الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أزنيك».. عاصمة الخزف التركي

«أزنيك».. عاصمة الخزف التركي
5 يوليو 2013 19:26
«أزنيك» أو أزنيق كما ينطقها الأتراك هي مدينة صغيرة في سهل مرمرة، كانت تعرف خلال العصر البيزنطي باسم «نيقيه»، وهي تبعد قرابة 90 كم عن اسطنبول واستولى عليها السلطان العثماني أورخان في عام 1331م، وحوّل كنيستها إلى مسجد يعرف باسمه إلى اليوم، وقد اتخذت المدينة ذات الأسوار الحصينة مركزا للفتوحات العثمانية التي توجت بالاستيلاء على القسطنطينية. ومن المعروف أن «نيقيه» شهدت اجتماع المجمع المقدس الذي انتهى بالشقاق الشهير في الكنيسة المسيحية، حول طبيعة السيد المسيح فيما بين الملكانيين أو الكاثوليك أو اليعاقبة أو الأرثوذكس. (القاهرة) - ورغم أن المدينة التي سماها الترك «»أزنيك»» كانت خرابا بعد الحروب مع البيزنطيين، كما لاحظ ذلك ابن بطوطة عندما زارها بعد سنوات قلائل من سقوطها بأيدي العثمانيين في القرن الثامن الهجري، فإنها سرعان ما استعادت عافيتها وتحولت منذ القرن العاشر الهجري «16م» إلى أكبر مركز فني في الأراضي العثمانية لصناعة البلاطات الخزفية التي اعتاد الأتراك استخدامها لتكسية جدران مساجدهم وقصورهم، وربما يعود السبب في ذلك إلى قربها النسبي من العاصمة اسطنبول، حيث حركة العمران على أشدها ووقوعها على ضفاف بحيرة «أزنيك» التي تعد أكبر بحيرة بتركيا إذ يبلغ عمقها أكثر من 80 مترا، وهو ما أتاح لمصانع الخزف فيها الحصول على كميات هائلة من الطمي الجيد لتلبية احتياجاتها. ويرجح أن المدينة اكتسبت اسمها التركي من مصنع حكومي شيد بها لمحاكاة الخزف الصيني يعرف باسم «أزنيق بيري»، وكانت الحكومة تعتمد على الخزافين العاملين به في صناعة البلاطات الخزفية لتكسية الجدران بالمباني الرسمية، وفقا لمقاييسها بمعنى أن المصنع لم يكن يعمل لأغراض تجارية عامة وما لبثت المصانع الخاصة أن نشأت في المدينة التي بلغت أوج ازدهارها في القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة «16-17م». اللون الأزرق ويعود الفضل في تركز صناعة بلاطات الخزف في «أزنيك» للمعمار التركي خوجة سنان الذي كان يصمم ويشرف على بناء المساجد في أرجاء الخلافة العثمانية خلال عصر السلطان سليمان القانوني، إذ كان يعهد دائما لمصنع «أزنيك» الحكومي بعمل بلاطات تكسية الجدران بالمباني التي قام بتشييدها. وصناع الخزف كانت لديهم رؤية خاصة في أعمالهم تنطلق من فلسفة مفادها أن بيوت الله في الأرض، وهي المساجد، ليست سوى بوابة عبور للمصلين باتجاه الجنة الخالدة ومن ثم وجب تزيينها بالورود والأزهار التي يمكن أن يصادفوا ما يفوق جمالها في جنات الفردوس، ولذلك عمد الخزافون إلى جعل البلاطات الخزفية حال اتصال بعضها ببعض كحدائق مزدهرة بالأوراق النباتية والأشجار والورود والأزهار من مختلف الأنواع والأشكال والألوان. ونرى بواكير إنتاج «أزنيك» في تربة أو مدفن السلطان محمد الأول بمدينة بورصة، حين كان الاعتماد الرئيسى على الكتابات النسخية في تزيين البلاطات مع قليل من الرسوم النباتية، ولكن الاتجاه الفني الذي بدا غالبا في تلك البلاطات هو الاعتماد على اللون الأزرق كلون للأرضية، وربما تم ذلك تحت تأثر الرغبة العثمانية في محاكاة الخزف الصيني الذي يعد أجود أنواع الخزف في العالم، ولم تتخل «أزنيك» في منتجاتها عن هذا اللون الأزرق الذي برع الخزافون في استنباط أكثر من درجة منه. الأرابيسك وقد استخدم الخزافون خط الثلث في كتابة سطرين يدوران حول التركيبة ذات الشكل المنشوري، يشير إلى المرقد المتوارى والمضجع المعطر للسلطان الأعظم غياث الدنيا والدين، بينما حضر الخزاف بعض رسوم التوريق العربية أو الأرابيسك في أشكال محاريب تدور حول الجزء الأخير من تركيبة القبر. ولكن مصانع «أزنيك» أخذت تعبر عن شخصيتها المتفردة بدءا من عهد مراد الثاني وبالتحديد في كسوة جدران مسجد السلطان مراد في بورصة «التي انت» حاضرة العثمانيين قبل فتح القسطنطينية. فجدران ودعامات الجامع كسيت حتى بداية أرجل العقود ببلاطات من الخزف يغلب عليها اللونان الأزرق والأبيض، وهي تحتوي على رسوم لعناصر نباتية بأحجام كبيرة قوامها رسوم زهرة السوسن وزهرة الرمان وزهرة الخزامى. ويبدو التأنق الزخرفي والإتقان الصناعي واضحين في تكسية المقرنصات المركبة في جامع السلطان مراد ببلاطات من الخزف صنعت خصيصا لهذا الموضع من الجامع، ولذا فهي من قطع صغيرة متنوعة الأشكال والانحناءات، ورغم ما يستلزمه تركيبها من براعة ودقة فإن الفنان لم يغفل عن زخرفتها برسوم نباتية دقيقة قوامها زهرة الرمان، وعناقيد العنب وبعض أوراق نباتية جاءت كلها باللون الأزرق على أرضية بيضاء قصديرية. الأحمر الطماطمي ونلمح ذات التقليد الأصيل أيضا في كسوة البلاطات الخزفية بجامع رستم باشا الذي شُيد بمدينة اسطنبول في عام 1559م من ناحية الاعتماد على اللون الأزرق للعناصر النباتية المتنوعة، والتي وضعت داخل أشكال هندسية ثمانية الأضلاع مع مراعاة إطلاق الحرية للفنان للتنويع في درجات اللون الأزرق وعدم التقيد بقواعد التكرار المتماثل للعناصر الزخرفية، فجاءت وكأنها عمل عفوي غير نمطي. وبدءا من النصف الثاني من القرن العاشر الهجري «16م» ومع انتشار المصانع التجارية في «أزنيك»، أخذ اللون الأحمر الطماطمي يغزو زخارف الأطباق التي وجدت طريقها للأسواق الأوروبية عبر جزيرة رودس، وهذا اللون الذي يبدو صقيلاً لامعاً وبارزاً فوق الطلاء الزجاجي لتلك الأواني هو عبارة عن طمي نقي من تربة الأناضول. الجمال الفني بيد أن صناعة البلاطات الخزفية للمباني الرسمية ظلت تحافظ على تسيد اللون الأزرق بدرجاته للعناصر النباتية الرشيقة، والتي رسمت على أرضية بيضاء في محاكاة بارعة للخزف الصيني الشهير، وذلك مع مراعاة استخدام فواصل من الزخارف الهندسية والأشرطة الكتابية بهامات أو بدايات الجدران المكسوة بتلك البلاطات. ولم تتوقف إسهامات «أزنيك» في منح العمائر العثمانية طابعا من الجمال الفني عند حدود تغشية الجدران بالبلاطات الخزفية، بل تعدت ذلك لبعض الأدوات التي كانت شائعة الاستخدام في المساجد والقصور وخاصة في أغراض الإضاءة الليلية. ومن أمثلة ذلك شمعدان أو حامل شموع من الخزف يحاكي في هيئته الشماعد المعدنية المملوكية، وقد ازدان بزخارف زرقاء على أرضية بيضاء تحتوي كتابات بالخط الكوفي وخط النسخ فضلا عن زخارف نباتية، وأيضا أشكال مجدولة في محاكاة واضحة للشماعد المعدنية وقد قام الصانع بتركيب قاعدة معدنية بفوهة الشمعدان لتوضع فيها الشموع المستخدمة في الإضاءة. المشكاوات الخزفية من أدوات الإضاءة التي قامت مصانع «أزنيك» بصناعتها المشكاوات الخزفية، وهي تفوق المشكاوات الزجاجية التي اشتهر المماليك بمصر والشام باستخدامها لأغراض الإضاءة الليلية للمساجد، وتحتفظ المتاحف العالمية بعدة نماذج من هذه المشكاوات الخزفية التي كانت تزدان تقليديا بكتابات نسخية من سورة النور، ولكنها في الأمثلة العثمانية كانت تستخدم الخط الكوفي في بعض الأحيان. الزخارف الهندسية من أجمل أمثلة المشكاوات الخزفية التي زودت بها «أزنيك» المساجد العثمانية، مشكاة ذات ثلاثة مقابض كانت تعلق منها بالسلاسل المعدنية، وقد ازدان الجزء الكروي الأسفل فيها بزخارف نباتية رسمت باللون الأزرق على أرضية بيضاء، بينما رسمت الزخارف الهندسية عند العنق وكذا الكتابات الكوفية عند الفوهة المتسعة باللون الأزرق على أرضية بيضاء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©