الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيطاليا.. مابعد الاستفتاء

14 ديسمبر 2016 23:12
جاء «ماتيو رينزي» إلى السلطة واعداً بأن يغير إيطاليا أو يغير عمله. ويوم الأحد قبل الماضي، حسم الإيطاليون أمرهم ورفضوا الإصلاح الدستوري الذي راهن عليه «رينزي» بكل شيء. ومن المغري أن نرسم خطاً يمتد من استفتاء يونيو الماضي الذي اختار فيه البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى انتخاب دونالد ترامب، وصولاً إلى الاستفتاء الإيطالي الذي قضى على حكومة «رينزي» وآماله في تغيير السياسة في إيطاليا. ففي كل واقعة من هذه الوقائع فاز الشعبويون ووُجهت سلطة مؤسسات الحكم بالرفض. والجانب الشعبوي يروقه قصة الربط بين الخروج البريطاني وفوز ترامب واستفتاء إيطاليا. وكتبت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي اليميني المتشدد تغريدة على تويتر، مساء يوم الأحد الماضي، قالت فيها إن «الإيطاليين تنكروا للاتحاد الأوروبي ورينزي». لكن «لوبان» أصابت نصف الحقيقة فحسب. فالإيطاليون يؤيدون الاتحاد الأوروبي واليورو رغم أن قوة المعارضة الأساسية وهي «حركة خمس نجوم» تريد الانسحاب من العملة الموحدة. وعلى خلاف الأميركيين الذين صوتوا لصالح ترامب، صوت الإيطاليون لصالح النظام السياسي القائم. وأصابت «لوبان» حين حملت «رينزي» مسؤولية الخسارة. لأن رينزي جعل التصويت صراحة استفتاء على قيادته. لقد كان «رينزي» ذات يوم شخصاً من خارج مؤسسات الحكم يحظى بشعبية. وتجلت فيه سمات الإصلاح والقبول الشعبي حين كان رئيساً لبلدية فلورنسا، وأصبح أصغر رؤساء إيطاليا سناً حين تولى المنصب وهو في التاسعة والثلاثين. وما إن تولى السلطة حتى أدخل تعديلات على النظام الانتخابي، وجعل توظيف العمال وطردهم أسهل على أصحاب العمل من خلال قانون للعمل استبسل في الدفاع عنه. وكان هدفه النهائي هو تغيير الهيكل الدستوري الذي اعتقد «رينزي» أنه المسؤول عن كثير من عراقيل الحكم. وقد كان مقترحه الأساسي هو تقليص حجم مجلس الشيوخ وإضعاف سلطاته وتغيير تركيبته. لكن الاقتصاد الإيطالي لم ينم تقريباً، وتفاقمت الأزمة المصرفية. وتزايد سخط الشباب الإيطالي الذي أصبحت نسبة البطالة فيه هي الأعلى بين شباب أوروبا لتصل إلى 37 في المئة. وبلغ التأييد لإصلاحات رينزي في الفئة العمرية بين 18 و34 عاماً أقل نسبة بين الفئات العمرية الأخرى في استطلاعات رأي سابقة على الاستفتاء. وحين أصبح رينزي رئيساً للوزراء بلغت معدلات التأييد له 74 في المئة، وبعد ذلك بعام لم تزد نسبة التأييد له على 35 في المئة إلا قليلاً. وتراجع الدعم للاستفتاء على التعديلات الدستورية مع تراجع الدعم لشخصه. ومع ركود اقتصاد إيطاليا وتفاقم أزمتها المصرفية أصبح رينزي يُنظر إليه باعتباره أقل شبهاً بالإصلاحيين وأكثر شبهاً بحال الزعماء الذين اعتادت إيطاليا عليهم في فترة ما بعد الحرب، أي زعيم غير فاعل منهمك في صراعات لحكومة ضعيفة في برلمان منقسم. وإصلاحاته الدستورية كانت سيئة الصياغة ومربكة لكثيرين. وكان هناك ما يثير القلق من أن إصلاحات «رينزي» الانتخابية تعطي الحكومة سلطة كبيرة للغاية. وهذا في الواقع هو ربما ما تحتاج إيطاليا إليه، أي نظام أقرب شبهاً ببريطانيا أو ألمانيا. ورأى البعض في الإصلاحات تنغيصاً لنظام متناغم يعمل بالفعل. فقد اعتاد الإيطاليون على الحياة اليومية ذات الجرائم الصغيرة والوسائل المختلفة التي يجري فيها الالتفاف في الغالب بطريقة ملغزة على القواعد أو تفاديها لإنجاز ما يريدونه. وتهديد رينزي لبيئة النظام وضعه في مواجهة كثير من مؤسسات الحكم الإيطالية. أما انتصار حركة خمس نجوم الشعبوية فهو يشترك في بعض التشابهات الواضحة مع الجانب الفائز في الاستفتاء البريطاني وفي انتصار ترامب. وفي كل واحدة من هذه التطورات، كان هناك زعيم شعبوي خارج على الأعراف ومن خارج النظام السياسي السائد مثل نايجل فاراج في بريطانيا وترامب في أميركا والممثل الكوميدي بيبي جريلو في إيطاليا. وجميعهم شن حملات استخدمت الأكاذيب باعتبارها حقائق. وبعد إعلان النتائج اتهم «رينزي» الزعماء السياسيين في إيطاليا بأن الإصلاح لا يعنيهم. وأضاف «أنهم لا يغيرون عاداتهم ولن يغيروا أبداً مقاعدهم». لكن توضح النتائج أيضاً أن رينزي حصل على 40 في المئة في التصويت الذي حظي بنسبة إقبال مرتفعة من الناخبين رغم أن كل حزب كبير كان ضده، وكان هناك عدد كبير أعضاء حزبه يعارضون إصلاحاته أو يتقاعسون عن دعمها. وهذه أقلية كبيرة يمكنها تحقيق تغيير ملموس وإن تجاهلتها الحكومة التالية فليس من صالحها. وعلى خلاف التصويت بالخروج البريطاني من التكتل الأوروبي والانتخابات الرئاسية الأميركية، فكل من التصويت بنعم أو لا في إيطاليا كان من أجل تغيير النظام، والخلاف كان في الطريقة التي يُعرف بها كل جانب واقع الحال الراهن الذي يريد تغييره. *محللة سياسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©