه المزاعم الانعزالية تنكر التأثير العظيم للحضـارة الإسلامية على الثقافة الغربيـة الحديثـة، والمفارقـة أن كثيراً من مصـادر هذه الحضارة نفسها مستقى من أجداد الجاليات التي يُنظَر إليها اليوم كتهديد. إن في استطاعة المسلمين وغير المسلمين في المجتمعات الغربية التعامل مع التحديات الاجتماعية التي نواجهها اليوم من خلال قبول واحترام بعضنا بعضاً كأطراف متساوية في مجتمع واحد. هذا مع إدراك وجود خلافات وفروق، ليس من الضروري أن تختفي، لأنها تغني في الواقع ثقافاتنا المتنوعة لنصبح مجتمعات أكثر إنسانية وتقدماً. ولذا يتعين التعامل مع العنف والجريمة والتمييز كقضايا اجتماعية واقتصادية يمكن أن تكون سائدة بين جاليات عرقية معينة، ولكنها ليست نتيجة لعرقياتها بطبيعة الحال. لقد حان الوقت لأن تستثمر المجتمعات الأوروبية والغربية أفضل ما في هوياتها وعاداتها وثقافاتها، وأن تتعلم كيف تحتضن وتحترم خلافاتها، بدلاً من محاولة محوها. وهذا هو السبيل نحو مجتمع أكثر تناغماً وتماسكاً وتقدماً. ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©