الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علمانية الدولة الفلسطينية

2 فبراير 2010 21:50
حسين إيبش زميل رئيسي بفريق العمل الأميركي من أجل فلسطين في الوقت الذي يضغط فيه الفلسطينيون على المجتمع الدولي لتحقيق التزاماته بضمان إنشاء دولة فلسطين المستقلة إلى جانب إسرائيل، يشتد النقاش، حول طبيعة الدولة الجديدة. ويتوجب على الفلسطينيين أن يخالفوا التوجه الإقليمي السائد حول السياسات الدينية، وأن يضمنوا منذ البداية إنشاء دولة علمانية بشكل حازم لا تراجع عنه. ليس هناك من تساؤل بأن الفلسطينيين هم، بشكل عام، شعب محافظ متديّن. إلا أن هذا يشكل سبباً أكبر لاعتناق شكل علماني من أشكال الحكم. لا تعني الحكومة العلمانية الإلحاد الرسمي أو مهاجمة المعتقدات والمؤسسات الدينية أو العداء تجاه الإيمان الديني والممارسة الدينية، وإنما تعني الحياد التام للدولة في الشؤون الدينية، وبالتالي الحفاظ على الحريات الدينية لكافة المواطنين. وهي تعني حرية جميع الطوائف الدينية من تدخّل الدولة، وكذلك حرية الدولة من سيطرة أية سلطة دينية. يعتبر المجتمع الفلسطيني مجتمعاً متغاير الخواص بشكل بارز. هناك نسبة عالية من المسيحيين من طوائف مختلفة، لعبوا دوراً رئيسياً في الحركة الوطنية وفي المجتمع بشكل عام. وسوف تعمل أية محاولة لإنشاء هيكل حكومي يرتكز على المبادئ الدينية الإسلامية من حيث المبدأ على تهميش الفلسطينيين المسيحيين، إن لم يكن التمييز ضدهم أواستثناءهم. أعرب العديد من القادة الفلسطينيين عن استعدادهم السماح للمستوطنين الإسرائيليين اليهود الذين يرغبون بالبقاء في فلسطين والالتزام بقوانين الدولة الجديدة أن يفعلوا ذلك. وهذا يثير احتمالات وجود أقلية يهودية في فلسطين كذلك. ومن المحتمل أن تصر إسرائيل، وليس فلسطين، على إخلاء كامل المستوطنات، بسبب الصعوبات التي ستبرز أمام أية حكومة إسرائيلية في حال بقاء يهود أو إسرائيليين في الدولة الفلسطينية الجديدة ومواجهتهم لأية صعوبات ذات أهمية. إلا أن استعداد القادة الفلسطينيين احتضان أقلية يهودية كمواطنين أو مقيمين على قدم المساواة تحت القانون يشكل مبدأ مهماً يجب الحفاظ عليه. سوف تكون الحكومة العلمانية بالطبع أساسية في توفير معاملة متساوية للمسيحيين الفلسطينيين، بل وحتى الأقليات اليهودية تحت القانون، ووصول متساو إلى كافة حقوق ومكتسبات المواطَنة. تشكل العديد من دول الشرق الأوسط، أمثلة يجب عدم تكرارها في التعامل الاجتماعي والوضع السياسي للأقليات الدينية، حتى عندما تتوفر الحريات الدينية رسمياً. هناك تنوع مهم حتى داخل المجتمع الإسلامي الفلسطيني، يتراوح المسلمون الفلسطينيون في تبعيتهم بين العلمانيين سياسياً والمتشددين دينياً، إلى الإسلاميين (وفي بعض الحالات الإسلاميين المتطرفين)، إلى المسلمين غير الراغبين في ممارسة شعائر دينهم. هناك كذلك مجموعات مهمة من الملحدين واللاأدريين في كل من الجاليتين الفلسطينيتين المسلمة والمسيحية. شكلت القيم العلمانية تاريخياً سمة رئيسية للحركة الوطنية الفلسطينية، والتوجه الحديث نحو إعادة تعريفها بتعابير دينية، جاء معاكساً بشكل كامل. كان لتكثيف الطروحات الدينية، تصاحبها مستويات متزايدة من التشدد المسلّح والعنف أثناء الانتفاضة الثانية، وبدفع من الإسلاميين بشكل رئيسي، وعلى رأسهم "حماس"، وبمشاركة من الوطنيين الذين سعوا لعدم تهميشهم في مجال الشرعية الدينية، نتائج كارثية على الحركة الوطنية الفلسطينية.. لقد أوصينا في "فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين"، ومنذ فترة طويلة بأن تكون الدولة الفلسطينية ديمقراطية وتعددية، منزوعة السلاح وحيادية في النزاعات. وبالطبع، حتى تكون الدولة تعددية بشكل صحيح لا يمكن أن تسيطر عليها وجهة نظر دينية واحدة، وإنما يجب أن تسمح بأوسع مجال ممكن من التعبير عن التنوع الديني. تعتبر جميع المجتمعات متغايرة الخواص فيما يتعلق بالإيمان، وهذا هو الوضع الواضح في المجتمع الفلسطيني. وهذا واحد من أسباب كون الحركة الوطنية الفلسطينية تاريخياً علمانية سياسياً رغم الطبيعة الورعة دينياً لمعظم المجتمع الفلسطيني. يتعرّض المبدأ لتهديد خطير نتيجة لتنامي السياسة الدينية، ولكن يجب الدفاع عنه بعزم وتصميم. يجب أن تمثل أية دولة تستحق النضال من أجل إنشائها، جميع مواطنيها بشكل متساوٍ، ويتطلب هذا إنشاء فلسطين تكون فيها الدولة حيادية في القضايا الدينية، أي أن تكون حكومة علمانية. ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©