السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدروس الخصوصية « غول» يلتهم ميزانية الأسر السورية

الدروس الخصوصية « غول» يلتهم ميزانية الأسر السورية
2 فبراير 2010 21:48
يلاحظ في سوريا أنه بعد أن كانت الدروس الخاصة حكراً على طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، فقد انسحبت لتشمل طلاب المرحلة الابتدائية في جميع المواد، ولا سيما اللغة الأجنبية، ما يطرح أسئلة حول دور المدرسة في التعليم، وعما إذا كانت مهنة التدريس قد تحولت إلى تجارة، نتيجة للضائقة المعاشية للمعلمين، كما يطرح أسئلة حول مدى الحاجة الحقيقية للدروس الخصوصية بالنسبة للطلاب، في ضوء أن غالبية المتفوقين في الشهادتين الإعدادية والثانوية لم يتلقوا أي دروس خصوصية. تفرد الصحف الإعلانية السورية الخاصة ساحات لنشر إعلانات لمدرسين يعرضون تقديم خدمات الدروس الخاصة للطلاب، بدءا من مرحلة التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي) وصولاً إلى الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي. وثمة معلم يقدم الحصة الأولى مجاناً، وثمة آخر يقدم الحصة الرابعة مجاناً بعد ثلاث حصص مدفوعة على مبدأ ادفع لثلاث واحصل على الرابعة مجاناً ما حول التعليم إلى سلعة خاضعة للعرض والطلب والترويج والترغيب عبر الإعلانات المبوبة، ولا شك أن كثافة الإعلانات التي تروّج للدروس الخصوصية تقدم دليلاً إضافياً على أن هذه الدروس أصبحت سوقاً رائجة في سوريا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مدرسين مشهورين لا يعلنون عن أنفسهم وهم الغالبية، لأن أوقاتهم مملوءة بالحصص الخاصة وبأسعار قياسية. سوق تجاري يتفق معنيون بالشأن التعليمي على أن ظاهرة الدروس الخصوصية حولت التعليم إلى سوق تجاري كبير زبائنه هم عشرات الآلاف من الأسر السورية الغنية والفقيرة على حد سواء، وقد أصبح هذا السوق موازياً ومنافساً للمدارس الحكومية، بل إنه أضعف هيبتها واحترامها لدى الطلاب وأولياء أمورهم على حد سواء، حيث يوجه هؤلاء الاتهامات للمدرسة الحكومية بالعجز عن تعليم الطلاب. تقول سامية، وهي والدة لطالب في الثانوية إن ابنها يعجز عن فهم الدروس نظراً لازدحام الفصل، ولسرعة المدرس في إلقاء الدرس، وعدم إكماله لكل ما فيه من تفاصيل، لأن عدد الطلاب في الفصل الواحد كبير ويصل إلى خمسين طالباً. ويقول المحامي عدنان أحمد، وهو أب لطالبين في الثانوية، إن هناك ضعفاً في العملية التعليمية داخل المدارس الحكومية نتيجة عدم كفاءة بعض المدرسين، وعدم اهتمام بعضهم الآخر، كما أن الوقت المخصص للحصة المدرسية قصير وضيق قياساً إلى حجم المادة العلمية الكبير وعدد الطلاب الكثير. ويشير إلى أنه يضطر إلى الاستعانة بمدرسين خصوصيين لتعليم ولديّ وتقويتهما كي يحصلا على علامات جيدة جداً تمكنهما من دخول فرع محترم في الجامعة. ويقول عبد الرحمن، وهو موظف جامعي إن اجتياز امتحانات الشهادة الثانوية أصبح يشكل كابوسا للأهالي، ويقول:” رغم أن راتبي لا يكفي لإعالة أسرتي، إلا أنني مضطر للاستدانة، وجلب مدرسات خصوصيات لابنتي الكبرى كي تحصل على علامات ممتازة كي تدخل كلية الصيدلة في الجامعة، وهو أمر لا يتاح لها إلا إذا حصلت على درجات شبه تامة في امتحانات الثانوية”. أما ممدوح إسماعيل وهو تاجر ألبسة، فيرى أن صعوبة امتحانات الثانوية ورفع درجات القبول الجامعي هما اللتان خلقتا سوقاً سوداء للتعليم عبر الدروس الخصوصية، مشيرا إلى أنه مجبر على التعامل مع هذا السوق كي يضمن مستقبل ابنه الذي يحلم بدخول كلية الطب. تكاليف باهظة بعد أن ذاق مدرسو الحصص الخصوصية طعم المال، فإنهم يبرعون في أساليب جمعه، فبعض المدرسين المشهورين في أوساط الطلبة يتقاضون مبلغاً يتراوح بين الألفين والخمسة آلاف ليرة عن حصة واحدة مدتها ساعة. وبعضهم يضع ساعته على الطاولة، وحين تشير عقاربها إلى انقضاء الوقت يحزم كتبه وأوراقه ويغادر إلى حصة أخرى. أما المدرسون غير المشهورين فإن أجرة الحصة الخصوصية عندهم تتراوح بين (300) و(500) ليرة سورية، وذلك حسب المادة وحسب المرحلة الدراسية، فكلفة تعليم تلميذ ابتدائي تختلف عن تلميذ في الإعدادية أو آخر في الثانوية، ويصل تعهد طالب واحد لمادة درسية واحدة طوال العام الدراسي ولعدد غير محدد من الحصص إلى ربع مليون ليرة سورية. وبالتالي فقد تصل كلفة الدروس الخصوصية لطالب في الشهادة الثانوية إلى حوالي نصف مليون ليرة سورية إذا كانت أسرته مقتدرة وقبلت بذلك. وهذه المبالغ قياساً لمستوى الأجور والرواتب في سوريا تعتبر “خيالية”. وتقول أم حسين وهي والدة طالبة في الثانوية وزوجة طبيب:لقد دفعت كلفة الدروس الخصوصية لابنتي حوالي 400 ألف ليرة سورية، منها 200 ألف ليرة لمدرس الرياضيات، حتى ضمنت نجاحها وحصولها على علامات مرتفعة، جعلتها تقبل في كلية طب الاسنان. ويقول أحمد سليم صاحب معمل:”إنني أدفع بسخاء لتعليم ولدي الوحيد، وهو في الصف النهائي من مرحلة التعليم الأساسي كي أكفل له النجاح والانتقال إلى المرحلة الثانوية العلمية. وأنا أشعر أن ذهابه إلى المدرسة هو هدر للوقت طالما أنه لا يتعلم هناك شيئاً”. وثمة أسلوب آخر يلجأ إليه مدرسو الحصص الخصوصية، فهم ينظمون دورات لمدة شهرين لمجموعة من الطلاب لا يتجاوز عددهم العشرة، ويدفع كل طالب حوالي (4000) ليرة سورية لقاء اشتراكه في هذه الدورة التي تقام في بيت المدرس. كذلك هناك دورات مكثفة لمدة أسبوعين لقاء (3000) ليرة لكل طالب. أما الدورة الأهم فهي الجلسة الامتحانية التي يعقدها المدرس الخصوصي لطلابه الخصوصيين قبل الامتحان بأيام، حيث تتضمن بروفة للامتحان، والأسئلة المتوقعة، وتوصيات في كيفية الإجابة. محاولات للمعالجة تعترف المدرسة سناء فوزي بأن الدروس الخصوصية واقع، وتضيف:”بعض الزملاء أصابهم الجشع وسيطر عليهم، ولم تعد العملية بالنسبة لهم عملية تعليم، بل عملية تجميع للمال”. وتسهب سناء في ذكر الآثار السلبية للدروس الخصوصية، فهي تعود الطالب على الاتكالية، وتجعله يهمل واجباته في المدرسة، كما أنها ترهق المدرس الذي يتحول إلى مكّوك ينتقل من شقة إلى أخرى، ما يرهقه ويجعله عاجزاً عن أداء مهامه في تدريس طلابه في المدرسة الحكومية. ويتحدث المدرس غسان وهو موجه تربوي اختصاصي متقاعد عن الآثار السلبية للدروس الخصوصية، ويرى أن المسألة تحولت إلى سوق يسيطر عليها الجشع، ويذكر أن وزارة التربية تحاول تحديث المناهج وتدريب المدرسين وتأهيلهم، وخلق الحوافز لهم كي يقوموا بمسؤوليات التعليم. كما أنها افتتحت قناة تربوية تلفزيونية لرفد العملية التعليمية، فضلاً عن تشجيعها لإقامة دورات تقوية مجانية في المدارس خارج أوقات الدوام. لكن غسان يرى أن كل هذه الإجراءات لم تستطع أن تحد من تفشي الدروس الخصوصية التي تحولت إلى “غول” يفتك بالأسر الفقيرة، ويهيمن على أبنائها. ويقترح أن يعاد النظر في المناهج، وفي إعداد المدرسين، وفي عدد الطلاب في كل فصل، كما يقترح تغيير أسس القبول الجامعي لأنها هي التي تشجع على قيام السوق السوداء للتعليم.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©