الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدولة الفلسطينية ومفارقة السياسة الإسرائيلية

1 يناير 2013 23:20
يوري درومي محلل سياسي أميركي يصاب الناس ممن لديهم فكرة ما عن إسرائيل والإسرائيليين، بالحيرة جراء مفارقة يمكن التعبير عنها من خلال السؤال: كيف يمكن لدولة يفترض أنها «حديثة العهد» أن تكون على هذا القدر الزائد من التحفظ، عندما يتعلق الأمر بصنع السلام مع الفلسطينيين؟ في الآونة الأخيرة عبّر العالم من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعبارات واضحة لا لبس فيها، عن دعمه للدولة الفلسطينية؛ ولكن إسرائيل التي عارضت تلك الخطوة من جانب المنظمة الأممية، نجحت بالتعاون مع حليفها الثابت- الولايات المتحدة- في حشد حفنة من الدول الصغيرة للانضمام إليها في موقفها الرافض للقرار. وكان اللافت للنظر أن نتنياهو، الرجل الذي وقف ليشجب قرار الأمم المتحدة في هذا الشأن، كان هو ذاته الرجل الذي أعلن في كلمة له أمام جامعة «بار إيلان» عام 2009 موافقته على إنشاء الدولة الفلسطينية. الأكثر من ذلك أن الإسرائيليين ومن خلال استطلاعات رأي متتالية كانوا يعبرون دوماً عن تأييدهم لحل الدولتين، ومع ذلك رأيناهم في أقل من شهر يصوتون لأحزاب تقف ضد هذه الفكرة من الأساس. إن الإسرائيليين على ما يبدو يعبرون عن رأيهم في رغبتهم في إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام إلى جوار إسرائيل، وفي الوقت نفسه يقومون بانتخاب حزب «يميني» متطرف لسدة السلطة كي يقوم بإنشاء المزيد من المستوطنات التي تجعل من إقامة الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلا. كيف يمكننا تفسير هذه المفارقة؟ الإجابة على ما يبدو كامنة في الحمض النووي للإسرائيليين. فالإسرائيليون كما هو معروف يتعلمون التجارب بثمن باهظ منذ طفولتهم المبكرة، وهو ما يرجع لأن الكثير مما هو محيط بهم معرض للمخاطر. وهم يؤمنون بأن قضيتهم ذات طبيعة خاصة، ولا يمكن مقارنتها مع أي قضية أخرى. للتدليل على صحة إيمانهم ذلك نسمع مثقفيهم يقولون إن فرنسا قد تعرضت للهجوم من قبل الألمان ثلاث مرات خلال سبعة عقود؛ ومع ذلك فإن الشعب الفرنسي في أحلك اللحظات التي مرت به، لم يرد على باله أبداً أن بلاده قد ضاعت إلى الأبد، وهو ما حدث بالفعل في الواقع عندما تحررت من أيدي النازيين على أيدي قوات التحالف عام 1944 في الوقت نفسه الذي تحول فيه الاحتلال النازي الكئيب لها، إلى مجرد فصل آخر من فصول التاريخ. الأمر ليس على هذا النحو مع إسرائيل- هكذا يقولون- لأن كل فرد من شعبها يدرك في قرارة نفسه - وبصرف النظر عن كل ما يقال عن المحرقة- أنه لا يتمتع برفاهية المقامرة على المستقبل، وأن قراراً واحداً خاطئاً، يمكن أن يكون حكماً بالفناء الأبدي على المشروع الصهيوني برمته- ولا شيء أقل من ذلك. هل يعتبر هذا الكلام من قبيل المبالغة الصارخة؟ أم أنه مجرد بارانويا؟ هل يمكن لدولة فلسطينية صغيرة، منزوعة السلاح أن تمثل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل القوية المسلحة حتى أسنانها؟ الإسرائيليون لا يعرفون الإجابة اليقينية عن هذه الأسئلة ومثلها، وكل ما هنالك هو أنه لديهم شكوكهم، وعندما يكونون في شك فإنهم يفضلون التشبث بسلاحهم. وهم يرون أن التهديد الذي يواجههم ليس تهديداً عسكرياً فحسب، وأن إنشاء دولة فلسطينية على الحدود التي كانت قائمة قبل حرب عام 67 ليس سوى مقدمة للمزيد من الطلبات الفلسطينية بالعودة إلى يافا وحيفا قبل حرب عام 1948، وإغراق إسرائيل بملايين اللاجئين وهو ما يعني نهاية الدولة اليهودية باختصار. من هذا المنظور يمكن القول إن الإسرائيليين يكتفون بالحديث عن فكرة الدولة الفلسطينية نظرياً في الوقت الذي يقومون فيه بتقويضها عملياً. ولكن مما يحسب لهم مع ذلك أن الواقع والتجربة قد علماهم بعض الدروس المؤلمة. ففي عام 2005 على سبيل المثال، انسحب الإسرائيليون من غزة على أمل أنه بمجرد أن يشعر الفلسطينيون بأنهم قد باتوا أحراراً في حكم أنفسهم، فإنهم سيبدأون في وضع أسس الدولة الفلسطينية التي يمكن أن تعيش في سلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل؛ فضلا عن أن أحوالهم ستزدهر بسبب ما تنطوي عليه المنطقة من إمكانيات اقتصادية واعدة. ولكن ما حدث بدلا من ذلك، هو أن إسرائيل تعرضت لوابل من الصواريخ الفلسطينية على مدنها الجنوبية. وهذا جعل الإسرائيليين يتخوفون من احتمال أن تنهال الصواريخ على مدينة القدس لو أقيمت دولة فلسطينية في الضفة الغربية؟ من هنا يمكن لنا أن نفهم سبب تردد وتذبذب موقف الإسرائيليين بشأن الدولة الفلسطينية. فهم يُنظّرون ويطرحون الفرضيات بشأن الدولة الفلسطينية، بل ويذهبون إلى حد الموافقة عليها من حيث المبدأ، ولكن الذي يحدث في يوم الانتخابات عندما يتعلق الأمر بالقرارات الصعبة، وعندما يشعرون بأن هذه الدولة لو أقيمت فإنها يمكن أن تهدد مستقبلهم، هو أنهم يرفضونها غريزياً. والإشكالية هنا تكمن في أن امتناع الإسرائيليين عن تأييد الدولة الفلسطينية يمثل في حد ذاته مقامرة أكثر خطورة على مستقبلهم: ففي يوم من الأيام في المستقبل، سيصبح عدد العرب في المساحة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط أكبر من عدد اليهود. وإذا لم تكن هناك دولة فلسطينية قد نشأت كي تقوم باستيعاب الطموحات القومية للعرب، وتقبل بعض اللاجئين فسوف لن تكون هناك سوى دولة واحدة هي إسرائيل التي لا بد في هذه الحالة من أن تفقد هويتها، أو تتوقف عن أن تكون ديمقراطية- أيهما أسوأ. وإذا ما افترضنا أن نتنياهو سيعاد انتخابه كرئيس للوزراء، فإنه سيتعين علينا في هذه الحالة الانتظار كي نرى ما إذا كان سيختار العمل على تعزيز آمال الإسرائيليين أم تضخيم مخاوفهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©