الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مزاوجة بين المتعة والفائدة وبين التخييل والتداول

مزاوجة بين المتعة والفائدة وبين التخييل والتداول
23 يوليو 2014 00:35
يواجه قارئ النص الأدبي العربي القديم مجموعة من الإشكالات، التي يمكن أن يواجهها أي باحث معاصر يتصدّى للنصوص التراثية بقصد اكتشاف مشكلاتها وأسئلتها بعيداً عن فرض رهانات التحديث التي لا يمكن إنكار قيمتها؛ فلا أحد اليوم يستطيع أن يقنعنا بأن قراءة النص التراثي يمكن أن تُنجز خارج دائرة مكتسبات الإنسان المعاصر ومنجزاته المعرفية المتطورة، فالقارئ المعاصر يحمل إلى نصه التراثي المقروء ما حصّله من أسئلة تشغل معاصريه ويشرع في اختبارها مباشرة؛ ولكن هل هذه هي الطريقة المثلى التي يمكننا أن نبعث بها تراثنا ونجعله معاصراً لنا يشاركنا همومنا الفكرية والعلمية؟ خاصة أن القراءات المنجزة تاريخياً عن النص الأدبي العربي التراثي أثبتت، أنها تجنح إلى التوفيق كلّما واءمت بين سياقي القارئ والنص المقروء؛ وبالتالي لا ينفع أن نجعل من النص التراثي مرآة لانشغالاتنا المعاصرة، كما لا ينفع في الوقت نفسه أن نقفل باب الاجتهاد ونزعم أن النص التراثي مرآة لعصرنا، وأنه لا يتحمّل ما نحمله إليه من أسئلة تتجاوز حدوده، فالنص بقدر ما ينتمي لعصره ينتمي لعصر قرائه. من هذا المنظور، استشرف الباحث هشام مشبال في كتابه الجديد «البلاغة والسرد والسلطة في الإمتاع والمؤانسة» الصادر حديثاً عن دار «كنوز المعرفة» بالأردن، المزاوجة بين المتعة والفائدة أو بين التخييل والتداول، عبر انشغالاته الجمالية والفكرية المعاصرة، التي تخدم غرضاً جمالياً وأخلاقياً أو سياسياً مع محاولة اكتشاف أسئلته الخاصة ومشكلاته في السياق الثقافي القديم. تناول الباحث جمالية نص «الإمتاع والمؤانسة» بوصفها وسيلة وليست غاية في ذاتها. لكن هذه المساحة الجمالية التي اجتذبت اهتمام قرّاء هذا النص عبر تاريخ تلقيه، لم تستأثر باهتمام هشام مشبال كلّ الاستئثار؛ فقد أدرك منذ البداية أن المقاربة البلاغية لا ينبغي أن تحشر في دراسة السمات الجمالية فقط، بل ينبغي توسيع دائرة انشغالاتها لتشمل الوسائل والاستراتيجيات الحجاجية التي أولتها النظرية البلاغية العناية منذ فترة مبكرة من تاريخ التفكير في الخطاب. في هذا الإطار نص «الإمتاع والمؤانسة»، حسب الباحث هشام هو نص أدبي بلاغي يمكن قراءته تخييلياً وسردياً وتأويل علاماته باعتباره ينطوي على سياق داخلي يفسح المجال لتعدد القراءات، دون أن يعني ذلك أننا بصدد نص مستقل بذاته، إذ لا يمكن فصله عن مقام تواصلي ملموس، ومن هنا لا يمكن دراسته بوصفه نصاً أدبياً يخاطب الإحساس الجمالي بمعزل عن البعد البلاغي الحجاجي الذي يسهم بدرجة كبيرة في تشكيل نصيته، سواء من خلال الأنواع الخطابية التي تنسجها (الأخبار والنوادر والمناظرة والتراجم والحكم والأمثال. . ) أو من خلال الحوارات والأحاديث التي يقوم عليها. ومن مظاهر هذه المزاوجة التي وقف عليها الباحث في نص «الإمتاع والمؤانسة» بناؤه على المعرفة؛ فالنص المدروس تتداخل في صناعته عدة خطابات: فلسفية وعلمية ودينية ونقدية ولغوية وأدبية. إنه باختصار، نص موسوعي مثل معظم النصوص الأدبية العربية القديمة، يقدّم المعرفة للقارئ ويأخذ بيده في اكتشاف عوالمها المجهولة. ويخلص الباحث في كتابه عبر التحليل إلى أن المعرفة بمفهومها الواسع، شكّلت أحد مكونات النص الأدبي القديم بناء على افتراض يفيد بأن الكاتب في الثقافة العربية القديمة وفي الثقافة الكلاسيكية عامة، كان امتداداً للخطيب في إظهار قدرته على الاستحضار والاسترجاع وتذكّر ما ادّخره من معارف سابقة. ولعلّ هذا هو الأساس النظري الذي يمكنه أن يسوّغ للباحث المعاصر تناول المعرفة في النص من منظور بلاغي. وإذا كان هذا البحث يعلن انتسابه الصّريح للبلاغة بما هي رصيد من المبادئ والأدوات التي تبلورت في هذا الحقل قديماً وحديثاً؛ فإن المقاربة البلاغية التي استخدمها الباحث في تحليل نص «الإمتاع» هي مقاربة منفتحة على حقول عدّة. والحق أن هذا الانفتاح ليس مطلباً اقتضاه نص التوحيدي فقط باعتباره نصّاً يزاوج بين البعدين الجمالي والخَطابي، ولكنه مطلبٌ تقتضيه تطورات الحقل النظري نفسه؛ فلا يمكن أن نتحدث عن بلاغة واحدة ثابتة منغلقة على نفسها. هذه بعض القضايا النظرية والإجرائية التي يثيرها كتاب هشام مشبال «البلاغة والسرد والسلطة في الإمتاع والمؤانسة»؛ وهي من بين القضايا الدقيقة التي تستأثر باهتمام الباحثين في فرقة «البلاغة وتحليل الخطاب». بكلية الآداب - تطوان المغرب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©