الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شباب مواطنون يجوبون الصحارى بسياراتهم ليعرّفوا بروحها وثقافتها

شباب مواطنون يجوبون الصحارى بسياراتهم ليعرّفوا بروحها وثقافتها
4 أكتوبر 2010 21:17
التقوا في هواية واحدة، سرعان ما تحولت مع الوقت إلى احتراف، فهم يخوضون الصحارى بسياراتهم ذات «الدفع الرباعي»، يحركهم هدف نبيل جميل، ألا وهو تعريف الناس على صحارى الإمارات ومكوناتها وأجوائها. إنهم مجموعة من شبان الدولة أسسوا «نادي الإمارات للقيادة في الصحراء (UAE Offroaders)، ويقومون دورياً برحلات في صحارى إمارات الدولة ضمن قافلة سيارات، سواء للشبان أو العائلات من مختلف الجنسيات. وفي مادة هذا التحقيق نقف معهم على أسس ومنطلقات النادي وسير رحلاتهم وأهدافهم منها. «أوف رودرز» كلمة تعني الكثير حين تقيم في مدينة صحراوية ولا تعرف طعم الرمال ولا إحساسك بها تمشي على سخونتها وتتفاعل مع طبيعتها بكل أحاسيسك. الكلمة تقول عن مكان يقابل الطرق المخططة التي يكسوها الإسفلت وتسير فيها بسيارتك بسلاسة من منطقة إلى أخرى. مكان لا يزال على ما كان عليه، هو طريق الصحراء وهو الصحراء، واطمئن فأنت لا تزال «على البرّ» ولكن برّ له منظار آخر. إنه نادي الإمارات لهاوي القيادة في الصحراء (UAE Offroaders) المبتعدين عن الطرق المخططة والمعدة من أجل التنقل بشكل عام، إنه نادي الباحثين عن روح الإمارات، وجميع مؤسسي هذا النادي من الإماراتيين الذين حولوا هواية القيادة في الصحراء إلى احتراف وإلى مشروع يعرّف المقيمين في أبوظبي على صحرائها.. فيتوجهون بسياراتهم مع عائلات أجنبية وعربية إلى الصحراء التي حفظوها ظهراً عن قلب ويعرفونهم بطبيعتها وواحاتها والحيوانات المتنقلة في ربوعها ويقيمون جلسات لتناول الطعام فيها والسهر والسمر ومن ثم العودة من دون أن يتركوا وراءهم أي أثر إلا آثار عجلات السيارات على الرمال. هواية فاحتراف يقول خلفان الرميثي- أحد المؤسسين: «نحن نقدّر قيمة الصحراء ونسعى دائماً لتقديم وشرح المعلومات لمن يرافقوننا في مغامراتنا فيها، فنحن لا نريد أن تبقى أي مخلفات مشوهة لهذه الصحراء ومؤذية للحيوانات الموجودة فيها». بدأت الهواية مع ستة شباب وامتدت لتتشارك فيها عائلاتهم، وريثما تعرّف رجل قادم من نيوزيلندا إلى أبوظبي إلى الشباب بعد أن خاطر وحيداً في القيادة في الصحراء وغرزت عجلات سيارته في الرمال ووجده خالد المقبول وأنقذه، تحوّل هذا اللقاء إلى صداقة مع جميع الشباب ومشاركة في «طلعات» الصحراء لنحو خمس سنوات، وقد تغيّر اسم النيوزيلندي ليصبح رسمياً يحيى كروفت بعد أن اعتنق الإسلام. الستة أصبحوا سبعة، والهواية تعمّقت أكثر وصولاً للاحتراف. وفي عطلة نهاية الأسبوع وفي المناسبات أيضاً ثمة مشوار في الصحراء، والأنشطة فيها مخصصة للعائلات ولهاوي القيادة على الرمال. والنادي مجاني إذ لا يترتب على المبتدئين دفع أي رسوم للمشاركة في هذه المغامرة التي تعرفهم بروح الإمارات وطبيعتها بعيداً عن المدن. أما الراغبون بالاحتراف للوصول إلى درجة «مارشال» في القيادة في الصحراء فما يدفعونه هو ما يصرفونه على سياراتهم الشخصية حيث يساعدهم الأعضاء الخبراء في عملية اختيارها كي تكون مناسبة لهذه الرحلات، إضافة إلى المعدات اللازمة الضروري تواجدها في كل سيارة من حبال (لمساعدة السيارات التي تغرز عجلاتها في الرمال) وعدّة الإسعاف الأولية والمياه والطعام وتفاصيل أخرى ضرورية لكل هاو على طريق الاحتراف. كيف ذلك، وثمة الكثير من المبتدئين الراغبين في الترحال في الصحراء؟ يعبّر عن ذلك المؤسسون للنادي بالقول: «نحن إماراتيون وقد قدّمت لنا دولتنا الكثير. وهي وسيلة بالنسبة إلينا كي نردّ شيئا من جميلها علينا عبر تعريف السواح والمقيمين بالصحراء وجمالها». آثار العجلات فقط التقينا بعض المؤسسين وهم (عماد التميمي وسعيد الهاملي والطاهر المقبول وخالد المقبول ولي خلفان الرميثي وعمرو التميمي ويحيى كروفت) حيث حدثنا كل من عمرو التميمي ولي الرميثي وخالد المقبول ويحيى كروفت، ومن الأعضاء علي الجنيبي، وهم «المارشالات» لأنهم محترفون. يقول خالد: «القاعدة الأولى لدينا في القيادة في الصحراء أن لا تكون وحدك في سيارتك مرتحلاً؛ على الأقل يجب أن تكون هناك ثلاث سيارات فهذا هو الحد الأدنى المسموح به، لأنه لو غرزت عجلات سيارة في الرمال وغرزت عجلات الثاني التي تحاول جذبها، تكون السيارة الثالثة هي السيارة التي ستقل الجميع خارج المكان من أجل إحضار المساعدة، ولاتدخل هذه السيارة في دوامة الرمال». «المارشال» هو القائد الذي يخطط للمسار ويقود القافلة -وهنا هي قافلة السيارات- ويتم الاتصال بالسيارات بواسطة اللاسلكي لأنه في بعض النواحي من الصحراء لا يتوافر الإرسال. يضمّ النادي حالياً 530 عضواً، وأكبر مشاركة حققها النادي في رحلاته خارج الطريق العام في الصحراء سجلت حضور 48 سيارة وأصغر رحلة ضمّت 7 سيارات وكانت في هذا الصيف المنصرم حين كانت الحرارة تبلغ 55 درجة مئوية، تحمّلها المشاركون ووصلوا واحة وجلسوا وتناولوا طعامهم بعد طهيه على النار، وكالعادة قفلوا راجعين ولا يوجد أثر ملوث للبيئة قد ترك خلفهم. في ذلك يقول عمرو التميمي: «كيف نترك أثراً سوى آثار العجلات على الرمال ونحن نعشق الصحراء ونعرّف الناس بجمالها وروحها؟ هذه النقطة من النقاط الأساسية لدينا ولا مساومة فيها». يحيى كروفت يعبّر عن عشقه للصحراء التي وجد فيها سكينته والروحانيات التي كان يبحث عنها، هو لا يعرف الابتعاد عنها كثيراً، ويقول ممازحاً: «أدخلتها إلى منزلي، فأنا لا أعود إليه إلا من هذه الصحراء بحذائي الذي تتغلغل فيه حبّات الرمل الذهبية». التعرف إلى الصحراء حبّات ذهبية بعضها ناعم وبعضها خشن، وألوان تنعكس في أشعة الشمس وصور تشكّلها عواصف الرمل الطائر في الهواء، حالة متكاملة ترتسم في كلمات عاشقي الصحراء ومحترفيها. فالسيارات في الصحراء لا يجب أن يكون لونها قريباً من لون الرمال أو لون شجر الواحات، بل لون لافت كاللون الأحمر لأن للصحراء قواعدها، وعلى من يرتحل فيها وإن لم يكن على ظهر جمل أو فرس، عليه فهم كنهها وتفهمها للتعامل معها بسلام. المؤسسون الذين قابلناهم يعبّرون عن استغرابهم كيف لا يسعى كل مقيم للتعرف إلى الصحراء! فهل من المعقول أن يقيم إنسان في الصحراء ولا يغامر على رمالها ولا يتعرّف على طبيعتها؟ هل من المعقول أن يأتي السائح فلا يزور إلا مراكز التسوق والفنادق في المدينة؟ «نحن لا ندخل المولات إلا فيما ندر» يقولها كل من قابلته من مؤسسي النادي وكذلك الجنيبي، يقولونها بكل ثقة ويتحدثون عن العيش بين الجدران وعن الانطلاق في الصحراء، ينقلون أخبار الأجداد والآباء والأمهات «كانوا يسيّرون قافلة من أبوظبي إلى العين لسبعة أيام» عبدت الطرقات وخططت وباتت الرحلة ساعتين كحد أقصى، ولكن هل يخطر ببال أحد أنه وعلى سبيل التغيير فقط والابتعاد عن الروتين تجربة القيادة في الرمال عن الطريق الصحراوي؟ هل يلتفت المتنقلون من مدينة إلى أخرى إلى جانب الطريق ولو التفاتة عابرة نحو الرمال الذهبية وصوت الصحراء الذي ينادي الناس لاستراحة بعيدة عن الضجيج وضغط العمل اليومي؟ الإمارات روحا وثقافة إن تجربة يحيى كروفت مع المجموعة لم تدفعه إلى التعرف على الصحراء وحسب، إنما إلى الإمارات في روح شعبها وثقافته، وهذا ما يؤكده الباقون لأن المبتدئين الراغبين في السير معهم يتعرفون على العائلات الإماراتية في المجموعة فيتشاركون في الطهي والتسلية والاهتمام بالأولاد معاً، وهذا ما لا توفّره معظم رحلات السفاري السياحية. إذ يهمّ المجموعة أو النادي تعريف الناس بثقافة أهل الإمارات وعاداتهم وتقاليدهم، وهم لا ينفون بأن هذا صعب في المدينة، أما في الصحراء فهناك قانون الصحراء في الضيافة والحماية والمرافقة، وقد يصبح المرء فرداً من العائلة في حقوقه وواجباته. وتجربة يحيى جعلته يبدو مثل لورنس العرب، وهو يرتدي الزي الإماراتي ويتنقل به كأنه ولِد في الإمارات وتعلّم ارتداءه منذ زمن، وجد نفسه في صحرائها ولا يريد مغادرتها. ثمة عائلات أجنبية ترافق العائلات الإماراتية في الصحراء، وثمة دور للنساء يشجعه الشباب فالمرأة تشاركهم في قيادة السيارات التي يجب أن تكون طبعاً رباعية الدفع وثمة مارشالات أيضاً في النادي، وسوف يعمد النادي إلى تنظيم رحلة نسائية بحتة لا يتدخل فيها الرجال إلا عند الضرورة. يتسلح مارشالات النادي بالمياه والإسعاف الأولي -وبينهم متخصصون في المجال- ونظام الملاحة بالأقمار الصناعية والحبال والعجلات البديلة والخيم وأدوات إشعال النار للطهي وللسهرات، وثمة لائحة بالأغراض المطلوبة لكل سيارة، كما أنه لديهم كل أرقام الهواتف الضرورية من شرطة وإسعاف وسواها، ودائماً ثمة من يعرف وجهتهم في المدينة، خاصة إذا كانت رحلتهم لمسافات بعيدة موغلة في الصحراء. الرحلات الأقرب إلى صحراء «الختم» ولكن ثمة الكثير من الأماكن التي يتوجهون إليها ويعرفونها ويعرفون طبيعتها وطبيعة رمالها. يبتعدون في الصحراء مخلفين وراءهم المدينة إلى الهواء الطلق والرمال الذهبية، يسيرون في رحلات الأجداد إنما على عجلات. رحلات وردية في هذا الشهر -أكتوبر- سيكون لرحلات النادي لون خاص هو الوردي، وذلك تضامناً مع الحملة العالمية لمكافحة سرطان الثدي. ويشير مؤسسو النادي أنهم من هذا المجتمع وهم معنيون بكل ما يمر به، لافتين إلى تزايد نسبة السرطان في العالم ما يدفع إلى المساهمة في عملية التوعية للوقاية منه. لذلك فإن رحلات النادي ستكون وردية طيلة أكتوبر. وفي الشهر القادم ثمة موعد مختلف مع النادي، هو رحلة غايتها التطوع لتنظيف بقعة واسعة من الصحراء من مخلفات رواد الصحراء غير المهتمين بالمحافظة على بيئتها. سيتشارك الأعضاء مع المؤسسين والعائلات والأطفال في هذا النشاط، كي يتمكن النادي من تعميم شعاره أينما حلّ «لا تتركوا وراءكم إلا آثار العجلات على الرمال».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©