الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليونان وسؤال الاستفتاء

4 يوليو 2015 00:25
بعد خمسة أشهر صعبة وشاقة من المقترحات والمقترحات المضادة والإهانات والخصومات، باتت لحظة الحقيقة قريبة بالنسبة لعلاقة اليونان المتوترة مع شركائها في منطقة اليورو. وعلى كل الأطراف في هذه الفوضى -الحكومة اليونانية التي انتُخبت في يناير، وترويكا المقرضين الذين أقرضوا تلك الدولة التي تشارف الإفلاس، وحراس مشروع العملة الأوروبية الموحدة- أن يغتنموا هذه المناسبة للمبادرة أخيراً بكيّ الجرح الذي يهدد بتدمير اليورو، لأن أوروبا لا يمكن أن تتحمل ضياع أشهر أخرى منهكة من النقاش بدون اتجاه. ولاشك أن دبلوماسية المفوضية الأوروبية ومسؤوليها عانوا بعض الشيء أمام التعنت اليوناني بسبب الغموض النسبي، فكل أجل يُخلف وكل يورو إضافي يُنفق في دعم البنوك اليونانية المفتقرة للسيولة يجعل من الصعب أكثر معرفة إلى أي مدى ستكون منطقة اليورو مستعدة لاحتواء هذا البلد العضو غير المنضبط. وفي هذه الأثناء، يُحسب أيضاً للحكومة اليونانية أن موقفها كان شفافاً بالكامل، كاشفاً الفصام الذي تعانيه: فهي تريد البقاء في اليورو بدون قبول القيود التي صممها مقرضوها لاقتصادها. ولكن الناخبين اليونانيين، وشريطة أن يسمح رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس بصياغة مباشرة وصريحة في استفتاء الخامس من يوليو (غداً الأحد)، ستتاح لهم فرصة لحل مشكلة حكومتهم من خلال قبول شروط آخر اتفاق حول الإنقاذ المالي والبقاء جزءاً من العملة الموحدة، أو التصويت ضد الإصلاحات الاقتصادية المقترحة والمجازفة بالخروج من منطقة اليورو. وإعلان تسيبراس عن الاستفتاء في عطلة نهاية الأسبوع كان «عدائياً» على نحو ليس غريباً عنه: «أيها المواطنون اليونانيون، إنني أدعوكم لتقرروا -بسيادة وكرامة كما يقتضي التاريخ اليوناني– ما إن كان ينبغي علينا أن نقبل المهلة الابتزازية التي تدعو إلى تقشف صارم ومذل بلا نهاية، وبدون أفق لوقوفنا على رجلينا اجتماعياً ومالياً. علينا أن نرد على السلطوية والتقشف القاسي بالديمقراطية -بشكل هادئ وحاسم. وعلى اليونان، مهد الديمقراطية، أن تبعث برسالة ديمقراطية قوية إلى المجتمع الأوروبي والدولي. وسألتزم شخصياً باحترام نتيجة الاختيار الديمقراطي، كيفما كانت». بيد أن الخيارات المتاحة لا يمكن أن تشمل موقف الحكومة اليونانية الحالي المتناقض المتمثل في «نعم لليورو» ولكن «لا لمزيد من التقشف» إلا إذا قررت أنجيلا ميركل أنها لا تريد أن يسجل التاريخ اسمها باعتبارها المستشارة الألمانية التي شهدت فترة حكمها تمزقاً في المشروع الأوروبي الكبير. وقد تعترف ميركل بالهزيمة وتحرر شيكاً على بياض لحماية اليورو، ولكن ذلك يبدو مستبعداً أيضاً على نحو متزايد. وربما كان تسيبراس ووزير ماليته يانيس فاروفاكيس يأملان أن يرغما مقرضي اليونان على التخلي عن مطالبهم المتعلقة بمزيد من التقشف عبر التهديد ضمنياً بقلب سفينة اليورو برمتها. غير أنه في تلك الحالة ينبغي أن يكون رد فعل الأسواق اليوم على فرض اليونان لقيود على حركة رؤوس الأموال إشارة تحذير قوية، ذلك أن الأسهم الأوروبية لم تنخفض سوى بـ2 في المئة، واليورو تراجعت قيمته بأقل من 1 في المئة. وعليه، فإذا كان تسيبراس يراهن على اضطرابات في الأسواق تؤدي إلى إنقاذه، فإن تلك الاضطرابات كانت بسيطة جداً وقد لا تخيف خصومه وتدفعهم للاستسلام. ومع بداية أزمة اليورو في 2011، كان رئيس الوزراء اليوناني وقتئذ جورج باباندريو قد أعلن عن اعتزامه إجراء استفتاء في نوفمبر، حيث أراد أن يسأل الناخبين عما إن كانوا يوافقون على برنامج التقشف الاقتصادي الذي كان ملزماً بتطبيقه نظير برامج الإنقاذ المالي الأوروبية. غير أن ألمانيا وفرنسا كانتا مصرّتين على أن يتضمن الاستفتاء سؤالاً لليونانيين حول ما إن كانوا يرغبون في الانسحاب من اليورو، فأرجأ باباندريو الفكرة، لأنه لم يكن يرغب في المجازفة وركوب خطر رد فعل قوي مناوئ لليورو يمكن أن يهدد عضوية بلده في العملة الموحدة. واليوم، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الشعب اليوناني سيفضل البقاء في منطقة اليورو وقبول شروط برامج الإنقاذ المالي التي رفضها تسيبراس باسمه. والمؤمل هو أن يشير الاستفتاء المقبل إلى إجماع حول ما إن كان الناخبون يدعمون مقاربته، أو إلى أنهم مستعدون في الواقع للقيام بتضحيات اقتصادية إضافية للبقاء في العملة الموحدة. ولكن الأمر الواضح حتى الآن هو أن الجواب المناسب على استفتاء عطلة نهاية الأسبوع لا يمكن أن يكون الجواب المتناقض الذي يحاول أن يقدمه تسيبراس. مارك جيلبرت* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©