الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمرو بن الجموح.. الأعرج شهيد أحد

عمرو بن الجموح.. الأعرج شهيد أحد
23 يوليو 2014 09:54
في الجاهلية، كان عمرو بن الجموح زعيماً من زعماء المدينة، وسيد بني سلمة المسود، وواحداً من أجواد المدينة، وكان يشكو عرجا شديداً في ساقه، وكان يعبد صنما يقال له «مناة». عندما أرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم أهلها الإسلام، أسلم أولاد عمرو بن الجموح الثلاثة على يدي مصعب، وهم: معوذ، ومعاذ، وخلاد، وآمنتْ معهم أمهم هند، ولم يعرف عمرو من أمر إيمانهم شيئاً، وكانت زوجته تحبه وتجله، وتشفق عليه من أن يموت على الكفر، وفي نفس الوقت كان هو يخشى على أبنائه أن يرتدوا عن دين آبائهم وأجدادهم، وأن يتبعوا مصعباً. وذات مرة قال لزوجته: يا هند، احذري أن يلتقي أولادك بهذا الرجل- يعني مصعب بن عمير- حتى نرى رأينا فيه، فقالت: سمعاً وطاعة. ثم قالت له: هل لك أن تستمع من ابنك معاذ ما يرويه عن هذا الرجل؟ قال: ويحك، هل صبأ معاذ عن دينه، وأنا لا أعلم؟. قالت: كلا، ولكنه حضر بعض مجالس مصعب، وحفظ شيئاً مما يقوله، فقال: ادعيه لي، فلما حضر بين يديه، قال: أسمِعْني شيئاً مما يقوله هذا الرجل، فقرأ عليه سورة الفاتحة. وحينما سمعها عمرو قال: ما أحسن هذا الكلام، وما أجمله! أوَ كلُّ كلامه مثل هذا؟، فقال معاذ: وأحسن من هذا يا أبتاه، فهل لك أن تبايعه، فإنّ قومك جميعاً بايعوه؟ سكت الشيخ قليلاً، ثم قال: لست فاعلاً حتى أستشير مناة- وهو الصنم الذي كان يعبده- فأنظر ما يقول؟. فقال له ابنه: وما عسى أن يقول مناة يا أبتاه، وهو خشب أصمّ، لا يعقل ولا ينطق؟ فقال عمرو في حدة: قلت لك: لن أقطع أمرا دونه. حوار مع صنم وذهب عمرو بن الجموح إلى مناة، وأثنى عليه أطيب الثناء، ثم قال: يا مناة، لا ريب أنك قد علمت بأن هذا الداعية- مصعب بن عمير- الذي وفد علينا من مكة لا يريد أحداً بسوء سواك، وأنه إنما جاء لينهانا عن عبادتك، وقد كرهت أن أبايعه على الرغم مما سمعت من جميل قوله، حتى أستشيرك، فأشر عليَّ، فلم يردّ عليه مناة بشيء، فقال: لعلك قد غضبت، وأنا لم أصنع شيئاً يغضبك بعد، ولكن لا بأس فسأتركك أياماً حتى يسكت عنك الغضب. وهنا فكر ابنه معاذ أن ينزع مكانة هذا الصنم من قلب أبيه، فكان هو ومعاذ بن جبل يدخلان ليلاً إلى الدار فيأخذان هذا الصنم ويلقيانه في مكان مخلفاتهم منكساً على رأسه، وعندما يصبح عمرو يذهب فيأتي به ويغسله ويعطره، وهو يتوعد من فعل به ذلك، وكل ليلة يحدث هذا المشهد. إسلام عمرو وذات يوم وضع عمرو سيفاً في رقبة صنمه الذي يعبده، وقال له: لأني لا أعلم من يفعل بك هذا، فإن كنت تستطيع الدفاع عن نفسك فهذا السيف معك فافعل. وبالليل جاء الفتيان فأخذا السيف من عنقه ثم أحضراً كلباً ميتاً فقرناه به بحبل وألقياه في بئر من الآبار فيها يقضي الناس حاجتهم. وفي الصباح قام عمرو يبحث عنه فلما وجده كذلك، علم أنه لا نفع فيه، فأسلم وحسن إسلامه، حين أسلم عمرو وقف يشكر الله على نعمة الإيمان، فأخذ ينظم الشعر، فكتب قصائد جميلة في التوبة وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى. مشاركته في أحد قبيل موقعة أحد، رأى عمرو بن الجموح أبناءه الثلاثة يتجهزون للقاء العدو، ونظر إليهم وهم يتوهَّجون شوقاً إلى نيل الشهادة، والفوز بمرضاة الله عز وجل، فأثار هذا الموقف حميته، وعزَم على أن يغدو معهم إلى الجهاد تحت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكن الفتية أجمعوا على منع أبيهم مما عزم عليه، فهو شيخ كبير طاعن في السن، وهو إلى ذلك أعرج شديد العرج، وقد عذره الله عز وجل فيمن عذرهم، فقالوا له: يا أبانا، إن الله قد عَذرَكَ، فعلامَ تكلف نفسك ما أعفاك الله منه؟ فغضب الشيخ من قولهم أشد الغضب، وانطلق إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- يشكوهم، قال: يا نبي الله، إن أبنائي هؤلاء يريدون أن يحبسوني عن هذا الخير، وهم يتذرعون بأني أعرج، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: دعوه لعل الله يرزقه الشهادة، فخلوا عنه إذعاناً لأمر النبي- عليه الصلاة والسلام-. وما إن أَزِفَ وقتُ الخروج حتى ودّع عمرو بن الجموح أهله وداع مفارق لا يعود، ثم اتجه إلى القبلة، ورفع كفيه إلى السماء، وقال: اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي خائباً، أي حياً. استشهاد عمرو بن الجموحوانطلق عمرو يحيط به أبناؤه الثلاثة وجموع كثيرة من قومه بني سلمة، ولما حمي وطيس المعركة، وتفرق الناس عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شوهد عمرو بن الجموح يمضي في الرعيل الأول، ويثب على رجله الصحيحة وثباً، وهو يقول: إني لمشتاق إلى الجنة، إني لمشتاق إلى الجنة، وكان وراءه ابنه خلاد، وما زال الشيخ وفتاه يجالدان ويذودان عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى خرا صريعين شهيدين على أرض المعركة، ليس بين الابن وأبيه إلا لحظات، وما إن وضعت المعركة أوزارها حتى قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى شهداء أحد ليواريهم ترابهم، وعندما مر بعمرو بن الجموح قال- صلى الله عليه وسلم: «كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©