الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مدير الأحلام» يعالج مشاكل المؤسسات من خلال شركة «افتراضية»

«مدير الأحلام» يعالج مشاكل المؤسسات من خلال شركة «افتراضية»
2 أكتوبر 2010 20:46
“الوظيفة هي عبودية القرن العشرين” مقولة أطلقها عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد قبل نحو قرن من الزمن، حين أجبرته ظروفه على التنقل بين وظائف متعددة، ولم يكن راضياً عن أي منها، إلى أن انتهى به المطاف إلى التفرغ وصرف كل وقته للإبداع الأدبي، وهو ما جعل منه في النهاية عباس العقاد الصرح الشامخ في البناء الفكري العربي الحديث. كرس عباس محمود العقاد وقته للتأليف حين كانت الحياة تخلو من الصعوبات وتسير بوتيرة هادئة إلى حد كبير قياساً بالعصر الحالي، أما الآن وفي عصر العولمة وتكنولوجيا النانو والتعقيدات التي أحاطت بكل شيء في الحياة وعلى رأسها سوق العمل، صارت الوظيفة والعمل في مقدمة أولويات قاطني كوكب الأرض، كونها تيسر لهم سبل العيش الكريم والحياة الجيدة، إذا ما أبدعوا فيها وأخلصوا، وهو ما يجعلهم والشركات العاملين فيها يتقدمون دوماً في ظل منافسات صعبة تفرض نفسها على كل مكان في سوق العمل صغيراً كان أو كبيراً. شركة خيالية كتاب "مدير الأحلام"، الذي ألفه ماثيو كيلي، يفترض وجود شركة خيالية تواجه مشكلات حقيقية ويعمل مديروها على التصدي لتلك المشكلات من خلال مجموعة من الوسائل البسيطة والفعالة في نفس الوقت، بما يفتح المجال أمام العديد من مديري الشركات في شتى المجالات للأخذ بيد المؤسسات والعاملين عليها والسير بها في الطريق الصحيح لتحقيق نجاحات وإنجازات لفريق العمل والكيان الذي يضمهم. ومن المشكلات التي يتعرض لها المؤلف والتي تعد قاسماً مشتركاً للشركات على اختلاف أنواعها وأحجامها، ازدياد المبيعات مع انخفاض الروح المعنوية لدى الموظفين، ما ينذر بحدوث عواقب سيئة وزلزلة المؤسسة العاملين فيها، فيبدأ المديرون في البحث عن كيفية تحفيز هؤلاء الموظفين، بيد أنهم اكتشفوا أن التحفيز لا يكون بالضرورة بزيادة الراتب أو الترقي لوظيفة أعلى ولكن التحفيز يكون عن طريق تحقيق أحلام الموظفين الشخصية. ويبين المؤلف للمديرين كيف أن الناس من كل المستويات يحتاجون أن تقدم لهم أنماط معينة من المساعدة والتشجيع، وألا سوف تظل أحلامنا للأبد فقط مجرد أحلام، بينما يمضي بنا قطار العمر ونحن غير راضين عن وظائفنا وحياتنا المعيشية. ويوضح أيضاً العلاقة بين الأحلام التي نسعى وراءها شخصياً والطريقة التي نسعى لها جميعاً، وذلك من خلال البدء بفكرته المهمة التي تتمثل في أن الشركة يمكنها أن تعبر عن نفسها أفضل تعبير، إذا ما استطاعت أن تصل بموظفيها إلى أفضل صورة عن أنفسهم. تعاون جاد يلفت كيلي إلى أهمية التعاون الجاد الذي يحدث عندما يعمل الأفراد معاً لتحقيق أهداف الشركة مع أحلامهم الشخصية آخذين في الحسبان المشكلة المتزايدة للموظف إذا ترك عمله، مشدداً على أن قوة مدير الأحلام تتمثل في قدرته ببساطة على تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع الناس بحيث تعود الفائدة على الشركة والموظف والزبون. ويقول كيلي إنه منذ وجدت المنظمات طفق قادتها يبحثون عن طرائق لإلهام العاملين فيها، والحيلولة دون تسربهم منها إلى ما كانوا يتصورونه أمكنة جديدة للعمل تنعم بميزات أفضل. لكن ما حدث أنه في السنوات الثلاثين المنصرمة صار عدد العاملين المتشبثين بفكرة بقائهم في الشركة نفسها طوال مدة عملهم يتناقص، لذا بدأ الاهتمام بالحفاظ على هؤلاء العاملين في شركاتهم ينمو بسرعة، وفي هذه الأيام التي يتزايد فيها النقص في العمالة الماهرة في سوق العمل، وهذا منح العاملين قوة لم يسبق لها مثيل، غداة البحث عن حل فاعل لمشكلة الاحتفاظ بالعاملين في الشركات هاجساً لها. ويدرك التنفيذيون حالياً أن تكلفة فقدان الناس الجيدين لم تعد مقصورة على نفقات توظيف عاملين جدد والاحتفاظ بما تبقى منهم، إذ أنها وصفة للإخفاق، ويقر حتى أكثر المديرين تشككاً بأن إحدى أهم الميزات التنافسية التي يمكن أن تنعم بها شركة هي قدرتها على الاحتفاظ برأسمالها البشري الآخذ في النضوب وتحفيزه. حل مؤقت المؤلف يبين أنه ولسوء الحظ كان المديرون وخبراء الموارد البشرية يركزون معظم اهتمامهم على بعض الأمور، مثل التعويضات والفوائد، لقد رفعوا الرواتب، وزادوا العلاوات، وكفؤوا بالأسهم، وزادوا مدة الإجازات وسمحوا للناس بإحضار حيواناتهم الأليفة إلى مواقع عملهم. وأسفر كل ذلك عن نجاح محدود في أفضل الأحوال، وفي تلك الحالات التي كانت فيها الشركة قادرة على استعمال إحدى هذه الأدوات لإقناع موظف غير راضٍ عن عمله بالبقاء فيه، فقد كانت تستنتج تلك الشركة عادة أن هذا الحل مؤقت ومكلف. ويوجه كيلي حديثه إلى أي مدير قائلاً إن "مستقبل منظمتك وإمكانات موظفيك متداخلة فيما بينها، ثم أن مصائرها مرتبط ببعضها ببعض، والمشكلة هي أن الغالبية العظمى من الناس العاملين في المنظمات أيامنا هذه، ليسوا ملتزمين التزاماً قوياً بتنفيذ مهماتهم، وهذا هو المأزق الذي يواجهه المديرون المعاصرون، فالناس لا يشعرون بدرجات متفاوتة بارتباطهم بعملهم أو بالمنظمة التي يعملون فيها أو بالناس الذين يعملون معهم، وهذا شيء يؤثر سلباً في الروح المعنوية والفاعلية والإنتاجية والتنمية المستدامة والألفة بالزبائن والربحية". مدير الشركة ومالكها من خلال شركة "ادميرال" الافتراضية التي جاء بها الكاتب ينقل لنا حواراً بين سايمون المدير العام للشركة وصاحبها كريك الذي سبق وأن أسس الشركة قبل نحو 25 عاماً، وعبر الحوار يخلص إلى أن الشركة تواجه عدة مشاكل أهمها بحسب اعتراف صاحبها كريك، مشكلة أو تكلفة التسرب والتي بدأ سايمون في التصدي لها من خلال التوصل إلى أسباب هذا التسرب عن طريق استطلاع آراء العاملين في الشركة عن الأسباب التي قد تدفعهم لترك العمل. وكانت رؤيته في ذلك تعتمد على أن "العاملين يعرفون أشياء عن العمل أكثر مما يعرف المديرون في كثير من الأحيان". وعبر هذا الاستطلاع توصل سايمون إلى أن من أهم أسباب عدم بقاء الناس في أدميرال هو عدم توافر وسائل النقل، فلم يكن السبب المال ولا الميزات، بل الانتقال، فقد أظهر الاستطلاع أن السبب كان يكمن في الصعوبات الناشئة عن الافتقار إلى وسائل النقل. وضمن الحوار بين سايمون وكريك جاءت فقرة مهمة قد يستفيد منها المدير في أي مؤسسة وهي "لا تفهمني خطأ يا كريك، أنهم يحبون أن يكسبوا مزيداً من المال أيضاً، لكن عدد المرات التي ورد فيها ذكر مأزق النقل في الاستطلاع كان ضعف المرات التي ذكر فيها المال". أي أن المال وضخ المزيد منه إلى الموظفين لن يكون له تأثير حقيقي، وإنما القضاء على التسرب بشكل جدي يعتمد على حل مشكلة النقل، وهو ما فعله سايمون حين استأجر مجموعة من الحافلات لنقل الموظفين من وإلى مقر أعمالهم، ما أدى إلى تغيير وبروز موقف جديد في أوساط العاملين وهو الشيء الذي أشار إليه المديرون في اجتماعهم الأسبوعي بحضور كريك وسايمون. نجاح نسبي خلال السنة التالية انخفض التسرب في الشركة من 400 في المائة إلى 224 في المائة، ومع أن التسرب كان لايزال مشكلة خطيرة تتصدر قائمة أولويات شركة أدميرال، غير أن التسرب المنخفض كان أكبر عامل أسهم في زيادة الأرباح، أما العوامل الأخرى، فكانت مشتقة جميعاً من معالجة أزمة التسرب. وكان مثيراً للاهتمام أن نلاحظ أيضاً أن عدد أيام الإجازات المرضية انخفض بنسبة 31 في المائة، وأن عدد أيام التأخر انخفض بنسبة 65 في المائة ثم إن المديرين ذكروا في تقاريرهم ربع السنوية، أنهم وفرقاءهم تخلصوا من قدر كبير من الضغوط التي كانوا يرزحون تحتها، وهذا الإنجاز، بحسب المؤلف، دفع كريك إلى مخاطبة سايمون "يجب أن تستمر في البحث عن أسباب ترك الناس شركة أدميرال، ثم أن عليك استئجار مساعد لك، لأنك بحاجة إلى شخص لمساعدتك، نحن في طريقنا إلى تعرّف الموضوعات الجوهرية المتعلقة بالتسرب، وهذا يسمح لنا بإنشاء فريق عمل استثنائي". فكانت هذه التعليمات تحمل في فحواها دعماً لأسلوب سايمون في الإدارة وكيفية علاجه لمشكلاتها بالسعي إلى تحقيق أحلام الموظفين، وفي ذات الوقت اقتناع تام من جانب كريك بهذا الأسلوب الجديد والمغاير في طرق تنظيم وإدارة العمل داخل شركته. من جهته، صار سايمون عازماً على ألا يفقد زخم حركته، لذا وجه الدعوة إلى اجتماع يحضره المديرون التنفيذيون ودارت فيه مناقشات عديدة ومداخلات أبرزها ما ذكرته ساندرا أندرسون مساعدة سايمون الجديدة بالقول: "المشكلة أن الحاضرين لا يرون مستقبلاً للعاملين في الشركة"، وكان كل من الغرفة يعمل ذلك، غير أنهم جميعاً كانوا يتغاضون عن الجواب لأنهم كانوا يعتقدون أنهم غير قادرين على تغييره، ذلك أن الشركة نشاطها كان يتمثل في خدمات البوابين (الحجّاب) ومهنة البواب في أميركا هي حراسة المباني والشركات والمكاتب، وإضافة إلى ذلك فهو يقوم أيضاً بتنظيفها والعناية بأنظمة التدفئة والتبريد والإصلاحات البسيطة التي تتطلبها. طريق مسدود واصلت ساندرا حديثها بعد تعجب بعض الحضور من جراءة طرحها، وقالت: "حسناً، ما أعنيه هو أن مهنتهم قد تنتهي بطريق مسدود، لكن يمكن جعلها معبراً للانطلاق إلى أشياء أفضل، لأن هؤلاء الناس لهم أحلام، وعلينا العثور على وسيلة لربط مهنتهم اليوم بأحلامهم في الغد، لقد قمت بدراسة تقارير التسرب منذ التحقت بالعمل، ويبدو لي أننا نحتفظ بالعامل نحو ستة أشهر في المتوسط، وقبل عام كان هذا المتوسط ثلاثة أشهر، تصوروا لو أن بمقدورنا زيادته إلى ثلاث سنوات، إن هذا وحده سيغير جذرياً موقف العاملين من عملهم". وهنا تدخل جيف "الذي يعمل مديراً للعمليات في الشركة" قائلاً: "هل تصغون إلى أنفسكم؟ الحلم هو مستقبل غني بالتخيلات، هؤلاء الناس هم من العاملين غير المهرة، وليس لديهم مستقبل غني بالتصورات"، وإذ ذاك تدخل سايمون بقوله: "لذا فنحن بحاجة إلى مساعدتهم في هذا الموضوع أيضاً". عندئذ صاح جيف بأعلى صوته: "هذه المهن طريقنا مسدود، لا يحلم الناس بأن يصبحوا بوابين، هذا هو الحال، ولا يمكننا تغييره"، وخلال ذلك كان المجتمعون يهزون رؤوسهم علامة على الموافقة. انبرى سايمون معلقاً "أظن أن بمقدورنا أن نغير، أظن أن بإمكاننا مساعدة عاملينا على بناء جسر بين حاضرهم ومستقبلهم، الأحلام هي الجسر، نحن بحاجة إلى إقناعهم أن هذه ليست مهنة تنتهي إلى طريق مسدود، والطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي أن نبين لهم أن عملهم هنا يمكن أن يساعدهم على الوصول إلى حيث يريدون". اختبار الفكرة تمضي أحداث الكتاب بعد ذلك إلى أن ينقل المؤلف مشهدا حواريا مثيرا للتأمل بين كل من سايمون وكريك يطرح فيه سايمون فكرة تعيين مدير للأحلام في الشركة، وهو ما أشار استغراب كريك في بداية الأمر، غير أن سايمون أزاح هذه الدهشة والاستغراب حين خاطبه إن "اختبار فكرة مدير للأحلام لمدة سنة ستكلف أقل من 20 في المائة مما اقتصدته من تكاليف التسرب الذي انخفض خلال السنوات الاثني عشر السابقة، لكن السؤال الحقيقي هو: "كم ستربح من ذلك؟" واستطرد سايمون في عرض فكرته "أعتقد بحق أنك إذا عملت ذلك بطريقة سليمة فستجني ثروة، أعني بذلك أنني أظن أنك ستضاعف هامش أرباحك، وستضاعف حجم عملك في خمس سنوات، لن يتحقق هذا فحسب، بل أننا أيضاً سنحدث ثورة في الطريقة التي يدير بها الناس إلى الأبد". وبالفعل أخذت الفكرة طريقها إلى أرض الواقع وتم اختيار سين إيفانز الذي كان يحمل درجة جامعية في الإدارة والأعمال، مضافاً إليها تسع سنوات من العمل المميز. ثم يحدد إيفانز منهجه في العمل، قائلاً "نحن جميعاً بحاجة إلى وظيفة مدير الأحلام، وقبولي لهذا العمل جعلني أرى أنني بحاجة أيضاً إلى مدير للأحلام، كل شخص بحاجة إليه، وإلى حد ما يمكننا أن نفعل ذلك بأنفسنا، لكننا جميعاً بحاجة إلى شخص يمكنه مساعدتنا على تعريفنا بأحلامنا، وتحديد أولوياتنا، ووضع خطة لتحقيق تلك الأحلام، وجعل أنفسنا مسؤولين عن الأفعال التي تساعدنا على تحقيق أحلامنا أو إبعادنا عنها". وشرع إيفانز في تنفيذ مخططاته كمدير للأحلام بالشكل الذي يعود إيجاباً على كل من الشركة وجميع العاملين فيها، بالاستماع إلى أحلام أطراف عديدة في الشركة ممثلين لكافة الدرجات الوظيفية، غير أن أول الأحلام التي شرع في تنفيذها هو حلم ريتا، المرأة ذات الأربعة وخمسين عاماً، والتي تمثل حلمها في امتلاك منزل يتناسب وقدراتها الضعيفة شأنها في ذلك شأن 60% من العاملين في الشركة ممن تقاسموا جميعا نفس الحلم. وعبر قراءة باقي صفحات الكتاب، يتبين كيف فعلت وظيفة مدير الأحلام فعلتها في خلق بيئة عمل جديدة رائعة انعكست على طرفي علاقة العمل (العمال وأصحاب العمل) التي كثيرا ما ينظر إليهما عن طريق الخطأ على أنهما خصمان وليسا مكملان لبعضهما البعض. ثقافة الأحلام كان سايمون وفريقه في أدميرال يبنون ثقافة للأحلام، ولوحة الإعلانات المعلقة على حائط غرفة طعام العاملين، التي كانت تملؤها إعلانات شخصية كثيرة، أصبحت الآن مغطاة بصور فوتوغرافية ومعلومات أخرى عن الأحلام التي تحققت، في كل شهر، عندما كان الموظفون يأتون إلى المبنى الرئيس للإدارة ليقابل كل منهم مدير أحلامه، كانوا يتوقفون قليلاً ويفكرون فيما كان يحدث لحياة العاملين الآخرين. لقد مر قرابة ثلاث سنوات على بداية برنامج مدير الأحلام، وكانت الأرباح خلال هذه المدة في تصاعد مستمر، وقد كان كريك يضخ من هذه الأرباح قسماً في ذلك البرنامج، ذلك أنه قرر إشراك العاملين في قسم من هذه الأرباح. لمحة عن المؤلف ماثيو كيلي هو متحدث ومؤلف معروف عالمياً، بيع من كتبه أكثر من مليون نسخة، وظهرت كتبه في قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في جريدة نيو تايمز، والوول ستريت جورنال واس ايه تو دي وبابليشر ويكلي وغيرها من الصحف. وخلال السنوات العشر الماضية ألقى ماثيو كيلي أكثر من 2500 محاضرة لأكثر من 3 ملايين شخص في مؤتمرات واجتماعات للعديد من المنظمات، ومنها 500 شركة تابعة لمؤسسة فورشن، وهيئات التجارة المحلية والمنظمات المتخصصة والجامعات والكنائس والجمعيات الخيرية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©