الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

­­لِمَ توسَّدَ الفُراقُ مَضاجِعَ السَعادَةْ ؟

6 يوليو 2011 20:11
عدتُ أجرجر أطرافَ الذكريات، واجمع الماضي وأنثره. أواهُ أهذا هو ذاتهُ المكان؟ أهذا البيتُ والسَكن؟ جنتي أين الملائكة؟ أين صوتُ قهقهة الزوايا والحجر؟ أظنُ أن إشراقةَ الحياة هنا قد أفلتْ وكساها الهجرُ وجوماً، البسمةُ من وجعٍ كبت، والضحكةُ وقعت تكسرتْ فتلاشت. كان أبي ينتصبُ هناك، وأمي في أحشاء الطوبِ زرعت هنا صرخاتها. لجدتي جناحُ حكايات تطير به وإيانا للسماء، ولجدي أساطير وملاحم غرستْ فينا العزة والولاء. لم جثمَ المستقبل على صدرِ الذكريات؟ ولم توسد الفراق مضاجع السعادة؟ لم تصدعت بسماتنا على جدران الذكريات، ولِم هَرمِنا في عالمٍ لا يعرف المشيب؟ بالله عليكِ أيتها النافذة أخبريني، أبعد الوئامِ تنكريني؟ يا شجيراتِ الحنان الشامخات لا تشيّعنَ جثمان فرحتي، فقد جئتُ لهنا تحملني أشواقي، أسابق الرياح وأسير على عجل حاملاً بينَ كفيَّ فرحة اللقاء، وأجمعُ في طياتِ المقل دمعَ الحنين وكأني غيثٌ على وشكِ السقوط، أخبرنَ هذه الزوايا أنكن تعرفنني، تتذكرنني ولا تجهلنني. جدولُ الماضي، أرجوكَ أصغِ لخرير أوجاعِ الغربةِ وأنينها، جسدُ ذكرياتنا الحسناء، أصغِ لنبضاتِ قلبي الملهوف المتكسرة، يا نفسُ تَرجلي وحاولي إغواء فاتنة الذكريات، علّها تقترب فتتجرع خَمر الألم، فتسكَرُ فنسلبُ قلبها ونضمه وسطَ عوج الضلوع فتصير جزءً يعاود النبض من جديد، معيداً لروحٍ فاجرة الذكريات والحنين! ولعلّها تعبث بنظامِ دقاتِ القلب الأزلي جاعلةً إياهُ لا يتركُ الماضي الطاهر وإن جرتهُ مباهج المدينة لبراثنها. أسوار الغناء، عناقيدنا الغنّاء، لِم تزيدين غربتي في الأنحاء؟ بسمة اللقاء تخفَّت خوفاً من تعسفِ الأماكن، قرارٌ أهوج ذلك الذي اتخَذَته، لِم تعاقبنا على تركنا إياها برغمِ عودتنا مُثقلين بالشوق والحبِ والحنين؟ لِم جعلتْ بيني وبين الدفء فجٌ عميق؟ ولِم عاتبت عينيَّ حين بكيت على الجدار العتيق؟ تحطمت سعادةُ العودة وغدت هشيماً تذروه الرياح، والماضي جرحٌ غائر مضمد بالألم يشكو للحاضر كثر الجراح، غدا الغد وراح، وأخذ بيد قرينته الأفراح. شجرةُ اللوز عانقيني، فقد كنتِ دوماً مع أذيالِ همي تحتويني، صَبا العشيةِ هدئي من روعكْ، فالماضي الذي قطعتُ وريد الحياة لأنني أصبو إليه في طوعك، ربما قسونا حد موت الإحساس، ولكن الفؤاد وثب على الحاضر، وثب، وثب، وثبَ فاتأد، وأعادنا معه لمرقدِ الأحلام، فإذا به قد اندثر، أواه كيف سلبنا الطمع في الرغد والبذخ غصباً الوفاء، وغرتنا أنوار المدينة لنهلثَ خلف سرابها متناسين الانتماء، عدنا، وحين عدنا، عدنا كالأغراب، كهؤلاء الذين تكفهر أبواب الدار في وجههم، ربما أشفينا غليل الشوق الذي يشتعل شاوياً إيانا شياً، كان مؤلماً أن نشفيه بما يجلب الوجع الأعظم، ها هو هناك، محيا الذكرى تتراقص على حافةِ الاندثار وجعاً. يا نفس لملي جعبتكِ والأمتعة، وانثري رغبةَ اللقاء وشهوتكِ له بعيداً، عودي يا نفس بخفي حُنين، فوالله لو أستطيع حمل مهاوي الردى في راحتي، لأهديته لقلوبِ الجاحدين مثلي مع جزيل الأسفِ، يا نفس هيا تأهبي للعبور حيث ضفةُ الحياة الأخرى. جيوش الذكريات وحشودها فلتتنحي، نريد أن نفرد أجنحتنا ونطير حيثُ أتينا، لا موسمَ هجرة في هذا الشتاء، لا هروب حيث الدفء، بل عودةٌ نحو الدخان والصقيع. آمنتُ أن كل شيء قد غدا ذكرى خالدة موشومة في واقع مخزي ومريب يبثنا رعباً، لكن لابد أن نعود هنا، لابد أن نعود أجساداً تعمر الدمار والحطام، أم أرواحاً تنوخ في كل الزوايا مستذكرةً الغرام والوئام. من المؤكد أننا سنعود، في يومٍ من الأيام سوف نعود. لا أدري متى أيها القدر لا تسأل، قد قدتني إلى هنا ووحدكَ من تعلم متى سنعود، متى سنعود، كيف ولِم، هذا أوانكَ لتجيب ليس لي، زمني هنا التماعته انطفت، لكن من المؤكد أننا سنعود، متى؟ هلَم أيها الزمن وأجب!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©