الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بورما... وشبح الحرب الأهلية

1 يوليو 2012
جايسون موتلاف لايزا، بورما عندما انهالت قذائف "الهاون" على قريته في يوليو الماضي، لجأ "ماجاونج لاهكام" إلى الغابة من دون أي شيء عدا عكازتيه الخشبيتين. ومن داخل مخيم للنازحين بالقرب من الحدود الصينية حيث يقيم من ذلك الحين، قال هذا المزارع الذي يبلغ من العمر 68 عاماً وينتمي إلى إثنية "الكاتشين" إنه يتوق إلى العودة إلى منزله، ولكنه لا يستطيع التخلص من ذكريات ما رآه في ذلك اليوم: بقايا مبتورة ومشوهة لجثة مر بجانبها أثناء فراره. عميقاً في المرتفعات الغنية بالموارد لولاية "كاتشين" الواقعة شمال البلاد، تدور حرب أهلية بين القوات الحكومية ومتمردي "الكاتشين"، مما يطرح علامات استفهام بشأن الإشارات التصالحية التي صدرت عن البلاد. وتشير التقديرات إلى أن نحو 75 ألف شخص نزحوا عن منازلهم خلال العام الماضي، غير أن خطوط الجبهة المتحركة دفعت آلافاً أخرى من النازحين للجوء إلى الصين، حيث المساعدات بالكاد تصلهم. منظمات الحقوق الدولية تتهم الجيش البورمي بهجمات متعمدة على المدنيين، والتعذيب، والاغتصاب، والتجنيد القسري، والإعدامات. كما أن كلا الجانبين يستعملان الأطفال جنوداً ويواصلان زرع الألغام الأرضية التي أودت بحياة مقاتلين ومدنيين على حد سواء. الحرب، التي اندلعت من جديد بعد انهيار وقف لإطلاق النار دام 17 عاماً في يونيو الماضي، مستمرة رغم تحسن سياسي في جنوب بورما فاجأ حتى أكثر المراقبين حنكة. ذلك أنه منذ وصولها إلى السلطة العام الماضي، قامت الحكومة المدنية- بالاسم فقط- بتحرير مئات السجناء، وتخفيف الرقابة على وسائل الإعلام، وتوصلت إلى اتفاقات مع مجموعات متمردة أخرى من الأقليات الإثنية في إطار جهد كبير يروم انفتاح البلاد. غير أنه في "كاتشين" البعيدة، شكل مصير أراضي الأجداد نقطة خلاف بالنسبة للمتمردين الكاتشين، المسيحيين في معظمهم، والذين يشتهرون بتكتيكات مخيفة لحرب العصابات القائمة على الكر والفر، وتعود إلى زمن الحرب العالمية الثانية. ويذكر هنا أن "الكاتشين" هم من بين أكثر من 100 أقلية إثنية في بورما التي تمثل ملتقى طرق استراتيجياً بين الصين والهند وتايلاند. الحكومات الغربية التي حرصت على مدى عقود على النأي بنفسها عن بورما ردت على نحو إيجابي على التحسن السياسي العام في البلاد. فعقب انتخابات جزئية جرت في أبريل الماضي، وتم خلالها انتخاب الناشطة المدافعة عن الديمقراطية "أونج سان سو كي" إلى البرلمان، علق الاتحاد الأوروبي معظم عقوباته. ومن جانبها، أزالت الولايات المتحدة عراقيل عن الاستثمار وعينت أول سفير لها منذ 22 عاماً. وفي هذا الإطار، يقول بعض المحللين الأجانب إن التخوفات الأميركية المستمرة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والنزاعات الإثنية مفهومة، ولها تأثير على الرئيس البورمي "تاين ساين"، وهو جنرال سابق، ولكن دعواته لوقف إطلاق النار في ولاية "كاتشين" يتم تجاهلها من قبل القادة العسكريين الحاليين، حيث كثفت القوات الحكومية البورمية هجوماتها ضد جيش استقلال "كاتشين"، مما يعكس حدود السلطة المدنية والثروة الكبيرة موضوع النزاع في المناطق النائية. فالغابات الجبلية لـ"كاتشين" ووديانها، المعروفة باسم "بلاد الأزرق والذهب"، تزخر بالمعادن والأحجار الكريمة والخشب. كما تمتلك ولاية "كاتشين" أيضاً مشاريع مائية ضخمة يمكن أن تفيد الصين المتعطشة للطاقة، والتي استثمرت المليارات في المنطقة، على حساب السكان الأصليين المنتمين إلى إثنية "الكاتشين". القتال الحالي اندلع في يونيو الماضي بالقرب من سد "ميستون"، وهو مشروع مثير للجدل مشترك بين الحكومة البورمية وشركة استثمارات الطاقة الصينية المملوكة للدولة، مشروع كان سيحول 90 في المئة من الكهرباء التي يتم توليدها إلى إقليم يونان الصيني الواقع جنوب غرب البلاد. غير أن "تاين ساين" أوقف أشغال البناء لاحقاً رداً على احتجاجات على عمليات إخلاء بالقوة ومخاوف بيئية، وهو ما مثل إذعاناً نادراً للضغط العام الذي أغضب المسؤولين الصينيين. ورغم أنهم قليلون عددياً وأقل تسليحاً، فإن زعماء المتمردين "الكاتشين" يقولون إنهم غير مستعدين لإلقاء أسلحتهم إلا مقابل حكم ذاتي أكبر ونصيب عادل من الموارد الاقتصادية. وفي هذا الإطار، يقول العميد "سوملات جان مو" من جيش الكاتشين إن البورميين "يريدون حل هذا النزاع بالطرق العسكرية"، وأضاف يقول في حوار معه بمركز قيادته بفندق في لايزا، العاصمة الإدارية لجيش استقلال كاتشين: "إننا نريد حواراً حقيقياً، وكاتشين غنية بالموارد الطبيعية، ولكنهم لا يريدون منحنا حقوقاً سياسية متساوية". المدينة التي كانت تعيش طفرة اقتصادية في الماضي شهدت هجرة لرجال الأعمال الصينيين الذين كانوا يملأون في الماضي كازينوهاتها وخزائنها الضريبية. فغرف الفنادق باتت فارغة اليوم، ومناطق تجارية بكاملها أغلقت، والأسواق المحلية لم يعد يرتادها غير المدنيين النازحين من المخيمات التي تضخمت وانتشرت عبر المدينة مع تقدم القوات البورمية. "هكا هتوم لو"، 42 عاماً، وصلت إلى المدينة مشياً على الأقدام قبل بضعة أشهر برفقة عائلتها بعد أن تعرضت قريتهم لهجوم. وقبل أسابيع، عاد زوجها إلى القرية لجلب أغراضهم، ولكنه لم يعد أبداً. وتقول "لو" وهي ترضع واحداً من أطفالها الستة: "من الصعب تحديد أكثر شيء ينقصنا هنا لأننا فقدنا كل شيء!". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©