الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن العروبة.. الحاضر والمستقبل

عن العروبة.. الحاضر والمستقبل
6 يوليو 2011 20:05
في كتابه الصادر مطلع هذا العام بعنوان “الفكر والأسلوب في مسألة العروبة”، يطرح مدير مركز الحوار العربي في واشنطن صبحي غندور، مؤلفه كمساهمة متواضعة في الدعوة لإطلاق نهضة عربية جديدة تُصحّح ما هو سائد في البلاد العربية من مفاهيم خاطئة وأوضاع فاسدة وانقسامات مفتعلة بين أطياف الأمَّة الواحدة وحتّى الوطن الواحد. ويستدرك بأن العام 2011 بدأ بحركات تغيير عربية شبابية تجاوزت كلَّ ما هو موجود من حكومات ومعارضات لتؤكّد حيويّة الأمَّة العربية، خاصّةً جيلها الجديد الذي له الآن شرف إطلاق شرارة النهضة المنشودة. وعلى ضوء ذلك، يقدم المؤلف في كتابه، وقفة خاصة عند دور الجيل العربي الجديد وكذلك عند ضرورة التلازم بين عناصر (الفكر والأسلوب والقيادة) لنجاح أي حركة تغيير في المجتمعات. ويعبّر عن حتمية التغيير بالقول: “يخطئ من يعتقد أنَّ الواقع السّيئ في المنطقة العربيّة هو حالة مزمنة غير قابلة للتغيير. فقانون التطوّر الإنساني يفرض حتميّة التغيير عاجلاً أم آجلاً. لكن ذلك لن يحدث تلقائيّاً لمجرّد الحاجة للتغيير نحو الأفضل والأحسن، بل إنّ عدم تدخّل الإرادة الإنسانيّة لإحداث التغيير المنشود قد يدفع إلى متغيّرات أشدّ سلبيّة من الواقع المرفوض”. ووفق هذه الرؤية فإن التغيير حاصل بفعل التراكمات المتلاحقة للأحداث كمّاً ونوعاً في المجتمعات العربيّة، لكن السؤال المركزي هو: التغيير في أي اتجاه؟ هل نحو مزيدٍ من السوء والتدهور والانقسام أم سيكون التغيير استجابةً لحاجات ومتطلّبات بناء مجتمع عربي أفضل؟! وهنا تبرز المراهنة على الأجيال الشّابة ودورها الفاعل في صناعة المستقبل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أيُّ جيل جديد هو الذّي نأمل منه إحداث التغيير؟ ويجيب صبحي غندور عن السؤال بالقول: “إنَّ “الجيل القديم” في أي مجتمع هو بمثابة خزّان المعرفة والخبرة الذي منه يستقي “الجيل الجديد” ما يحتاجه من فكر يؤطّر حركته ويرشد عمله. فيصبح “الجيل القديم” مسؤولاً عن صياغة “الفكر” بينما يتولّى “الجيل الجديد” صناعة “العمل والحركة” لتنفيذ الأهداف المرجوّة. وهنا يظهر التلازم الحتمي بين الفكر والحركة في أي عمليّة تغيير، كما تتّضح أيضاً المسؤوليّة المشتركة للأجيال المختلفة. فلا “الجيل القديم” معفيّ من مسؤوليّة المستقبل ولا “الجيل الجديد” براء من مسؤوليّة الحاضر. كلاهما معاً يتحمّلان مسؤوليّة مشتركة عن الحاضر والمستقبل معاً. وبمقدار الضّخ الصحيح والسليم للأفكار، تكون الحركة صحيحة وسليمة من قبل الجيل الجديد نحو مستقبل أفضل”. ويتوسل المؤلف في كتابه العلم والتحليل للبرهان على الطريق الخاص للعروبة الحضارية اكد في متنه ونبضه ان لا مجال بعد اليوم للتساهل مع أولئك الذين يدّعون الإيمان بالعروبة ويمارسون على شعوبهم سياسات القهر والقمع والإلحاق. فالعروبة الصحيحة، بنظر الكاتب، هي العروبة الديمقراطية الجامعة التي تتجسد فيها القيم الإنسانية الخالدة وتشرق فيها التقاليد الاجتماعية السامية، حيث للحرية المكانة الأولى وحيث لحقوق الإنسان مهابة، وحيث الشرف والنخوة والشجاعة هي المرجعيات التي تتربى عليها الفتية وتتغنى بها المجالس ويموت في سبيلها الكبار. ويتبنى المؤلف موقفاً طرحه دعاة القومية العربية الواثقون من فكرهم المعتزون بتراثهم عندما أكدوا على خصوصية العلاقة بين العروبة والإسلام، “وهي خصوصية خاصة بالعرب لا تشترك معهم فيها أي قومية أخرى في العالم الإسلامي. فالعربية هي لغة القرآن، والثقافة العربية هي التي انتشرت من خلالها الدعوة الإسلامية في العالم . فحينما يتم فصل لغة القرآن الكريم عن القرآن الكريم نفسه فكأنه فصل للأرض العربية، التي عليها الحَرَمان الشريفان والمقدسات الإسلامية، عن الدين الإسلامي. هذه الخصوصية في العلاقة تجعل من أضعاف العروبة أضعافاً للإسلام والعكس صحيح”. وهنا تبرز مسألة يشدد عليها المؤلف، تحت عنوان إطلاق حرية الإنسان العربي في صياغة حاضره وصناعة مستقبله، لكنها في كل الأحوال ليست قضية تفرضها ضرورات مرحلية واعتبارات سياسية آنية، ذلك أن الهوية الموحدة للأمة لم تتشكل بعد الفتح العربي الإسلامي بقرار سلطوي، وإنما استند التوحد القومي الذي تجسد في انتشار التعريب اللغوي الثقافي إلى اندماج طوعي قاعدته الاقتناع الحر للكتل الشعبية التي عاشت بين المحيط والخليج وتخلت بموجبه هذه المجموعات عن كثير من سماتها الذاتية لحساب السمات العامة التي ميزت الأمة وبخاصة على صعيد اللغة والثقافة والقيم، واحتفظت في آن بسمات خاصة لا تتناقض مع السمات العامة للأمة، فنمت الشخصية القومية العربية على قاعة التنوع في إطار الوحدة المجتمعية. وهذا التوحد الحر ما كان له أن يتم لولا عاملين أولهما تحرير الأرض العربية عبر الفتوحات الإسلامية من كل نفوذ أجنبي، وثانيهما سماحة الإسلام وليس تسامح المسلمين التي أطلقت حرية الإنسان في الاختيار على قاعدة أن لا إكراه في الدين. وهذا ما يعني أن حرية الوطن والمواطن هما أساس كل مشروع توحيدي ونهضوي، وبالتالي فإن أي توجه توحيدي نهضوي لا يراعي خاصية الأمة التي صنعت وحدتها عبر احتضان التنوع، فإنه يتصادم مع هوية الأمة ذاتها ومع سماتها وخصائصها. وهو ما حدا بالمؤلف لأن يستعرض العناصر الكفيلة بإنجاح أي دعوة سياسية، ابتداء من وضوح الفكرة وسلامتها واتساقها مع الواقع وانطلاقها من الأصول المبدئية للهوية الثقافية العربية ولمضمونها الحضاري أولى هذه العناصر. ويحدد المؤلف أنه “في كل عمليّة تغيير هناك ركائز ثلاث متلازمة من المهم تحديدها أولاً: المنطلق، الأسلوب، والغاية. فلا يمكن لأي غاية أو هدف أن يتحقّقا بمعزل عن هذا التّلازم بين الرّكائز الثلاث. أي أنّ الغاية الوطنيّة أو القوميّة لا تتحقّق إذا كان المنطلق لها، أو الأسلوب المعتمد من أجلها، هو طائفي أو مذهبي أو مناطقي. ولعلّ في تحديد (المنطلقات والغايات والأساليب) يكون المدخل السليم لدور أكثر إيجابيّة وفعاليّة للشباب العربي اليوم”. لتكون الخلاصة بمثابة أمل بولادة “جيل عربي جديد يحرص على هويّته الثقافيّة العربيّة ومضمونها الحضاري، وينطلق من أرضيّة عربيّة ووطنيّة مشتركة تعتمد مفهوم المواطنة لا الانتماء الطّائفي أو المذهبي أو الأصول العرقيّة، وتستهدف الوصول ـ بأساليب ديمقراطيّة لا عنفيّة ـ إلى “اتّحاد عربي ديمقراطي” حرّ من التّدخّل الأجنبي، وتتساوى فيه حقوق الأوطان وواجباتها كما تتساوى في كلٍّ منها حقوق المواطنين، رجالاً كانوا أم نساء”. الكتاب: الفكر والأسلوب في مسألة العروبة المؤلف: صبحي غندور الناشر: مركز الحوار العربي ـ واشنطن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©