الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد أبو صبيح: مثقفون صنعوا الديكتاتورية

أحمد أبو صبيح: مثقفون صنعوا الديكتاتورية
6 يوليو 2011 20:04
في حديثه حدية وجدية عنوانه الالتزام والموضوعية يعرف ما يريد وما لا يريد. لا يجامل بل يبدي وجهة نظره دون وجل أو مراعاة مصلحة ما فهو كالينبوع يتدفق عطاء وخيراً تشده حبات المطر ولا ينشد الهدوء في الكتابة والرواية عنده كالفتاة الجميلة. هذا هو الروائي الفلسطيني أحمد أبو صبيح مؤلف رواية “الجذور العالية” بما في العنوان من استعارة رائعة تعود إلى جذوره التي نبتت عالية وبقيت رغم المأساة والظلم الذي حاق به وبشعبه. يقول أبو صبيح في حواره مع “الاتحاد الثقافي” إن الشتات ولّد لديه شعورا بالنقمة نحو من سلبه أرضه وطفولته، وإن روايته هي رفض للواقع المتردي، فقد أراد العودة ليس من أجل الانغلاق على الذات وتقديس الأجداد، بل من أجل مساءلة الماضي “فهزيمتنا في فلسطين حضارية ومحو آثارها يتطلب إعادة التفكير في البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية”. ويرى أبو صبيح ان بعض المثقفين صنعوا الديكتاتورية في الوطن العربي، وان الساحة تزخر بالنقاد المدّعين الذين لا يعرفون سوى بعض المصطلحات النقدية، ووصفهم بأنهم دخلاء على الأدب. وقال: لا أجد أن المرأة بحاجة لأن أكتب عنها أو أدافع عن حقوقها لكنني أصورها كما هي في الواقع. صدر لأحمد أبو صبيح ثلاث روايات هي “النخلة الحمرا”، و”مذبحة الختان”، و”الجذور العالية”، وروايته الرابعة “المختارة” تحت الطبع، وله أيضا “غنائية المفردة.. رؤى نقدية في نصوص مختارة”. وفي ما يلي الحوار معه: ? يقال كثر الروائيون وقلّت الرواية.. هل من وجهة نظر؟ ? لا شك في أن الساحة الثقافية تشهد طفرة إنتاجية هائلة في كتابة الرواية، وسباقاً ماراثونياً للفوز بأكبر إصدارات، ولعل السبب في التراكم الإنتاجي هو أن البعض يرى سهولة في الشروط المعرفية للرواية، وهناك رغبة كبيرة لدى البعض في البوح التلقائي لمشاعر دفينة في الذات الكاتبة فما أن تتاح لها الفرصة حتى تخرج محاولة كشف الواقع المعاش وتعريته بطريقة غاضبة. وهناك أيضا دور النشر التي وجدت في تلك الأعمال غنائم مادية ومواضيع تستثير القراء العاديين للتعرف على خفايا واقع كان بالنسبة لهم مثاليا وملائكيا. ورغم ذلك ثمة أعمال جادة في هذا الجانب كتبها كتاب على درجة وعي بعالم الرواية وتقنياتها المتعددة. صنّاع للدكتاتورية ? وصف روائي معروف المثقفين بأنهم أكثر قمعا من الأنظمة.. ما رأيك؟ ? بداية اعتاد الناس رؤية المثقف يجلس في أحد المقاهي مع زملائه ليعيش الدور المرسوم له وينتظر فرجا يأتيه من السماء، وعندما تأتي الفرصة تتكشف أزمة التكوين لديه وأزمة تشكيله فكريا وثقافيا. وفي تلك اللحظة يتعرى المثقف أمام مجتمعه المتعطش لثقافة بناءة، فالمواطن العربي تعرض لغزو هائل من الثقافة الغربية فهو يعيشها كل يوم عبر الملابس والطعام ووسائل الترفيه، ليظهر المثقف الذي لا يرضى بأن تكون أمته على هذا الحال ولكن مع المساحات الضيقة التي تتيحها أجهزة الدولة نرى أن نوعا آخر يظهر.. يحللون الواقع كما تريده تلك الأجهزة، فالأصح أنه لا يوجد مثقف ديكتاتور، وإنما هناك مثقف حقيقي ربما يكون قلمه أقوى من السلاح تواجهه قائمة كبيرة من الممنوعات فيتاح المجال واسعا أمام المثقف المزيف الذي يُرضي الأنظمة ولا يخرج عن نصوص استخباراتها ويعطي رأيه في قضايا مجتمعه على النهج الذي يرتضيه النظام وبهذا نرى صنّاعا للدكتاتورية. لا أنكر ? بعض الروائيين صنعتهم الأحزاب أو الثورات.. انت من صنعك؟ ? لكل ولادة مخاضاتها وألمها والذاكرة هي الخزان واللغة أداة التعبير، ولا مجال هنا أن ننكر أثر الأحزاب أو الثورات في أنها محطات مهمة جدا في حياة الأديب بل وأستطيع أن أقول بالأدب كله، وكذلك لا نستطيع أن نتجاهل ما كان يطلق عليه أدب السجون وهناك أسماء كثيرة لمعت مثل صنع الله إبراهيم، وسعدي يوسف، وعبد الستار ناصر وغيرهم، ولكنني أعتقد أن ذلك يبقى ضمن خصوصية معينة سواء في الجملة الروائية أو في استلهام المكان أو الحدث. وأنا كما غيري عشت مراحل عديدة من تاريخ الأمة العربية وعايشت عدة هزائم وانكسارات للجيوش العربية وعشت الشتات ممّا ولّد لدي شعورا بالنقمة نحو من سلبني أرضي وطفولتي، وأعتقد أنني الآن بعد أن خضت عدة تجارب أستطيع القول أن ما يصنع الكاتب عمله فأنا أنظر إلى الرواية كما أنظر للفتاة الجميلة التي تمتلك إلى جانب الجمال الشخصية التي تأسر من يتعامل معها. المقاطعة.. رفض ? بماذا تفسر مقاطعة المثقفين للنشاطات وهل هي موجهة للكاتب ام احتجاجا على الحالة الثقافية؟ ? لا أعتقد أن هناك سياسة عامة للثقافة والمثقفين وكذلك للأنشطة الثقافية بل جل ما نراه في الساحة الثقافية أن هناك سياسة ملتبسة ومرتجلة بخصوص الثقافة ودورها في التحديث والبناء الجاد، وكذلك إيجاد الحلول لما يواجهه المجتمع، فالأصل في الأنشطة الثقافية أن تكون محفزا لإنتاج ثقافي مميز أو نشر وعي ثقافي على درجة عالية من الجدية، ولكن ما يحدث أن كثيرا من الجهات تحاول جاهدة لاختزال الدور الثقافي معللة ذلك بالافتقار للتمويل ممّا يؤدي إلى خلط الأوراق وبالتالي إلى تشويه الثقافة وتعطيل دورها في استنهاض الواقع للتصدي للمستقبل. من خلال ذلك أعتقد أن المقاطعة ما هي إلا رفض للواقع المتردي بكل تجلياته. مساءلة الماضي ? في روايتك الأخيرة “الجذور العالية” ما الذي أردت قوله وهل من رسائل معينة؟ ? لا شك أن رواية “الجذور العالية”، وهي روايتي الأخيرة التي صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان ووقعت في عمان والطبعة الثانية عام 2010 في الدار البيضاء، ومن خلالها أردت في المقام الأول أن ألفت الأنظار إلى مذبحة حدثت عام 1948 في قرية الدوايمة بفلسطين. صحيح أنها ليست المذبحة الوحيدة التي حدثت في فلسطين من قبل الكيان الصهيوني، لكنها امتازت بحجمها وتوقيتها وطريقة الكشف عنها فقد كشفتها صحيفة صهيونية عام 1984، ومن هنا أردت أن أضع أسباب الهزيمة على أنها ليست عسكرية فقط بل كانت أيضا حضارية وأن محو آثارها يتطلب إعادة التفكير في البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع. كما أردت أيضا العودة إلى الجذور ليس من أجل الانغلاق على الذات وتقديس الأجداد بل مساءلة الماضي وما يميزه وبيان الهوية الخاصة. المرأة لا تحتاجني ? كروائي ما الذي يلفت انتباهك أو يستفزك وماذا عن المرأة؟ ? الرواية عبارة عن مجموعة من الأحداث المشوقة والممتعة قد تكون مستحيلة أو واقعية أو خيالية أو قراءة للحاضر والمستقبل ونقد للواقع، فالأحداث التي مرت وتمر بها الأمة العربية تستدعي الوقوف عندها وقفة المتفحص المهتم والمعني بالأمر، ولكن هذا لا يعني إغفال الجانب الجمالي لصالح الهم الإنساني بمعنى أن الرواية يجب أن تقدم إبداعا جماليا لا يخلو من الهم الإنساني، كما أن التحولات الاجتماعية أفرزت نخبة نسائية قادرة على التعبير عن مطالبها ولعبت أدوارا مهمة في التاريخ وما تزال، والمستقبل سيكون مفتوحا أمامها. لذلك أنا لا أجد أنها بحاجة إليّ لأكتب عنها أو أدافع عن حقوقها ولكنني أصورها في رواياتي كما هي في الواقع، فتراها مناضلة ومدرسة وطبيبة ومهندسة وسيدة أعمال وربة بيت فهي قد تكون منكسرة أو قوية شأنها شأن أي فرد في المجتمع. تجار الثقافة ? من خلال متابعتك لما تصدره دور النشر من أجناس أدبية مختلفة.. ماذا ترى؟ ? بحسرة أقول أن عالم النشر يديره في الغالب مجموعة من التجار لا علاقة لهم بالثقافة من قريب أو بعيد، والتحول نحو النشر الإلكتروني ما هو إلا تعبير عن سخط على دور النشر، وحقيقة أن الناشر الجاهل بالفعل الثقافي الحقيقي يقتل الإبداع من خلال سعيه لتحقيق الربح فقط فلا عجب أن نرى كتب الطهي والرقص والكتب الجنسية الرخيصة تحتل مكانا بارزا في المكتبات. هذا بالإضافة إلى العقبات التي يضعها أولئك التجار أمام الكتاب من حساب لكلف الطباعة والتسويق وغيرهما التي في النهاية تذلل بالمال.. هذا كله لا يلغي دور القارئ مع بقاء المسؤولية في ذلك محدودة فنحن بحاجة فعلا إلى كتب جيدة تقدم للقارئ ودور نشر تؤمن بالإبداع فقط ليتم في النهاية إخراج فعل ثقافي مميز. احتكار السلطة ? بعض المثقفين يسقطون على وزارة الثقافة مسؤولية ما أطلق عليه “شيخوخة الثقافة” ما رأيك؟ ? لا أنظر بارتياح لوجود وزارة ثقافة في أي بلد وأفضل رؤية مؤسسات ثقافية، لأن وجود وزارة للثقافة يعني احتكار السلطة وتسويق النموذج الذي يوافقها فقط عبر ترسيخ تصوراتها وعقائدها وطرائقها في التفسير والتأويل وغرس القيم الإنسانية حسب ما تراه. كما ان وجود الوزارة يعني تقييد الهيئات الثقافية لوقوعها تحت وصاية السلطة ومن خلال ذلك لا يمكن أن ترى الديمقراطية الثقافية النور والخدمة الثقافية لن تكون فاعلة ممّا أدى إلى إحباط المثقف ووضعه في شيخوخة مبكرة قوامها عقم وعشوائية وفساد. نقّان مدّعون ? بالنسبة للحركة النقدية هناك من يراها استعراضية.. ماذا ترى؟ ? لا بد أن تتوفر في الناقد شمولية المعرفة والثقافة لتتأكد لديه إدراك البنية الحقيقية لتطور العملية الإبداعية من عدمها، ولا يقتصر دور الناقد على فهم أفكار ومضامين العمل الأدبي ومدى التزام الكاتب بمعايير الفن الكتابي، بل لا بد من وجود الناقد الأدبي كوحدة متكاملة، والحقيقة أن الساحة الأدبية تزخر بالمدعين أقصد مدعي النقد الذين لا يعرفون سوى بعض المصطلحات النقدية فهم كأي دخيل على الأدب بل أرى أنهم أشد خطورة من مدعي الأدب لأنهم يزيدون المدعين غيا عبر زيادة الفرص أمامهم، وأنا بداية في تصالح تام مع نفسي أحاول دائما أن أبحث عن كل ما يفيدني في الكتابة وأتقبل رأي الناقد والقارئ بأريحية تامة. لا طقوس للكتابة ? إن للكتابة طقوسها.. متى تتوهج أفكارك؟ ? لا أعتقد أن هناك طقوس للكتابة أو على الأقل بالنسبة لي، فلدي مناخ شخصي تولد فيه الكلمات، وأملك في داخلي مكانا حميما ألجأ إليه في الكتابة.. تشدني حبات المطر المتساقطة كثيرا ولا أنشد الهدوء فقد اعتدت أن اكتب في الضجيج، فأنا أب لستة أبناء تعودت فوضاهم وشقاوة طفولتهم.. أحب أن أكتب على الورق ومن ثم نقلها على جهاز الحاسوب وربما أكون دائما قلقا متوثبا أحمل الهم الثقافي وأرى أن الكتابة عندما تأتي للمبدع لا تستأذن ولا تحتاج إلى طقوس. ? يقال إن الرواية تأمل للوجود فهل مررت بهذه التجربة؟ ? الرواية عمل سردي متخيل يتضمن مقومات عديدة مثل الأحداث والوقائع التي تكون مسترسلة أو موزعة عبر فصول وقد تكون الأحداث مرتبطة بشخوص وكلما تعددت الأحداث تعددت الشخصيات وتنوعت.. وقد تحمل دلالات اجتماعية أو فكرية أو ثقافية أو نفسية وكما يعلم الجميع أن الوجودية تحتاج إلى الخيال للتعبير وهذا يشكل صعوبة كبيرة في فهم المقاصد حيث أن استعمال الخيال يؤدي إلى غموض كبير في بلورة تلك الأفكار والمواقف وقد يصعب فك ألغازه وبطبيعة الحال لا أنكر أنني مررت بهذه التجربة ولكنني لم أنشر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©