الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب أفريقيا... ما بعد مانديلا

21 يناير 2014 23:56
جيريمي كونتر جوهانسبرج قبل يومين على أعياد الميلاد المسيحية، التهمت النيران 350 بيتاً صفيحياً في حي «فالهالا بارك» العشوائي الواقع في المناطق الفقيرة المحيطة بمدينة كيب تاون، وهو ما أسفر عن تشرد 1400 شخص. وفي الأيام التي تلت ذلك، وعدت السلطات الجنوب أفريقية السكان بأن المنطقة الفقيرة ستستفيد قريباً جداً من مخطط تطوير طال انتظاره، وبأنه سيعاد بناؤها وتزويدها بكهرباء أكثر أماناً ومياه أنظف. وقد استُعملت في خطاب السلطات كلمتا «الخدمات الأساسية» أكثر من مرة. والواقع أن صور الأرض المحروقة والسكان الحزانى المكلومين وهم يهرعون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ألسنة اللهب ليست جديدة في جنوب أفريقيا: ذلك أن الحرائق التي تندلع في الأحياء الصفيحية باتت مألوفة ومتواترة منذ سنوات؛ ولكنها تمثل أحدث تذكير بأن جنوب أفريقيا ما زالت تعاني انقساماً عميقاً، وأنه بعد 20 عاماً على مساهمة نيلسون مانديلا في تحرير البلاد من نظام التمييز العنصري «الأبارتايد» ما زال عشرات الآلاف يعيشون في أماكن يمكن فيها لسقوط موقد غاز أن يتسبب في حريق حي بكامله. وخلال الربيع المقبل من المرتقب، أن يتوجه الجنوب أفريقيون إلى مكاتب التصويت من أجل الإدلاء بأصواتهم في انتخابات وطنية هي الأولى منذ 2009، في استحقاق سيحدد مستقبلهم في مرحلة ما بعد مانديلا. ويذكر هنا أن حزب مانديلا، «المؤتمر الوطني الأفريقي»، يحكم البلاد منذ انتقالها من نظام الأبارتايد إلى حكم الأغلبية السوداء في 1994. وإذا كانت أشياء كثيرة قد تغيرت منذ ذلك الوقت، فإن أشياء أخرى كثيرة أيضاً لم تتغير؛ وهو ما يفسر لماذا ستتحول الانتخابات المقبلة إلى ما يمكن أن يصبح لحظة «محاسبة» وطنية يطغى عليها موضوع انعدام المساواة وما إن كان من الممكن الوثوق بأحد لمعالجتها. ويعتقد البعض أن جنوب أفريقيا ربما تترنح على شفير أزمة اجتماعية يمكن أن تصبح عنيفة، بينما يرى آخرون أنها ستدخل فترة سلمية وهادئة لـ«تدبر» المشاكل والاستفادة من عقدين من التغييرات الإيجابية في العديد من المجالات. والواقع أن ثمة العديد من الأمور الأساسية الأكيدة في مرحلة ما بعد مانديلا. فجنوب أفريقيا، ما زالت القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة. وفي وقت قصير نسبياً، تمكنت من رفع الكثيرين من مواطنيها الذين كانوا مقصيين ومهمشين من الطبقة الثالثة إلى الطبقة الوسطى، بل وإلى النخبة الغنية. وهناك جيل جديد من الشباب -يدعى «المولودين أحراراً»- لم يعش أبداً تجربة الأبارتايد بشكل مباشر ونشأ في جو من التفاؤل الذي لم يفقده؛ وتمثل الانتخابات المقبلة فرصته الأولى للتصويت. غير أن بعض المشاكل لا يمكن تجاهلها، ومن ذلك حقيقة أن نحو 30 في المئة من السكان يتلقون منح الرعاية الاجتماعية من الدولة. كما أن البطالة وتفاوت الأجور مرتفعان، شأنهما في ذلك شأن الجريمة والركود الاجتماعي. وهذه الظروف تغذي في أماكن مثل «فالهالا بارك» مشاعر غضب عارمة من ضعف أو انعدام خدمات أساسية مثل الكهرباء والماء والسكن والصرف الصحي. فحتى الآن، تم إحصاء أكثر من 150 مظاهرة نظمت احتجاجاً على ضعف أو غياب الخدمات عبر البلاد هذا العام، وبعضها كان عنيفاً وسقط فيه ضحايا. هذا في حين كانت ثمة 24 مظاهرة مماثلة قبل خمس سنوات، حسب مؤسسة «مينيسيبل آي كيو»، التي تجمع وتحلل البيانات بخصوص بلديات جنوب أفريقيا. وفي هذا الإطار، يقول المعلق البارز آدم حبيب: «إن جنوب أفريقيا الديمقراطية بدأت تبلغ لحظة المحاسبة». ويدعو حبيب إلى ميثاق اجتماعي جديد ويحث كلاً من النخب الغنية والفقراء على تعديل توقعاتهم تجنباً لصراع يمكن أن يكون مريراً بين الفقراء والأغنياء. ولكن آخرين، مثل «سيرفاس فان دير برج» من جامعة ستيلنبوش، يعتقدون أنه بعد كل ما قيل وفعل، سيظل مستقبل جنوب أفريقيا عموماً مثل حاضرها: متواضعاً ولكنه مستقر؛ وأنه نظراً لمعدل النمو الحالي الذي يناهز 2 في المئة، سيظل هناك فائزون وبعض الخاسرين. ويقول في هذا الصدد: «إنه ليس سيناريو عظيماً لأننا لا ننتشل الناس من الفقر بسرعة ولا نغير الديناميات الاجتماعية في بلادنا بسرعة». ولكنه يرى «تحسناً طفيفاً عبر مجموعة من المؤشرات». ولكن الأكيد هو أن مسار الأمور ستحدده سياسات الزعماء. فحالياً، يمثل وضع الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني الأفريقي»، وهو حركة تحرير سابقة، سؤالاً مفتوحاً مهماً، خاصة بعد أن قامت أكبر نقابة في البلاد بسحب دعمها السياسي من «المؤتمر الوطني الأفريقي» هذا الشهر، بل وذهبت إلى حد دعوة الرئيس جاكوب زوما إلى الاستقالة -وهو ما يمثل ضربة رمزية لاستحواذ الحزب على الحكم منذ نهاية «الأبارتايد». وبالتوازي مع ذلك، يبدو حزب المعارضة الرئيسي «التحالف الديمقراطي» غير قادر على تهديد «المؤتمر الوطني الأفريقي» على نحو ذي مصداقية في صناديق الاقتراع، وهو ما دفع أحزاباً أخرى إلى زيادة وعودها بتنظيف بيتها من الداخل وإعادة تركيز اهتمامها على مشكلات الفقر والنمو. وعلى ما يمكن وصفه بالجانب الشفاف من الطيف السياسي، توجد أيضاً مامفيلا رامفيلي وحزبها الجديد. وقد بادرت هذه السياسية، التي تعتبر ناشطة مشهورة مناهضة للأبارتايد وتركز على محاربة ما تسميها ثقافة الفساد المترسخة، بالكشف عن وضعيتها المالية وممتلكاتها، وتحدت زومـا -الذي استُقبل بصافرات الاستهجان في جنازة مانديلا في سويتو- بأن يفعل الشيء نفسه. وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي يوجد جوليوس ماليما، وهو قومي أسود معروف بلعبه على ورقة العرق وزعيم سابق لشبيبة «المؤتمر الوطني الأفريقي» يدعو إلى تأميم القطاعات المهمة والأراضي المملوكة للبيض، وهي السياسة نفسها التي انتصر لها روبرت موجابي في زيمبابوي المجاورة. ولكن ماليما مكبوح نوعاً ما من قبل حلفاء زوما، ومن غير المرجح أن يسجل نتائج جيدة في الانتخابات على ما يبدو. غير أن ما يجمع بين كل خصوم زوما هو التركيز، في الخطاب على الأقل، على المواضيع العملية لتوفير الخدمات مثل الماء والسكن. وفي هذا السياق، يقول «جاب دي فيسر»، من جامعة «ويسترن كاب»، إن موضوع السكن والخدمات «ملحٌّ للغاية»، محذراً من أن هذا الموضوع يمكن أن يهدد «الميثاق الكبير» للسلم الاجتماعي الذي أعقب الأبارتايد في بداية التسعينيات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©