الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

البوصلة الفلسطينية ضيعت اتجاهاتها وغرد لاعبوها خارج السرب

29 يونيو 2006 01:23
لم يستطع الفلسطينيون المقيمون في الأرض المحتلة تقبل حالة التراجع التي تعم الوضع الفلسطيني على مختلف الأصعدة بدءاً بالنتائج التي أفرزتها العمليات السياسية وانتهاءً بما آل إليه الوضع داخل أراضي السلطة الفلسطينية، فقد أفرزت المراحل المتلاحقة منذ أوسلو تردياً مريعاً شمل كل ربوع الضفة وغزة عبر أحداث تسببت بها أيد فلسطينية وبتدبيرات مرتبكة الخطى ومتعثرة أتاحت للمحتل الحصول على مكاسب أكبر على حساب الخسائر الفلسطينية· ويرى الفلسطينيون وبالذات منهم القيادات التي رافقت النضال الفلسطيني، سواء من هم بالداخل أم من هم خارج الأراضي الفلسطينية، أن المشكلة تكمن في ''النخبة السياسية الحاكمة إضافة للمعارضة أو في مؤسسات المجتمع المدني'' ، ويؤكد الدكتور إبراهيم أبراش أنه تم هدر إمكانيات الشعب الفلسطيني المحدودة أصلا '' من أجل تحقيق مصالح حزبية وشخصية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية، فكانت حصيلته تعامل النخبة مع القضية خلال العقد المنصرم أرضاً أقل وحقوقاً وطنية أقل مقابل تضخم ثروات النخبة ''( عندما تتواطأ النخبة على الوطن - دنيا الوطن في 18/6/2005 ) ورغم أن الوضع يزداد تأزماً في الداخل الفلسـطيني إلا إننا لايمكن أن نسـقط أبـداً ما يفرزه الإحتلال من واقع مدمر لا يقتصر عند حدود تدمير التسوية المبغوضة أصلاً والتي عدت أقل ما يمكن الحصول عليه، بل إنه يمتد ليطال الإنجاز الفلسطيني ومحاولات الإصلاح التي يقوم بها الفلسطينيون عبر زرع بذور الفتنة والتآمر في الصف الفلسطيني، وقد يستغرب من هم خارج المشهد الفلسطيني كيف إن الكثير من الأمور جرت بأيد وتدبير فلسطيني يجعل الحلول المطروحة على الساحة الفلسطينية تبدو مشوهة وهي تجتزئ من الحق الفلسطيني أهم ركائزه· الدراسات التي تناولت الواقع الفلسطيني في الداخل أشارت الى أن ظاهرة التعددية التي سادت في فترة النضال السلبي، تبدلت منهجيتها الديمقراطية واستراتيجياتها وانحرفت إيجابيتها باتجاه معاكس، فبعد أن كانت الأدوار تمارس داخل مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية أو بين الفاعلين السياسيين، ضمن استراتيجية وطنية أو مرجعية وثوابت لا يخرج اللاعبون عنها، وطبقاً لأيديولوجية الفصائل التي حرصت دائماً على مرجعياتها وهو ما اصطلح على تسميته بالاختلاف داخل الوحدة، بات اللاعبون يغردون خارج أسرابهم بعد أن تشكلت السلطة الوطنية الفلسطينية، بل إن الأدوار باتت توزع طبقاً للمصالح والمكاسب التي حققت للاعبيها ثروات طائلة وتركت للداخل الفلسطيني واقعاً مأزوماً وبنية مخربة وسلطة عاجزة وفاقدة للمصداقية داخلياً وخارجياً، مما تسبب في وقت لاحق في تشكيل حكومة، وإن كانت منتخبة، لكنها قاصرة وفقاً لتداعيات المراحل السابقة ووفقاً للسقوط المدوي للواقع الفلسطيني من جهة والواقع العربي من جهة أخرى· ويشار الى أن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يمسك بيد من حديد كل الخيوط التي كانت تنزع للانفلات لكنه مع ذلك لم يستطع أن يوقف الفساد والانهيار من أن ينخر الجسد الفلسطيني في الداخل· المشهد الفلسطيني يطرح اليوم ملفات فائقة الأهمية، أصبحت العملية السياسية معها فاقدة لبوصلتها، وباتت أقرب للتفجير منها للتأقلم، ولم تستطع اجتماعات المصالحة أن تحقق شيئاً،أو أي خطوة للأمام سوى ما بدا وكأنه محاولة لتجنب مستصغر الشرر· الوضع داخل الأراضي المحتلة يتشظى الى أزمات متعددة منها أزمة فتح، أزمة الحكومة التي تم تعجيزها عن تحقيق مطالب الشعب، أزمة الفوضى الأمنية، أزمة الفساد، أزمة فقدان الحلفاء، الأزمة المالية وميزانية الدولة الخالية، أزمة الدولة كوجود وواقع مفقود، إضافة للأزمة التي تتصاعد في إطار التسوية· الانهيار الوشيك يعاني الوضع الفلسطيني من انهيار البنية التحتية وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهو ما أشار بعض الفلسطينيين الى أنه ''انهيار لقيم الوطنية والقومية''، وهو نتيجة انشغال القيادات الفلسطينية والقوى السياسية والاجتماعية والنخب بالصراعات الداخلية، مما أفضى الى إهمال معالجة هذه القضايا والمشاكل وإهمال المصلحة الوطنية· وبشكل عام فإن هناك مشكلتين كبيرتين تواجهان الفلسطينيين اليوم، الأولى وهي داء يصيب القضية منذ أكثر من خمسين عاماً وتتمثل بالاحتلال الصهيوني وسياساته التدميرية وتغلغله في الداخل الفلسطيني وهيمنته على الوضع الفلسطيني، والثانية ''تآكل المؤسسات الوطنية وتراجع دورها كمؤسسات قائدة للمجتمع والسياسة، وانشغال القوى والنخب السياسية والاجتماعية بالقضايا الفئوية أو الجانبية على حساب المسائل الأساسية، وتفشي الكثير من الأمراض الضارة إن لم نقل القاتلة في البنى السياسية كمنظمة وسلطة وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني''· (عبدالرحيم ملوح - تؤخذ القلعة من داخلها- من داخل سجن عوفر الإسرائيلي2005-06-14 ) · ويؤشر الواقع أن المشاكل الداخلية التي تتفاقم تؤثر على الحياة اليومية بشكل كبير الى درجة أنه لم تعد هناك حصانات تحمي المجتمع الفلسطيني من العبث بمقدراته، ومن ذلك ضياع سطوة القانون، مما استوجب أن تثور منظمات المجتمع المدني مطالبة بوضع حد للتدهور الحاصل والفساد وتغييب سلطة القانون· وترى دراسات فلسطينية أن المشاكل التي تفاقمت بعد رحيل الرئيس عرفات انبنت على الخلافات حول كيفية إدارة العملية السياسية، فقد اعتبر البعض أن خط المقاومة هو نهج استراتيجي، بينما رأى البعض أنها وسيلة لتحسين شروط التفاوض فقط، وهو خلاف لم تستطع كل الملتقيات الفلسطينية - الفلسطينية حله، وعملت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة وحكومة العدو الإسرائيلي لقمع قوى المقاومة بالعنف والسجن وأخيراً الحصار والمقاطعة الدولية، على توسيع الفجوة بين الأطراف الفلسطينية· وأفرزت هذه الخلافات استحقاقات على الساحة السياسية الفلسطينية منها أن الوحدة الوطنية تستلزم توسيع إطار منظمة التحرير الفلسطينية باستقطاب القوى الفلسطينية الفاعلة في الساحة وتلك التي جمدت عضويتها داخل المنظمة سابقاً وبالذات منها حركتا حماس والجهاد، وهو ما فرض على السلطة الفلسطينية -وفق المراقبين- القبول برغبة هذه الفصائل تسييس اتجاهاتها والدخول في المعترك السياسي، وقد تحققت المخاوف السابقة من تحقيق هذه القوى أغلبية فاعلة في الساحة الفلسطينية· بين الحرس القديم والجديد وتتداول الأوساط الفلسطينية قضية الصراع بين الحرس القديم والحرس الجديد، وهو أمر يفرضه ظهور أجيال جديدة أفرزتها الانتفاضة الأولى والثانية، ترى أن ''المؤسسات التي تقوم عليها السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، قد تجاوزت مددها القانونية التي انتخِبَت على أساسها من القاعدة الانتخابية لكل منها، وإن الاستناد إليها لا يعد بناء قانونياً سليماً، وإنها بحاجة إلى إعادة تجديد''، وعلى ضوء ذلك ترى هذه النخب أن فترة ما بعد عرفات تعد فترة مؤقتة، ينبغي أن تليها خطوة تشكيل قيادة موحدة تعد أساسا للتغيير الجوهري في الساحة الفلسطينية· أنتج الخلاف برنامجاً سياسياً مرتبكاً لم يحظ بالدعم الكافي من قبل كل أطياف الشعب الفلسطيني مما أبرز المخاوف من إعادة إنتاج أوسلو وتكريس فقدان الحقوق الفلسطينية ، وتوجه الشعب للبرنامج البديل وهو برنامج المقاومة فحسم ارتباك الفترة واختار حكومته الجديدة· وترجع هذه النتائج الى اختلاف الأطر السياسية والقيادية، واختلاف الاتجاهات الأيديولوجية في السلطة والمنظمة و''فتح'' من جهة، والقوى السياسية والمقاومة الفاعلة الأخرى من جهة ثانية، ويرسم هذا الخلاف شكلاً معقداً للساحة الفلسطينية يتمثل بوجود قيادة رسمية منتخبة تملك ثقلاً شعبياً، مقابل قيادة حزبية وسلطوية لا تساهم في صنع القرار السياسي، يضاف إليها تراجع دور فلسطينيي الخارج· ويرتبط احتمال انهيار السلطة الفلسطينية بالواقع السائد في الأراضي الفلسطينية، حيث يتزايد تدهور الواقع الأمني والسياسي، وتتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ويسوء الواقع المعيشي والصحي والتعليمي، مما يجعل الحياة الفلسطينية تواجه مأزقاً متعدد الأبعاد، يقربها من استحالة الاستمرار في أوضاعها وصيغها الراهنة· وتذكر مجلة البيان السعودية في عدد يونيو 2005 نقلاً عن مقال نشر في صحيفة معاريف الإسرائيلية 18/6/،2001 أن ما يحدث في أراضي السلطة الفلسطينية جزء من مخطط قديم يستهدف إعادة علاج من الصدمة مرة ثانية إذ ينبغي - وفق الصحيفة - أن يمسك الإسرائيليون '' بعصا كبيرة، وتظل السيطرة على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن والأرض والأبنية في أيدينا، وسوف يتعين علينا أيضاً أن نوطن عدداً من اليهود في أراضي الدولة، بيد أننا سنحرص ـ باستثناء كل ذلك ـ إلى فعل النقيض تماماً مما فعلناه منذ عام 1967م''· وطبقا للصحيفة فإن ''هذه الصدمة ستحدث تلقائياً إن عاجلاً أو آجلاً في اليوم الثاني لرحيل عرفات؛ إذ سوف تضطر إسرائيل خلال فترة غير طويلة إلى إعادة بسط سجادة دماء أوسلو مرة أخرى، عندها سوف يكون من المهم التأكد من أن إسرائيل لن تسير فوق هذه السجادة إلى آخرها، من المهم أن تعد خططاً ومشاريع دقيقة، والإجهاز تماماً على كل من سيطلق النار عليها وطرد كل المسارات القيادية وزمرة القيادة المركزية التابعة لعرفات ومنظمة التحرير وبقية المنظمات حماس، والجهاد الإسلامي كل هؤلاء سوف يدعون لتلقي تذكرة إياب إلى تونس أو إلى إقامة غزة جديدة في مرج الزهور بجنوب لبنان''· وتضيف الصحيفة'' بلا أية علاقة بإغلاق حسابنا العادل معهم، فإن صدمة تحطيم السلطة سوف تكون بمثابة طرقة حديد قوية في بوتقة صب النحاس، وذلك كما أعيد تشكيل ملامح وتربية ألمانيا النازية القاتلة بالقوة بعد الحرب العالمية الثانية، إن الحل موجود في أيدينا؛ فمن الممكن أن ننتصر وأن نسيطر أيضاً بشكل محتمل ومعقول، لا بشكل مثالي بالضرورة''·هذه الصورة التي طرحتها الصحيفة منذ أربع سنوات هي المشهد الذي يتداعى أمامنا بكل تجلياته في الأرض المحتلة، وعلى خلفية الصراعات التي تنشب بين الفرقاء الذين كانوا بالأمس فقط رفاق النضال·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©