السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألبانيا.. الجبهة المنسية بين الشرق والغرب

3 يوليو 2015 00:13
على مرّ العصور يكتب المنتصرون التاريخ. ومؤخراً فقط، ذكَر بعض كتب ما يسمى «التاريخ من أدنى» قصصَ المنتصرين في تأريخ بديل عن المهزومين، الذين اعتبروا غير جديرين بالذكر. ونتيجة لذلك تم سبر أغوار أرشيف ثري مهمل من قصص حياة هؤلاء الذين نسيهم التاريخ. لكن تضيع بين قصص المنتصرين والمهزومين حكايات الدبلوماسيين والجواسيس والجنود ورجال الدين.. فهؤلاء هم حشو التاريخ، يذكرون كثيراً ثم يختفون. وفي كتابه «عملاء الإمبراطورية»، يجمع «نويل مالكولم» قصص المنتصرين والمهزومين في أوروبا القرن الـ16، وضمنهم القراصنة والجواسيس وغيرهم. الكتاب ليس من وجهة نظر عواصم مثل روما أو لندن، بل من وجهة نظر ألبانيا والشاطئ الأدرياتيكي الذي يمتد من جنوب كرواتيا إلى اليونان. ويشير «مالكولم» إلى أن ألبانيا ربما لا تبدو المكان الأفضل لكتابة تاريخ دول البحر المتوسط، فهي جبهة منسية تنازع فيها الشرق والغرب أكثر مما تواءموا. كانت ألبانيا منطقة حدودية شاسعة، الأديان فيها تشكل حياة الناس، بينما كان الازدهار أو حتى البقاء يعني تغيير التحالفات الدينية والسياسية والتجارية لتلبية احتياجات العالم الذي كان يحكمه الإيطاليون ومن بعدهم العثمانيون. وفي هذا الإطار يقتفي «مالكولم» أثر حياة أسرتين قريبتين في ألبانيا هما «آل بروني» وآل «بروتي». وتبدأ قصته في مدينة «يولسينج» الأدرياتيكية التي أصبحت الآن «مونتيجرو» (الجبل الأسود)، بعد أن كانت في القرن الـ16 واحدة من آخر الجبهات بين روما والإمبراطورية العثمانية، وموطن التاجر والملاكم والدبلوماسي «أنطونيو بروتي». لعب «أنطونيو» دور الوسيط بين البندقية واسطنبول، إذ أشرف على التجارة الحيوية في الحبوب وتعامل ببراعة مع شبكة معقدة من العلاقات الشخصية والتحالفات التي تجعل الانقسام أمراً غير منطقي بين ثقافتين ميزتا النهضة الأوروبية. لكن أنطونيو لم يكن الوحيد من أفراد قبيلته الذي يزدهر في هذا العالم المتميع، فخلال الأعوام الأربعين التالية انتشر أقاربه في أنحاء إيطاليا والبلقان والأراضي العثمانية، بحثاً عن الأرباح التجارية والولاءات الدينية والانتماءات السياسية التي تمنحهم تأثيراً كبيراً. أحد أبناء عمومته، «جيوفاني بروني»، واصل دعوته من خلال الكنيسة، بينما استل شقيقه «جاسبارو» سيفه وانضم إلى فرسان مالطا عام 1567، بعد أن هدد السلطان العثماني «سليم الثاني» بمعركة بحرية كبرى أخرى ضد مالطا والمصالح بين أسبانيا والبندقية في أنحاء المتوسط. ومع تقدم العثمانيين سقطت «يلوسينج» تحت سيطرتهم عام 1571. وبالنسبة لكثير من أسرة «بروني» كان الغزو العثماني كارثة، حيث قتل أنطونيو، وسقط جيوفاني أسيراً بأيدي الأتراك، لكن «جاسبارو» أصبح الثاني في قيادة التحالف البحري المسيحي الذي واجه الأسطول العثماني. وسلّط «مالكولم» الضوء على معركة «ليبانتو»، التي قتل فيها «جيوفاني»، على بعد مائة ياردة من شقيقه، لكن ليس على يد الأتراك، بل على يد الأسبان، بينما كان يتوسل إليهم: «إنني مسيحي». وكان لمعركة «ليبانتو» آثار فادحة على عائلتي «بروني» و«بروتي»، وإن كان بعض أبناء عمومة «جاسبارو» نجوا وواصلوا عملهم التقليدي كوسطاء بين الشرق والغرب، كمترجمين، وتحول بعضهم إلى جواسيس داخل الدولة العثمانية. ويكشف المؤلف من خلال سيرة أسرتي «بروني» و«بروتي» كثيراً من المعلومات القيمة، عبر بحثه في أرشيفات العديد من الدول، علاوة على التدقيق في مخطوطات بالألبانية والرومانية والصربية والمقدونية. وائل بدران الكتاب: عملاء الإمبراطورية المؤلف: نويل مالكولم الناشر: ألين لين تاريخ النشر: 2015
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©