الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هدم بيوت لبنان العتيقة لصالح «فوضى» العمارة

هدم بيوت لبنان العتيقة لصالح «فوضى» العمارة
2 أكتوبر 2010 20:43
البيت اللبناني العتيق يعتبر ثروة مهمة لما يحتويه من عناصر معمارية، تطورت خلال فترات زمنية طويلة، وهي نتاج تفاعل الإنسان اللبناني مع بيئته ومحيطه، وليس أدل على ذلك من تحول مجموعة كبيرة من البيوت إلى متاحف للفنون والثقافة، لتمثل مراحل زمنية مختلفة، مثل متحف سرسق، ومتحف معوض (قصر فرعون سابقاً). البيوت العتيقة التي كانت تحكي عن تاريخ بيروت ودورها، ما زالت ناطقة بلغة المجد الممتد إلى أول التاريخ، وتبتسم بلغة أسرار وحكايات ارتبطت بالوجدان، وعكست إشعاعات فكرية ووجدانية من نوافذ أطلت على زمن يكشف عن سر مخبأ تحت أناقة تراثية زاخرة بذاكرة مدينة لا تغيب عن البال، لأن لا أحد يعلم السر الكامن في هذه البيوت القديمة. كل هذه المشاهد تجعل الإنسان يشعر بأن بيوت بيروت تتنفس، إلى حد الوصف بأنها الشاهد الوحيد على كل الأقدام التي وطأت هذه الأرض. العمارة العربية عين المريسة، الجميزة، محيط الجامعة الأميركية الأشرفية وغيرها مناطق لا تزال تحافظ في بعض أحيائها وأزقتها الفسيحة على عمارة بيروت العتيقة، المشابهة لأسس العمارة العربية، ولميزتها المتمثلة بمواكبتها لمتطلبات واحتياجات المجتمع، بما يتفق مع التعاليم الروحية والأخلاقية من جهة واحدة، والظواهر والنواميس الطبيعية من جهة ثانية. العمارة البيروتية العتيقة بسيطة في الشكل، وغالبية البيوت كانت مؤلفة من طابقين فوق قناطر معقودة بشكل أقبية داخلية وديوانيات ذات أشكال هندسية منتظمة بين المربع والمستطيل، لكن البيت “البيروتي” البورجوازي غاب وسط الزحمة الخانقة للناس في المدينة، وفرض على الجميع نمط الطراز الأوروبي، نموذجاً معمماً للسكن في كل الأمكنة، لا علاقة له بطريقة عيش الناس. الحنين إلى التراث البيوت القديمة في بيروت باتت نادرة، كما يقول رئيس بلدية بيروت السابق شفيق السردوك، وأي منزل قديم له مواصفات الهندسة القديمة، التي يستعاض عنها اليوم ببناية كاملة من عدة طوابق، وهذا الواقع أدى إلى مشاهد عمرانية في العاصمة بعيدة كل البعد عن تراث وحضارة الماضي في كل ما هو جميل، لناحية الأرجاء الفسيحة للمنزل “العتيق” المفتوح على الداخل حيث الفناء ونافورة المياه والحديقة الواسعة. ومشهد بيروت من بعيد لا يسمح للناظر إليها إلاّ أن يرى صورة واحدة داخل المدينة، أبنية عالية لا تشبه ماضيها القديم، ولا أحياءها التراثية، فالملامح “العتيقة” تزول بسرعة بحيث تسبق الجيل الواحد، والفصل الواحد أحياناً. ويقول السردوك “لو أخذنا منطقة “كليمنصو” الراقية كمثال لرأينا أن الطابع التراثي يندثر لمصلحة أبنية جديدة شاهقة”. هجمة الموضة يقول مختار منطقة رأس بيروت كمال ربيز، الذي يسكن في بيت قديم على مقربة من الجامعة الأميركية، إنه لن يبيع منزله رغم كل العروض التي قدمت، مؤكدا أنه “حين يموت فإن أحداً لن يتمكن من الحفاظ على هذا البيت الذي سيهدم قبل أن يمر أربعين يوماً على موته”. وشكلت البيوت العتيقة الباقية عبر مراحل زمنية الصياغة الحقيقية للعاصمة بيروت وضواحيها، وإرثها وتاريخها، هذه البيوت التي ما زالت ترسل إشعاعاتها الثقافية والفكرية والوجدانية، من نوافذ لطالما طلت على التألق، وصهيل الحجارة التي تكشف عن سر يحفظ الأصالة والذاكرة. والواقع، أن الخوف ينصب اليوم على البيوت العريقة و”العتيقة” التي ما زال القليل منها يصمد أمام “هجــمة الموضة” العمرانية التي أصــبحت مثل اللوحة السـوريالية التي لا تشـــبه شيئاً يذكر بلبنان أو بماضــيه، والتي لا تنتمـــي إلى المدينة الواحدة والذوق الواحد، بل إلى فوضــى أفكار هندسية لا تناغم بينها.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©